المجلس الانتقالي يعلن الجنوب اليمني منطقة حكم ذاتي ويكلّف القوات العسكرية والأمنية الجنوبية التنفيذ  (Reuters)
تابعنا

بعد محاولات انقلاب عدة نفّذها المجلس الانتقالي المدعوم من دولة الإمارات العربية، وقفت السعودية والحكومة الشرعية في وجهها، نجح المجلس ليل السبت-الأحد، في إعلان الجنوب اليمني منطقة حكم ذاتي، وكلّف القوات العسكرية والأمنية الجنوبية تنفيذ حالة الطوارئ والإدارة الذاتية في عدن وعموم محافظات الجنوب.

وأصدر المجلس الانتقالي الذي يتحكم في زمام الأمور في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، منذ أغسطس/آب الماضي عقب قتال شرس مع القوات الحكومية انتهى بطرد الحكومة التي اتهمت الإمارات بتدبير انقلاب ثانٍ عليها، بياناً قال فيه إنه "بات لزاماً اتخاذ الإجراءات التي تحفظ للجنوبيين حقهم في العيش الكريم بعد صلف وتعنُّت الحكومة اليمنية في القيام بواجباتها، وتسخيرها لموارد وممتلكات الشعب في تمويل أنشطة الفساد".

وبرّر الانتقالي في بيانه الخطوة التي تُعَدّ انقلاباً صريحاً على اتفاق الرياض الموقَّع قبل أشهر، بأنها جاءت بسبب "تلكُّؤ الحكومة وتهرُّبها من تنفيذ ما يتعلق بها من اتفاق الرياض، وعدم التعاطي الإيجابي من قبل الأشقاء في التحالف العربي والحكومة للمهلة التي حددناها في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2018، لتحسين الأوضاع المعيشية".

من جانبها اتهمت الحكومة اليمنية المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، بالاستمرار في التمرد المسلح، وقال وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي في تغريدة عبر تويتر: "إن إعلان ما يسمى بالمجلس الانتقالي عزمه إدارة الجنوب، ما هو إلا استمرار للتمرد المسلح في أغسطس الماضي".

واعتبر الحضرمي بيان الانتقالي الجنوبي "إعلان رفض وانسحاب تامّ من اتفاق الرياض"الموقَّع بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي".

الكرة في ملعب التحالف

وتحدث الصحفي أحمد ماهر من مدينة عدن لـTRT عربي، عن الأوضاع الميدانية هناك بعد إعلان المجلس الانتقالي الانفصال، قائلاً إنه أخرج قواته العسكرية وسيطر على الإدارات الموجودة في العاصمة عدن، بالإضافة إلى البنك المركزي ومنع الموظفين من الدخول وأعطاهم إجازة ليومين، وقال إنه سيعين طاقماً جديداً ومديرين من طرفه.

وأضاف أن من بين الأماكن التي سيطر عليها بالكامل، مكتب وزارة الخارجية ووزارة النقل ومكتب شركة النفط وكثير من الوزرات.

وأشار الصحفي إلى عدم وجود قوات حكومية في عدن لتمنع هذه السيطرة.

وعن البيان الصادر عن وزارة الخارجية الذي سمى الخطوة بالتمرد، قال الصحفي إنه نُشر بعد 40 دقيقة من السيطرة، مما يعني أنه وضع التحالف الذي يرعى اتفاق الرياض، بصورة الأحداث بسرعة، وطالبه بالتدخل لإنهاء التمرد.

ويرى الصحفي اليمني أن "الكرة الآن في ملعب التحالف راعي الاتفاق، وعليه التزام تنفيذ اتفاق الرياض، ولا يخفي على أحد أن المجلس الانتقالي مدعوم من الإمارات، وهي مسؤولة عن أي خطوة نفّذها المجلس، ولكونها إحدى الدول المشاركة في التحالف السعودي، فعلى الأخيرة التي جاءت بالإمارات إلى اليمن التدخل".

دعم إماراتي وغموض سعودي

وعقب تظاهرات شهدتها عدن تنديداً بحكومة الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور، أُعلِنَ في مايو/أيار 2017 في عدن عن ولادة المجلس الانتقالي الجنوبي، برئاسة عيدروس الزبيدي، وهو قيادي بالحراك المنادي بانفصال الجنوب عن الشمال، وبدعم كامل من دولة الإمارات، صاحبة النفوذ العسكري الواسع بالمدينة،في ما بدا لاحقاً أنه تمهيد لإعلان ولادة المجلس.

ويُعتبر هذا الإعلان الأكثر خطورة على وحدة اليمن، والتماسك الداخلي لـ"الشرعية اليمنية"، برئاسة هادي، التي تخوض، بدعم من التحالف العربي منذ 2015، معركة مفتوحة ضد الحوثيين في مناطق ومدن مختلفة شمال وغرب ووسط البلاد، وهو ما دفع السلطة الشرعية إلى إعلان رفضها قيام المجلس الانتقالي، وذلك في اجتماع موسَّع عقده هادي في مقر إقامته بالرياض وضمّ كبار مساعديه.

وشرع المجلس منذ ذلك الوقت بدعم إماراتي غير محدود، في اتخاذ خطوات تصعيدية ضدّ الحكومة في عدن، وصولاً إل طردها من المدينة نهائياً، مطلع أغسطس/آب الماضي، بعد معارك شرسة خلّفَت مئات القتلى والجرحى من الطرفين.

ويتضح منذ سنوات أن الموقف الإماراتي من دعم المجلس الانتقالي الجنوبي واضح تماماً على الأصعدة السياسية والإعلامية والعسكرية، على خلاف الموقف السعودي المحاط بكثير من الغموض، إذ يتأرجح بين تأكيد دعم الحكومة الشرعية، والسعي إلى احتواء المجلس الانتقالي.

وتتخوف السعودية من فكرة تقسيم اليمن، التي ستؤدي حتماً في حال حدوثها إلى فشل عملية التحالف العسكرية "عاصفة الحزم"، وتقوية الحوثيين في الشمال اليمني "جنوب المملكة"، بما يمثل تهديدات أمنية وسياسية للسعودية، وهو مايدفع السعودية إلى التمسك بالشرعية اليمنية.

ويرى خبراء أن فرص السعودية في استمالة المجلس الانتقالي وتحريره من الوصاية الإماراتية تمهيدًا لإدخاله في العباءة السعودية، ضئيلة في ظل تحديات داخلية وتعقيدات إقليمية ودولية متزايدة خلّفها تدخلها في اليمن، إضافة إلى صراعها المتزايد مع إيران حول تقاسم النفوذ بالمنطقة، حسب وكالة الأناضول.

محاولات تمرد سابقة

وخلال سنوات من الحرب الطاحنة في اليمن التي أدخلت أكثر من 20 مليون يمني في دائرة الفقر والمجاعة، استمرت انتهاكات وجرائم الدول المشاركة في الحرب، وعلى رأسها دولة الإمارات، وبينما يختبر العالم لقحات ضدّ فيروس كورونا ويحاول إيجاد علاج له، تنشغل الإمارات بإذكاء نار الحرب في اليمن وتغذيتها بمزيد من الأسلحة، إذ سبق وضبط أمن ميناء سقطرى اليمني في مارس/آذار الماضي، حاوية قادمة من الإمارات تحمل مدرعة ومعدات عسكرية، بتوقيع من شركة برايم للأسماك الإماراتية، في سفينة تابعة لمؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية، حسب مسؤول محلي.

وفي 27 فبراير/شباط الماضي اتهم محافظ سقطرى رمزي محروس الإمارات بدعم تمرد عسكري ضد الحكومة الشرعية والانضمام لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، في المحافظة. واعتبر محروس أن "الخطوة سابقة خطيرة من نوعها في المحافظة".

وأعلنت كتيبة عسكرية ثانية في سقطرى في الشهر ذاته، تمرُّدها على الحكومة اليمنية، ودعمها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيّاً، وذلك عقب تمرُّد كتيبة "حرس الشواطئ" مطلع الشهر ذاته.

بلاغ صحفي فوجئنا صباح اليوم الاثنين 3 فبراير 2020 بإعلان عناصر من كتيبة حرس الشواطئ التابعة للواء الأول مشاة بحري ...

Posted by ‎الأستاذ. رمزي محروس - محافظ محافظة أرخبيل سقطرى‎ on Monday, 3 February 2020

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن المكتب التنفيذي بمحافظة أرخبيل سقطرى رفضه ما سمَّاه "استغلال بعض الجهات العاملة في سقطرى للعمل الإنساني، لخرق النظام والقانون المعمول به والمتعارَف عليه دوليّاً".

وسبق أن اتهمت الحكومة اليمنية المجلس الانتقالي برفض تسليم الأسلحة والعتاد الذي بحوزته للجان المكلفة عملية حصر وتسلُّم الأسلحة، وعدم التزام عودة القوات إلى المواقع المحددة وفقاً لاتفاق الرياض.

وبدأت الإمارات تنفيذ خططها الخاصة في اليمن منذ اليوم الأول لتحرير عدن، في يوليو/تموز 2015، حين بنَت أذرعاً أمنية وعسكرية خارج إطار الحكومة، وقوّضَت مؤسسات الدولة، وحاربت كل من ينتمي إلى مشروع الدولة، حسب وكالة الأناضول.

وعملت أبو ظبي في ثلاثة اتجاهات، أولها صناعة سلطات موازية مكونة من مجموعات عسكرية ومجلس انتقالي، وثانيها تقويض مؤسسات الدولة ومحاربة وتجريف كل رموز الشرعية ومكوناتها، وإبعاد وإزالة كل المناوئين لمطامعها الذين يمكن أن يكونوا حجر عثرة في طريقها، بالإضافة إلى تنفيذ اغتيالات واستئجار مرتزقة من شتى بقاع العالم وفتح السجون، لتبنّي مشروعها الخاص، وفق تقارير دولية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً