لم تجد الأم الفلسطينية مها علوان مكاناً آخر تلجأ إليه مع أطفالها كخيار أخير إلا أحد ممرات قسم الولادة في مستشفى الأمل بمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، بعد وصول الدبابات الإسرائيلية إلى محيط منزلها.
وتفترش علوان، وهي شابة بعمر الثلاثين، مع أطفالها الثلاثة، زاوية صغيرة بقسم الولادة في المستشفى التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
وطلباً للأمان من قصف الاحتلال الإسرائيلي الكثيف على مدينة خان يونس لجأت المئات من العوائل الفلسطينية إلى مستشفى الأمل، ليتحول إلى ملجأ جديد للنازحين الفلسطينيين رغم مساحته الصغيرة.
نزوح متكرر
وتقول الأم الفلسطينية: "أسكن في بلدة خزاعة شرق خان يونس ونزحت لمنزل أقارب زوجي في وسط المدينة بعد أن طالبَنا الجيش الإسرائيلي بإخلاء منازلنا وبدأ بقصفها".
وتضيف: "بعد ثلاثة أيام من إقامتنا في منزل أقارب زوجي بدأ القصف يشتد في محيط المنزل، ما اضطرنا إلى القدوم إلى مستشفى الأمل بحثاً عن الأمان".
وتعيش علوان مع أسرتها ظروفاً معيشية قاسية في مستشفى الأمل، فهي لا تستطيع أن تُعدّ الطعام للأطفال ولا الخبز وتكتفي بإطعامهم قليلاً من التمر والجبن والبسكويت.
وهذه الأنواع من الأطعمة يحصل عليها الفلسطينيون بصعوبة وبأسعار مرتفعة للغاية فالأسواق مغلقة وإسرائيل تدخل مساعدات إلى القطاع بشكل محدود للغاية، كما تقول الفلسطينية علوان.
لا مأوى
وفي ركن آخر من ممرات مستشفى الأمل كانت الشابة الفلسطينية سمر رشيد تبحث عن قليل من المياه لتروي ظمأها بعد رحلة طويلة قطعتها سيراً على الأقدام من منزلها شرق خان يونس إلى المستشفى وسط المدينة.
وتقول الشابة العشرينية رشيد بعد أن عثرت على زجاجة مياه: "لا كلمات لديَّ تعبِّر عمَّا يحدث. كما تشاهدون نحن الآن بلا مأوى، لا أدري أين سأنام، هذا الممر بالمستشفى مليء بالنازحين".
وتضيف رشيد: "مررنا بأيام قاسية منذ بداية الحرب ولكن يبدو أننا سنواجه ما هو أصعب خلال الأيام القادمة، فهنا لا يوجد طعام ولا مكان للنوم ولا نملك حتى أي أغطية تقينا من برد الشتاء".
فسحة أمل
ويركض الأطفال في ممرات مستشفى ا" في محاولة للبحث عن فسحة يرفهون فيها عن أنفسهم في ظل الظروف القاسية والمعقَّدة التي يعيشون فيها.
وكان هؤلاء الأطفال يلعبون لعبة شعبية تحمل اسم "شريدة" وتتمثل قوانينها في أن يركض الجميع ويبقى طفل واحد يلاحقهم حتى يمسك بأحدهم ليبدأ الأخير بملاحقة الجميع وهكذا حتى يصابوا بالإرهاق.
ابتسامة بريئة
وفي مشهد آخر كانت طفلة فلسطينية لا تتجاوز السنوات التسع تجرّ شقيقها على مقعد متحرك بأحد ممرات قسم الاستقبال في المستشفى.
وعندما وصلت إليها كاميرا وكالة الأناضول رفعت الطفلة علامة "النصر" بيدها مع رسم ابتسامة رقيقة على وجهها البريء الذي واجه أياماً قاسية طويلة قبل وخلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ أكثر من شهرين.
ومع معاناتهم لظروفهم المعيشية الصعبة، يلجأ الفلسطينيون إلى المستشفيات والمدارس للشعور بالأمان والحماية من القصف والغارات الإسرائيلية.
ولكن جيش الاحتلال قصف منذ بداية حربه على القطاع الكثير من المدارس والمستشفيات، ما أوقع مئات القتلى والجرحى في صفوف النازحين.
وتواصل الطائرات الحربية الإسرائيلية والآليات المدفعية قصفها المكثف على مناطق قطاع غزة وتركزه على مخيم جباليا (شمال) وخان يونس (جنوب) وحي الشجاعية وحي التفاح شرق مدينة غزة شمالي القطاع، حسب مراسل الأناضول.
وتزامن ذلك مع حرب مدمِّرة يشنها الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على قطاع غزة، خلّفت حتى مساء السبت، 17 ألفاً و997 شهيداً، و49 ألفاً و229 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، حسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.
ورداً على "اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته"، شنت حركة حماس في ذلك اليوم هجوم "طوفان الأقصى" ضد مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية بمحيط قطاع غزة.
وقتلت حماس في هجومها نحو 1200 إسرائيلي وأصابت نحو 5431 وأَسَرَت قرابة 239، بادلت العشرات منهم، خلال هدنة إنسانية استمرت 7 أيام حتى الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، مع إسرائيل التي تحتجز في سجونها 7800 فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.