روسيا تعلن تسجيل أول لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد محلياً  (AP)
تابعنا

تجاوز عام 2020 منتصفه والجميع ينتظر الحصول على لقاح فعّال يضع حداً لوباء كورونا، الذي أنهك القطاع الصحي والاقتصادي في شتى الدول وأصاب أكثر من 20 مليون شخص وأودى بحياة أكثر من 750 ألفاً آخرين حول العالم.

وفي الوقت الذي تتنافس فيه الدول والشركات الكبرى لإنتاج اللقاح، وسط تزايد المخاوف من ترجيح المصالح المادية على سلامة الأفراد، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء، أن روسيا هي أول دولة تسجّل رسمياً أول لقاح ضد فيروس كورونا في العالم.

أكد بوتين أن اللقاح "اجتاز جميع الاختبارات اللازمة" وأنه يعمل "بفاعلية عالية ويوفّر مناعة دائمة"، وشدّد في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون التطعيم "طوعياً وليس إجبارياً".

وفي محاولة على ما يبدو لطمأنة الجميع، قال بوتين إن إحدى بناته حصلت على "تطعيم باللقاح الجديد" وهي في صحة جيدة و"جسدها مليء بالأجسام المضادة للفيروس"، وإنه سيطرحه في حملات تطعيم واسعة في بلاده بداية من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

واعتبرت روسيا أن اللقاح يعد "انتصاراً كبيراً للبشرية على فيروس كورونا" وأطلقت عليه اسم "سبوتنيك V" تيمناً باسم القمر الصناعي سبوتنيك 1 أول قمر صناعي يسبح في الفضاء الذي أطلقه الاتحاد السوفيتي عام 1957.

منظمة الصحة العالمية تتوجّس

استقبلت منظمة الصحة العالمية الأنباء الروسية بحذر، وأكدت أن "المرحلة التي تسبق الترخيص للقاح وترخيصه بعدها يجب أن يخضعا لآليات صارمة" قبل أن تعتمده المنظمة.

فقد أوضح المتحدث باسم المنظمة طارق باساريفيتش أن "مرحلة ما قبل الترخيص تتضمن مراجعة وتقييماً لكل بيانات السلامة والفاعلية المطلوبة التي جُمعت خلال مرحلة التجارب السريرية".

فعلى الرغم من أن الجهات المحلية في كل بلد بإمكانها التصديق على إنتاج لقاح، فإن مرحلة التصنيع لاحقاً تتطلب ترخيصاً مسبقاً لمنظمة الصحة العالمية، لأنه بمثابة "ضمان للنوعية".

في آخر توضيح لها في 31 تموز/يوليو، أحصت منظمة الصحة العالمية 26 لقاحاً مرشحاً في العالم يجري تقييمها خلال تجارب إكلينيكية على البشر، في مقابل 11 لقاحاً تجريبياً في منتصف يونيو/حزيران.

ولا يزال معظم هذه التجارب في "المرحلة الأولى" التي تهدف بشكل أساسي إلى تقييم سلامة المنتج، أو "المرحلة الثانية" حين يجري بالفعل استكشاف مسألة الفاعلية.

فيما خمسة منها فقط هي في "المرحلة الثالثة" الأكثر تقدماً، حين تُقاس الفاعلية على آلاف المتطوعين: وهذا ينطبق على اللقاحات التجريبية التي طورتها شركتا بَيونتك الألمانية وفايزر الأمريكية ومختبرات مودرنا الأمريكية ومختبرات سينوفارم وسينوفاك الصينية وجامعة أكسفورد بالتعاون مع أسترازينيكا البريطانية.

اللقاح الروسي الذي طوره مركز نيكولاي غاماليا لعلم الأوبئة والأحياء الدقيقة بالتعاون مع وزارة الدفاع الروسية مُدرج في المرحلة الأولى في قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية.

بينما يؤكد صندوق الثروة السيادي الروسي المشارك في تطويره أن المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية ستبدأ الأربعاء. وتقول السلطات الطبية الروسية إن المعلمين والطاقم الطبي سيبدأون تلقِّي اللقاح ابتداء من أغسطس/آب الجاري، قبل طرحه للتداول في 1 يناير/كانون الثاني 2021 بين السكان.

كل ذلك أثار العديد من الشكوك حول فاعلية اللقاح الروسي "سبوتنيك V" وسلامته.

تشكُّك ألماني واستخفاف أمريكي

تلقّى عدد من دول العالم خبر اللقاح الروسي بالتشكيك في مدى "فاعليته وسلامته".

فقد أعلنت متحدثة باسم وزارة الصحة الألمانية أنه "لا معلومات معروفة عن نوعية اللقاح الروسي وفاعليته وسلامته"، مؤكدة أن "سلامة المرضى في الاتحاد الأوروبي تأتي على رأس الأولويات".

ولفتت إلى ضرورة إثبات أن "معادلة الاستخدام مقابل المخاطر إيجابية" قبل التسرّع في عملية التسويق.

أما الولايات المتحدة فقد استقبلت الخبر الروسي بنوع من الاستخفاف، إذ قال وزير الصحة الأمريكي أليكس عازار إن وجود لقاح آمن وفعّال ضد فيروس كورونا "أهم من أن نكون أول من أنتج لقاحاً"، وتابع: "النقطة لا تتعلق بأول من يتوصل إلى القاح، الأهم هو أن يكون اللقاح آمناً وفعالاً للشعب الأمريكي ولشعوب العالم".

ما الدول التي تدعم اللقاح الروسي؟

بعض الدول تحمسّت للقاح الروسي "سبوتنيك V"، فقد أعلنت الأردن أنها ستشتري اللقاح "إذا ثبتت نجاعته"، حسب تصريح وزير الصحة الأردني سعد جابر الذي أكد أن بلاده تجري اتصالات مع روسيا، وإذا تأكدت من سلامته فستقوم بشرائه وإعطائه للمصابين بالفيروس محلياً.

من جانبها، أعلنت روسيا أنها توصلت إلى اتفاقيات مع شركائها في الإمارات والسعودية ودول أخرى لإجراء المرحلة الثالثة من التجارب السريرية فيها، وفقاً لتصريح رئيس صندوق الثروة السيادي في روسيا كيريل دميترييف.

وقال ديمترييف إن بلاده "لمست اهتماماً محترماً باللقاح الروسي الذي طوَّره معهد غاماليا حول العالم"، مؤكداً أن روسيا تلقّت طلبات مبدئية لأكثر من "مليار جرعة من جانب أكثر من 20 دولة".

وقد أشاد الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي بالجهود الروسية لتطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، وأبدى استعداده للمشاركة في تجربته.

وقال دوتيرتي: "سأبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنني أثق كثيراً في دراساتكم لمكافحة كوفيد، وأعتقد أن اللقاح الذي أنتجتموه مفيد للبشرية حقاً"، وأعرب عن ترحيبه بعرض روسي لإمداد بلاده باللقاح، متوقعاً "أن يكون ذلك بلا مقابل"، وهو ما عبرّت روسيا عن استعدادها له.

سباق اللقاح

تسارعت في جميع أنحاء العالم وتيرة الأبحاث والإجراءات على اللقاحات بطرق غير مسبوقة. إذ بدأت الدول والمؤسسات الكبيرة بجمع الأموال على المستوى الدولي، ما يسمح للشركات ببدء تصنيع اللقاح في الوقت الذي تعمل فيه على تطويره، وهو ما يكون في العادة بمرحلتين منفصلتين.

واعتمدت الولايات المتحدة بمفردها عملية "وورب سبيد" (أسرع من الضوء) لتسريع تطوير لقاح تضمَّن أن توفره للأمريكيين. لذا تراهن حكومة الولايات المتحدة على العديد من اللقاحات التجريبية، وقد استثمرت مليارات الدولارات في برامج مختلفة للحصول على 300 مليون جرعة لقاح.

السباق المحموم وصل إلى اتهام بريطانيا والولايات المتحدة وكندا أجهزة المخابرات الروسية بالوقوف وراء هجمات قراصنة لسرقة أبحاث حول لقاحات، وهو ما نفته موسكو.

مخاطر التسرع

تعتبر واحدة من أهم النقاط اللازمة للتأكد من سلامة اللقاح تقديم دليل على أنه "من غير المحتمل أن يتسبب اللقاح في تفاقم المرض"، حسب وكالة الأدوية الأوروبية.

فإجراء التجارب بسرعة كبيرة قد يضر سلامة قطاع كبير من البشر إذا تعرّضوا للقاح، وهو ما يؤكده أستاذ علم الفيروسات الجزيئية في جامعة نوتنغهام البريطانية جوناثان بول.

وقال بول: "لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت مستويات المناعة التي جُربت على بعض المرضى يمكن أن تحمي من العدوى، وما إذا كانت بعض اللقاحات المطورة بإمكانها أن تحمي الحالات الأكثر ضعفاً من المضاعفات الخطرة لكوفيد-19"، حسب ما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية.

وقد علق فرنسوا بالو من جامعة كوليدج لندن، قائلاً: "إنه قرار غير مسؤول ومتهور. التطعيم الجماعي باستخدام لقاح لم يختبر على نحو جيد هو أمر غير أخلاقي"، محذراً من أن أي مشكلة في حملة التطعيم ستكون لها تداعيات "كارثية" من حيث تأثير اللقاح على صحة الأشخاص الذين جرى تطعيمهم والتزام التطعيم بين عامة الناس.

وتاريخياً، تحققت مثل هذه المخاوف وأدّت إلى كوارث طبية، مثل لقاحات الحصبة التي سُحبت من التداول بعد عرضها في الأسواق في ستينيات القرن الماضي، وذلك بعدما أدت إلى تفاقم المرض عند بعض الحالات.

وهو ما استدعى قلق الكثير من العلماء لسرعة إنتاج اللقاح الروسي، فهل يتمكن "سبوتنيك V" من إثبات سلامته وأمانه وفاعليته قبل طرحه للتداول؟

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً