فرشهم الرماد وغطاؤهم السماء.. أوضاع صعبة يعيشها لاجئو الروهينغيا في رمضان / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

بينما تستعد الدول الإسلامية لاستقبال شهر رمضان، تحاول أقلية الروهينغيا المسلمة أن تتناسى معاناتها، أملاً في استشعار روحانيات الشهر الكريم، غير أن الواقع يظل أشد قسوة من محاولة التناسي.

الآلاف من لاجئي الروهينغيا في بنغلاديش، يعيشون اليوم مأساة حقيقية، حيث يمضون أيامهم في مخيمات مصنوعة من القماش المشمع، رغم الحرائق التي تندلع بشكل متكرر فيها، ما يهدد حياتهم بالخطر.

ويكافح لاجئو الروهينغيا في تلك المخيمات المكتظة، للبقاء على قيد الحياة، بعد أسبوعين من حريق مدمر اندلع في 5 مارس/آذار الجاري، بمنطقة كوكس بازار في بنغلاديش المجاورة حدودياً لميانمار.

ودمر حريق كوكس بازار أكثر من 2000 خيمة، بما في ذلك بعض مراكز التعليم داخل المخيم، كما شرد حوالي 16 ألف شخص، فيما لم يعلن عن وقوع وفيات أو مصابين.

رمضان يقترب

نور أنكيز (35 عاماً)، التي نجت وأطفالها الأربعة بينهم رضيع (6 أشهر) من الحريق في منطقة كوكس بازار، تعيش برفقتهم في إحدى الخيام المهترئة، التي تحتوي فقط على بساط صغير قديم لعزل الأسرّة عن الأرض.

وبينما تقوم نور بإطعام رضيعها، يلعب أطفالها في مكان قريب، لكن ما زالت آثار الحريق الأخير الذي اندلع في المخيم تظهر على ملابسهم، إذ كانوا ملطخين بالرماد.

وأثناء جلوسها بجانب خيمة تبعد عن مكان الحريق، قالت نور لوكالة الأناضول: "رمضان يقترب، ولا نعرف كيف سنواصل الصيام، وكيف ستتغير الأمور بالنسبة إلينا".

وأوضحت: "دمرت النيران كل ما أملكه، لكننا نجونا من الموت بالفرار إلى مخيم قريب، ونعيش حالياً في خيمة من القماش المشمع بدون حماية" سواء من النيران أو الأمطار.

اثنان من أطفال نور وُلدا في بنغلاديش، وتنتظر الأسرة المكونة من الوالدين والأطفال الأربعة، أي مساعدات من المانحين الدوليين وسلطات بنغلاديش، قبل حلول شهر رمضان.

وتضم بنغلاديش حالياً أكثر من 1.2 مليون من لاجئي الروهينغيا، فرّ معظمهم من حملة عسكرية وحشية، في وطنهم ولاية راخين (أراكان) في ميانمار في أغسطس/آب 2017.

مأساة مستمرة

الحريق المدمر الأخير، أدى إلى تحويل معظم خيام المخيم رقم "11" إلى رماد، ورغم صعوبة الحياة داخل المخيم المحترق، فإن لاجئي الروهينغيا لا يملكون المال أو القوة للبحث عن أماكن إقامة جديدة.

وبينما يلعب أطفالهم بين الخيام المحترقة والرماد المتناثر، سعى بعض اللاجئين إلى إعادة بناء ما دمره الحريق، فيما بقي البعض الآخر لا يجد ما يعينه على الانتقال إلى أماكن جديدة، أو بناء ما تدمر.

محمد علام (50 عاماً)، لاجئ آخر من الروهينغيا يقيم في المخيمات، قال للأناضول: "هاجرنا إلى بنغلاديش بعد أن فقدنا كل شيء في ميانمار، على أمل أن تكون حياتنا أكثر أماناً هنا وأن نتمكن من العودة إلى وطننا الأم".

بيد أنه أشار إلى أن الحرائق المتكررة في المخيمات "تذكرهم بمحنتهم، والوحشية التي كانت تُرتكب بحقهم"، في إشارة إلى الانتهاكات التي ارتكبها جيش ميانمار ومليشيات بوذية بحقهم.

ومنذ 25 أغسطس/آب 2017، يشن الجيش في ميانمار ومليشيات بوذية حملة عسكرية ومجازر وحشية ضد مسلمي الروهينغيا في ولاية راخين، ما أسفر عن مقتل آلاف منهم ولجوء قرابة مليون إلى بنغلاديش، وفق الأمم المتحدة.

ومشيراً إلى رماد الأشجار المحترقة التي تهدد البيئة وسلامة حياتهم، قال علام: "قبل الحريق، كان هذا المخيم أخضر بالكامل بسبب الأشجار، وكانت الطبيعة رائعة للغاية، لكن الآن أصبح الغبار الأسود كل ما تبقى داخل المخيم".

وأوضح أنه لم يُعد بناء خيمته، بسبب نقص المواد اللازمة، لذا فهو يعيش مع أفراد عائلته في حالة حرجة للغاية، بسبب معاناة أطفاله الثلاثة من أمراض مختلفة، بما في ذلك حساسية الجلد، التي تفاقمت بشكل كبير بعد الحريق.

معاناة الأضعف

معاناة الفئات الأضعف في مخيمات الروهينغيا تفاقمت على خلفية تضرر مرافق الصرف الصحي بشكل كبير، وباتت النساء تعاني لقضاء حاجاتهن، سواء في ساعات الصباح الباكر أو في وقت متأخر من الليل.

فاطمة بيغوم، والدة شابة من لاجئي الروهينغيا، أشارت إلى تلك المعاناة، فقالت: "طلبنا الجاد من منظمات الإغاثة الدولية والسلطات في بنغلاديش، هو إعادة بناء خيامنا ومراحيضنا على الفور، وضمان إمدادات المياه".

وإضافة إلى تضرر مرافق الصرف الصحي، فقد دمرت النيران مستشفى المخيم، الذي كان مجهزاً تجهيزاً جيداً، كما قضت على العديد من مراكز التعليم والمساجد.

وأكد العديد من ضحايا حرائق المخيمات من الروهينغيا للأناضول، أن الوضع في المخيمات المكتظة "أصبح أكثر تعقيداً، وأن الحياة بداخلها أصبحت أكثر صعوبة".

وأعرب كثير من لاجئي الروهينغيا عن رغبتهم في العودة إلى وطنهم الأم، "ولكن بعد الحصول على حقوق المواطنة، وأن تضمن لهم الأمم المتحدة سلامتهم".

وتعتبر حكومة ميانمار الروهينغيا "مهاجرين غير نظاميين" جاؤوا من بنغلاديش، فيما تصنفهم الأمم المتحدة "الأقلية الأكثر اضطهاداً في العالم".

عمل تخريبي

من جهته، قال المفوض الأممي لإغاثة اللاجئين والعودة إلى الوطن محمد ميزان الرحمن، إنه جرى التوصل إلى كون الحريق "عملاً تخريبياً"، مشيراً إلى أن تلك النتيجة "مقلقة للغاية".

وتتكرر الحرائق المدبرة في مخيمات اللاجئين، وسط غياب للحقائق أو الكشف عن أسباب اندلاعها، فيما تنتج معظم الحرائق عن طهي الطعام داخل الخيام، التي تغيب عنها في الغالب معايير السلامة.

وفي مارس/آذار 2022، تسبب حريق كبير في مخيم كوكس بازار، في مصرع ما لا يقل عن 15 من الروهينغيا، وحرق أكثر من 10 آلاف خيمة، بما في ذلك مستشفى ميداني تركي.

وأوضح المفوض، للأناضول، أن "حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة بشأن العودة الآمنة للروهينغيا، زادت من مشاعر الإحباط بين لاجئي ميانمار النازحين قسراً".

وأكد أن "اليأس والإحباط جعلا اللاجئين منقسمين بين عدة فصائل متنافسة ومتناحرة، ما قد يدفع البعض إلى تنفيذ أنشطة إجرامية، لذا فإن الحل يكمن في العودة الآمنة والدائمة".

وأشار إلى غياب أي مؤشرات لمستقبل أفضل للروهينغيا والأجيال القادمة بالبقاء في المخيمات، ورغم ذلك فهم "يعلّمون أطفالهم منهج ولغة ميانمار، حتى لا يفقدوا الأمل، ويمكنهم التعامل مع بلادهم بعد عودتهم".

وفي سبيل ذلك، ذكر المفوض، أن القائمين على المخيمات يرددون النشيد الوطني لميانمار كل يوم في جميع مراكز التعليم الخاصة بأطفال الروهينغيا، "حتى يظل الأطفال على معرفة ببلدهم الآمن، وبوجهتهم النهائية".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً