فرنسا تغلق مساجد باستخدام سلطات يتردد أنها تستعين "بأدلة سرية" (Reuters)
تابعنا

كان كريم داوود يدير مسجداً في بلدة صغيرة شمالي غرب فرنسا، لمدة ثلاث سنوات، وكان من بين أولئك الذين زاروا كنيسة كاثوليكية قريبة للتعبير عن تضامنهم في أعقاب هجوم مميت نفذه "متطرف إسلامي" على كنيسة عام 2020.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أغلق مكتب وزارة الداخلية المحلي المسجد الذي يديره داود لستة أشهر، قائلاً إنه يروّج "ممارسة متطرفة للإسلام" و"ينمي شعوراً بالكراهية تجاه فرنسا"، وفقاً لأمر الإغلاق.

ولكن ممثلي المسجد، الذين نفوا هذه المزاعم، يقولون إن الحكومة قدّمَت أدلة غير كافية حول أسباب هذا القرار.

ويُعَدّ هذا المسجد واحداً من عدد متزايد من المساجد التي أغلقها المسؤولون باستخدام مجموعة من السلطات التي يقول نشطاء حقوقيون ومنظمات دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ومسلمون، إنها "تمنح المسؤولين تفويضاً مطلقاً لإغلاق أماكن العبادة بلا تدقيق مناسب وبإجراءات مبهمة لا تتيح فرصة إلى إبطال القضية".

وقالت فيونوالا ني أولين، مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحماية حقوق الإنسان في أثناء مكافحة الإرهاب، عن الإجراءات القانونية المستخدمة في مثل هذه الحالات التي يمكن أن تشمل أدلة بلا تحديد لمصدرها: "إنه أمر عبثي".

وأضافت: "التلاعب بالأدلة السرية أمر مثير للقلق في حد ذاته، لكنه ينتهك أيضاً أحكام المعاهدات الدولية، المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة والمساواة أمام القانون".

ورفض قصر الإليزيه التعليق على هذه القصة، فيما قالت وزارة الداخلية في تصريح لوكالة رويترز، إن الحكومة عززت قدرة السلطات على منع ومكافحة الإرهاب الإسلامي على مدى السنوات الخمس الماضية، وإن جميع الإجراءات القانونية المتبناة "تمّت في إطار الاحترام الكامل لسيادة القانون"، على حد تعبيرها.

ووصفت حكومة ماكرون إغلاق مسجد "ألون" بأنه مثال رئيسي على حملتها على التشدد الإسلامي.

وأغلقت السلطات الفرنسية 22 مسجداً خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، وفقاً لوزارة الداخلية، وهو ما يمثّل زيادة ملحوظة على المجموع الكلي خلال السنوات الثلاث الماضية، وفقاً لمسؤول في الوزارة.

وأضافت وزارة الداخلية أن السلطات حقَّقَت في نحو 90 من أصل 2500 مكان عبادة للمسلمين في فرنسا للاشتباه في نشر آيديولوجيا "انفصالية" تقول الحكومة إنها تتحدى العلمانية الفرنسية.

وفي ما يتعلق بمسجد "ألون"، قالت وزارة الداخلية إن السلطات قدّمَت أدلة مفصلة للمحكمة لدعم المزاعم وإن محامي المسجد أتيحت لهم الفرصة للطعن على الأمر، لكنهم فشلوا في النهاية.

وقال مكتب المدعي العام إن تحقيقاً قضائياً يجري حالياً بشأن ما إذا كان قادة أو أعضاء في جمعية مسجد ألون "يدعون إلى الإرهاب ويحرّضون عليه".

من جانبه يصرّ داود، الذي كان رئيساً لجمعية المسجد، على أنه لا علاقة له بالتطرف العنيف، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

فيما قالت نبيلة عثمان، المحامية التي تمثل قادة المسجد، إن وزارة الداخلية لم تقدم أدلة كافية لإثبات الاتهامات الخطيرة التي وجهتها في إطار قضيتها لإغلاق المسجد، مضيفة أن قضية الحكومة استندت إلى مزاعم كاذبة، وإن التحقيق لم يكن شاملاً، وقالت: "لم يفشل المحامون، بل فشلت العدالة".

وبموجب قانون 2017، تتمتع وزارة الداخلية بصلاحية إغلاق أماكن العبادة لمدة تصل إلى ستة أشهر إذا كانت شكوكٌ في أنها تُستخدم للترويج لخطاب الكراهية أو التحريض على العنف أو إثارة أعمال عنف متطرف أو تبرير أعمال إرهابية.

ويمكن للمواقع الدينية الطعن على قرارات الإغلاق أمام المحاكم الإدارية الفرنسية، التي تفصل في النزاعات بين المواطنين والهيئات العامة.

وحسب ما جاء في "المذكرة البيضاء"، وهي وثيقة من 20 صفحة من إعداد أجهزة المخابرات الفرنسية استُخدمت أساساً لإغلاق مسجد ألون، وقُدّمت لاحقاً للمحكمة الإدارية قبل موعد الجلسة، فإن "الخطب التي أُلقيَت في هذا المسجد شرّعت على الأخصّ استخدام الجهاد المسلَّح مع غرس الشعور بالكراهية تجاه فرنسا".

كما تضم ​​المذكرة البيضاء خمسة كتب عُثر عليها في المسجد، وأُشيرَ إليها باعتبارها "متطرفة". ووفقاً لداود، الذي يدرّس الدراسات الإسلامية في معهد ليل للدراسات السياسية، فإن أربعة من هذه الكتب متوفرة على نطاق واسع في المكتبات المتخصصة وعلى الإنترنت.

وفي جلسة المحكمة في 29 أكتوبر/تشرين الأول، قالت المحامية نبيلة عثمان، إن المزاعم لا أساس لها وإن الإغلاق ينتهك حقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وفقاً لحكم القاضي المؤرخ في اليوم نفسه.

ورفض القاضي الطعن على أساس أن المذكرة البيضاء تبرر الإغلاق، حسب الحكم.

كما قالت الممثلة القانونية لوزارة الداخلية باسكال ليجليز، إن المذكرة البيضاء تمثل "كلمة الدولة"، لذلك فهي دليل كافٍ.

في هذا السياق قال وليام بوردون، وهو محامٍ آخر يمثّل قادة المسجد، في الجلسة: "نحن في حالة من الضعف التامّ، لأن المذكرات البيضاء تحتوي أحياناً على تزييف حقيقي للحقيقة، وهو ما لا يمكننا الطعن عليه".

ورفضت المحكمة استئناف المسجد على أساس أن المذكرة البيضاء قدمت أدلّة كافية على قرار السلطات، وأن الإغلاق لا يتعدّى على الحريات الدينية، حسب الحكم.

وأصبح مسجد ألون خالياً الآن، ونُشرت على أبوابه نسخة من أمر الإغلاق.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً