Tunisia (Slim Abid/AP)
تابعنا

بعد أكثر من عام على الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس، التي جاءت بقيس سعيد رئيساً للجمهورية وراشد الغنوشي رئيساً للبرلمان، تعرف البلاد صراعاً غير معهود بين أكبر مؤسستين منتخبتين بصفة مباشرة، إذ يتنازع قصر قرطاج وقبة باردو السلطات والتأويلات الدستورية في غياب المحكمة الدستورية.

هذه المرة، تعلو الأصوات بين الفريقين على ضوء التحوير الوزاري الذي أقدم عليه رئيس الحكومة هشام المشيشي بعد تغييره 11 وزيراً في فريقه، إذ يحظى بتصديق البرلمان بأغلبية وُصفت بالكبيرة، لكن الرئيس قيس سعيد يرفض إلى الآن أداء بعض الوزراء لليمين الدستورية بسبب "شبهات فساد" تتعلق بهم.

هذا الاعتراض فتح نار التأويلات حول الدستور مرة أخرى وصلاحيات رئيس الجمهورية داخله ليتشعب حتى موضوع الخلاف الرئيسي بين رئاسية الجمهورية والبرلمان، وهي طبيعة النظام السياسي في تونس ومدى استجابته لمتطلبات الواقع.

حكومة الرئيس "الهاربة"

لا يخفى على أحد من المتابعين أن هشام المشيشي أتى به رئيس الجمهورية إلى منصب رئاسة الحكومة بعد أن اختاره من بين عشرات المترشحين المعروضين من الأحزاب، إذ كان المشيشي وزيراً للداخلية في الحكومة السابقة التي عينها الرئيس أيضاً، أي حكومة إلياس الفخفاح.

لم ينسَ الرئيس قيس سعيد بعدُ إسقاط حكومته من قبل حركة النهضة وحلفائها في البرلمان، بعد أن اتهموا إلياس الفخفاخ بـ"تضارب المصالح" بين شركة له أسهم فيها والدولة.

وُصفت حكومة السيد المشيشي في أول أيامها بأنها "حكومة الوزير الأول"، دلالة على تبعيتها المتوقَّعة للرئيس، إلا أن هذه النظرة سرعان ما تغيرت مع بداية مشاورات تشكيل الحكومة التي رغم أنها قائمة على مستقلين "تكنوقراط"، فإنها لم تخلُ من الطابع السياسي والحزبي، إذ تبين بعد ذلك تحالفه البرلماني الجديد وما يُعرف بالحزام السياسي للحكومة: حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وكتلة الإصلاح.

بدأت تظهر معالم هذا التحالف وخروج حكومة المشيشي عن جبة الرئيس عبر التصويت على منحه الثقة في البرلمان، التي أمنت له أحزاب "الحزام"، ليتحول هذا التحالف الذي يضمّ حزب قلب تونس الذي يقبع زعيمه نبيل القروي في السجن، إلى موضع انتقاد دائم من الرئيس.


استطاع المشيشي أن يتحرّر من طيف قيس سعيد سريعاً، فأقدم على إقالة وزير الثقافة المدعوم من الرئيس بسبب تصريحات هاجم فيها قرارات الحكومة بسبب إجراءات فيروس كورونا، ليُقدِم بعدها بأشهر على إقالة وزير الداخلية توفيق شرف الدين، المقترَح بصفة مباشرة من رئيس الجمهورية وأحد أهمّ القائمين على حملته الانتخابية سنة 2019.


ويأتي التعديل الوزاري الحالي الذي صدّق عليه البرلمان بأغلبية كبيرة، ضمن التغييرات التي يحاول من خلالها هشام المشيشي التحرر من قصر قرطاج، وهو ما يفسر جزءاً من إشكالية عدم قبول الرئيس أداء الوزراء اليمين الدستورية أمامه.

ما بين طيات اليمين الدستورية

يقول الفصل 89 من الدستور التونسي نصّاً: "يؤدّي رئيس الحكومة وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية اليمين الدستورية"، وهو ما يفتح عشرات التأويلات حوله، إذ تختلف الروايات حول مدى إلزاميته وطريقة أدائه في صورة رفض رئيس الجمهورية ذلك، التي تُعتبر سابقة في تاريخ البلاد.

الرئيس قيس سعيد أكد اليوم مرة أخرى رفضه أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه، متعللاً بشبهات الفساد وتضارب المصالح، بل واصل اتهامه المبطن للائتلاف الداعم للمشيشي بالتغطية على الفساد، مؤكداً أن "الأفعال ستكون قريباً".

وقال، خلال لقاء جمعه بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بقصر الرئاسة بقرطاج، إن على "هؤلاء" -لم يسمّهم- أن ينظروا في طبيعة اليمين في القرآن والإسلام قبل أن ينظروا في "الإجراءات المستحيلة" التي لا تطبَّق إلا في القانون الإداري، لا في القانون الدستوري.


كلام قيس سعيد يأتي بعد أيام من الضجة التي أحدثها رئيس البرلمان راشد الغنوشي بقوله: "نحن يُفترض أننا في نظام برلماني، ودور الرئيس رمزي لا إنشائي. موضوع الحكم ومجلس الوزراء لا يعود إلى الحزب الحاكم، هذه مسؤولية رئيس الحكومة".

الغنوشي واصل خلال إحدى الندوات: "ربما الدرس الذي سنصل إليه هو أن نقيم نظاماً برلمانياً كاملاً فيه فصل حقيقي بين السلطات، والسلطة التنفيذية كلها في يد واحدة، في يد الحزب الفائز بالانتخابات، وهو الذي يقدم رئيساً للوزراء".

هذا الرأي يأتي كأول ردّ فعل مباشر من رئيس البرلمان على رئيس الجمهورية، الذي لا يفوّت فرصة فيها للظهور من خلال صفحة رئاسة الجمهورية -بما أنه لا يُجري لقاءات صحفية- إلا كان حوله جمع من الناس يطالبون بتغيير النظام السياسي وحلّ البرلمان.

فقد عُرف السيد قيس سعيد بمشروع "الشعب يريد"، وهو مشروع يرى شكلاً جديداً للحكم بما يُعرف بالمجالس المحلية فالجهوية فالوطنية، تُنتخب بطريقة مباشرة من الشعب، وهو ما يصفه أتباعه بأنه شكل الديمقراطية الوحيد الذي يتناسب مع تونس، فيما يشبّهه خصومه بمشروع العقيد الليبي السابق معمر القذافي.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً