على غير العادة وبسبب الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة، ساد الحزن والصمت وغابت مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد المعتادة عن كنيسة بيت لحم في فلسطين.
وفي موعد الاحتفال مساء الأحد، كثّفت إسرائيل عملياتها العسكرية في وسط قطاع غزة وجنوبه، وغابت مظاهر العيد في كنيسة المهد، التي اكتفت بالصلوات والدعوات لحلول السلام، بعد قرابة 3 أشهر على اندلاع الحرب الأكثر حصداً للأرواح في تاريخ الحروب بين إسرائيل والفلسطينيين.
وكانت بلدية بيت لحم قرّرَت إلغاء الاحتفالات على خلفية الحرب في غزة، وغابت شجرة الميلاد ومظاهر الفرح في المدينة التي كان العيد يجذب إليها آلافاً سنوياً.
وكغيره من المسيحيين، يُمضي الفلسطيني فادي صايغ (20 عاماً) عيد الميلاد هذا العام في مدينة خان يونس عوضاً عن زيارة الأراضي المقدسة.
لا فرحة ولا زينة ولا شجرة ميلاد
وقال صايغ في أثناء خضوعه لجلسة غسل كُلى بمستشفى في خان يونس التي كانت مسرحاً للمعارك الأخيرة: "في هذه الأوقات من كل عام نكون في القدس وبيت لحم ورام الله نحتفل مع عائلاتنا وأقاربنا"، مضيفاً: "كان يجب أن نكون الآن نصلّي ونزور الأماكن المقدسة، لكننا تحت القصف والحرب، لا فرحة للعيد، لا شجرة ميلاد، لا زينة، لا عشاء عائليّاً، لا احتفالات".
وتابع: "أصلي لتنتهي الحرب بأسرع وقت".

وقالت نبيلة صالح (47 عاماً) الموجودة في كنيسة العائلة المقدسة بالبلدة القديمة وسط مدينة غزة: "أُلغِيَت جميع الاحتفالات بأعياد الميلاد المجيدة واقتصرت على الصلوات".
وأضافت: "كيف نعيّد وبلدي مجروح؟ كيف نعيّد وبلدي مدمَّر وأهلي مشردون وإخوتي في الوطن حزانى، وشهداؤنا لم يُدفَنوا في الشوارع وآخرون منهم تحت الأنقاض؟".
ومن بيت لحم قالت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رولا معايعة: "يطلّ علينا عيد الميلاد المجيد هذا العام ونحن نعيش بأصعب وأحلك الظروف والأوقات نتيجة ما يعانيه أهلنا في قطاع غزة المحاصَر، وفي مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية والقدس كافة، جرَّاء العدوان الإسرائيلي المتواصل على شعبنا".
فيما وصل بطريرك القدس للاتين الكاردينال بيرباتيستا بيتسابالا إلى باحة كنيسة المهد واضعاً الكوفية الفلسطينية حول عنقه. وقال: "قلوبنا مع غزة، مع كل الناس في غزة، على وجه الخصوص رعيتنا المسيحية التي تعاني، لكننا نعرف أننا لسنا الوحيدين الذين نعاني".
وتابع البطريرك: "نحنا هنا لنصلّي، ونطلب ليس فقط وقفاً لإطلاق النار، علينا أن نوقف هذه الأعمال العدائية وأن نطوي الصفحة لأن العنف لا يولّد إلا العنف".
كانت بطريركية اللاتين أعلنت في وقت سابق هذا الشهر أن امرأة وابنتها من المسيحيين قُتلتا برصاص إسرائيلي في باحة كنيسة العائلة المقدسة.
ميلاد تحت الأنقاض
في السياق نفسه قال رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم وبيت ساحور القسّ منذر إسحاق، إن "المسيح لو وُلد اليوم فسيُولَد تحت الأنقاض"، في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة.
وأضاف في فاعلية أقيمت في بيت لحم بمناسبة عيد الميلاد، أن "الميلاد هذا العام يأتي والموت والدمار ينتشر والركام يغطي أرضنا، نستقبل الميلاد بهذه الطريقة". وقال: "دعوتي أن تروه اليوم في كل طفل يُقتل ويُنتشل من تحت الأنقاض وكل طفل في المستشفيات المدمرة وفي الحاضنات".
كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال في ساعة متأخرة في رسالة الميلاد: "يأتي ميلاد السيد المسيح هذا العام، ومدينة الميلاد،بيت لحم، تعيش حزناً لم تره قبل هذا اليوم".
غارات ليلة الميلاد ومنطق الحرب الخاسر
من جهته عبّر البابا فرنسيس بابا الفاتيكان خلال قداس عيد الميلاد للروم الكاثوليك الأحد، عن أسفه لأن رسالة السلام التي نشرها المسيح تضيع تحت وطأة "منطق الحرب الخاسر" في نفس الأرض التي ولد فيها.
وقال البابا: "قلبُنا الليلة في بيت لحم، حيث لا يزال أمير السلام يتعرّض للرفض من منطق الحرب الخاسر، مع هدير الأسلحة الذي يمنعه اليوم أيضاً من أن يكون له موضع في العالم".
وأدت غارات جوية إسرائيلية على منازل في مخيم المغازي للاجئين في وسط قطاع غزة ليلة الميلاد، إلى استشهاد ما لا يقلّ عن 70 شخصاً، وفق وزارة الصحة في القطاع.
وإلى جانب الدمار الهائل الذي سوّى عدداً ضخماً من الأبنية والأحياء السكنية بالأرض، فإن الأوضاع الإنسانية كارثية في قطاع غزة حيث باتت غالبية المستشفيات خارج الخدمة، فيما تتخوّف الأمم المتحدة من مجاعة تهدّد مجمل السكان.
وعلى صعيد متصل، أعلن الجيش الأردني الأحد أنه أنزل جوّاً مساعدات إنسانية لنحو 800 محاصَر في كنيسة القديس برفيريوس شماليّ قطاع غزة.