تشكّل محطة الطاقة النووية "براكة" التي أنشأتها إمارة أبو ظبي في الإمارات بتكلفة 32 مليار دولار، في إطار خطتها لتعزيز مصادر الطاقة النظيفة، خطراً على استقرار منطقة مضطربة، لما قد يكون لها من عواقب وخيمة على البيئة.
ومن المقرر أن تبدأ براكة إمداد الشبكات الوطنية بالكهرباء نهاية الشهر الجاري، وتأمل السلطات بمجرد تشغيلها الكامل، أن توفِّر المنشأة نحو ربع احتياجات الإمارات من الطاقة النظيفة المقدّرة بـ5600 ميغاوات سنوياً، وهو ما يعوّض البلاد عن نحو 21 طناً من الانبعاثات الغازية.
وفي الوقت الراهن، تعتمد الإمارات لتوفير جميع احتياجاتها الكهربائية على محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز، إذ يُعد قطاع الطاقة كثيف الكربون هناك أكبر مساهم في انبعاثات الغازات الدفيئة، بنسبة تبلغ 90%.
هل الأمر يستحق المخاطرة؟
أثيرت العديد من التخوّفات في الوقت الذي تستعد فيه الإمارات لافتتاح محطتها النووية، وأبرز تلك المخاوف أعربت عنه الدوحة، والتي تقع المحطة على الساحل الغربي للإمارات بالقرب من قطر، بأنها "تهديد صارخ" للسلام الإقليمي والبيئة، محذِّرة من أن تسريباً إشعاعياً عن طريق الخطأ يمكنه أن يصلها في فترة زمنية تتراوح بين 5 ساعات و13 ساعة.
وشكك البعض في مدى جدوى لجوء الإمارات إلى الطاقة النووية، في الوقت الذي يمكنها فيه الاعتماد على الطاقة الشمسية الوفيرة، علاوة على أن "براكة" الواقعة في منطقة مليئة بالتوترات، تثير مخاوف من احتمال انتشار الأسلحة النووية.
وفي هذا الصدد، يقول بول دورفمان مؤسس ورئيس المجموعة الاستشارية الدولية للطاقة النووية، إن "الوضع الجيوسياسي المتوتر في الخليج يجعل بناء منشأة نووية في المنطقة أكثر إثارة للجدل من أي مكان آخر، إذ يمكن لذلك أن يعني تحركات نحو تطوير قدرات نووية عسكرية، كما أظهرت التجربة مع إيران".
على صعيد موازٍ، أعدت السعودية بالفعل خططاً لإكمال مفاعلها النووي الأول تحت رعاية المشروع الوطني السعودي للطاقة الذرية، إلا أن الأمر يواجه تحدياً كبيراً بالتزامن مع استمرار الهجمات التي يستهدف بها الحوثيون مصافي النفط في المملكة، إذ يجب ربط سلامة الطاقة النووية بحالة الأمن العام في البلاد.
وبالمثل، يمكن للتأثير غير المباشر للسياسة الخارجية لدولة الإمارات أن يجعل المنشآت النووية مثل "براكة" هدفاً لفاعلين سياسيين إقليميين، فعلى الرغم من نفي الإمارات زعم إطلاق الحوثيين صاروخاً على الموقع عام 2017، فإن أي هجوم مستقبلي محتمل ستكون له عواقب كارثية على أمن الخليج.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المشروع له تكاليف بيئية ضارة، إذ تُعد منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم جفافاً وتعتمد بشكل كبير على تحلية المياه، وأي تسريب عرضي للنفايات النووية سيكون له آثار سيئة للغاية على المياه البحرية. فضلاً عن أن تغير المناخ نفسه يمكن أن يؤثر على "براكة"، بالنظر إلى قرب المنشأة من ساحل البحر الذي قد يرتفع منسوبه في أي لحظة.

قصة المشروع
تقع المنشأة المملوكة لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية (ENEC) بمنطقة الظفرة في أبو ظبي، وتديرها شركة "نواة" للطاقة، بينما تشرف الهيئة الاتحادية للرقابة النووية على أنشطتها.
ونُفِّذ المشروع بالتعاون بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية (ENEC) والمؤسسة الكورية للطاقة الكهربائية (KEPCO)، بقيمة 32 مليار دولار، في الفترة بين يوليو/تموز 2012 ومايو/أيار 2018.
وحصلت المفاعلات التي مُوِّلت من خلال قرض مباشر بقيمة 16.2 مليار دولار من حكومة أبو ظبي وقرض بقيمة 2.5 مليار دولار من بنك التصدير والاستيراد الكوري، على تراخيص من المعهد الكوري للسلامة النووية، ويُتوقع أن يبلغ عمرها 60 عاماً.
وبدأ تشغيل أول مفاعل في المحطة العام الماضي بعد توصيله بالشبكات الوطنية، كما يجري حالياً تحميل مفاعل ثانٍ بالوقود على أن يبدأ تشغيله في وقت لاحق من العام الجاري. وتشتمل المنشأة إجمالاً على 4 مفاعلات.