فرنسا تلجأ إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن تجاهلها حلف شمال الأطلسي (الناتو) (Getty Images)
تابعنا

بعد تعرض مصالحها في ليبيا وسوريا للخطر تسعى فرنسا إلى حشد ضغوط سياسية على تركيا، من خلال طلب دعم الاتحاد الأوروبي، بعد أن تجاهلها حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، في 2 يوليو/تموز الجاري: إن "فرنسا زعمت مؤخراً تعرضها لمضايقات في شرق البحر المتوسط، وقد أثبتنا أن تلك الادعاءات ليست صحيحة، فيما قال الناتو إنه لا يوجد دليل على مثل هذه المضايقات المزعومة".

ودعا جاوش أوغلو فرنسا إلى الاعتذار لتركيا عن "مزاعمها المضللة" حول تعرّضها لمضايقات في شرق المتوسط، وتقديم اعتذار رسمي إلى الاتحاد الأوروبي والناتو عن "تضليلهما".

واكتفى الناتو، منذ يونيو/حزيران الماضي، بالإعلان عن إجراء تحقيق في مزاعم فرنسا ضد تركيا في شرق المتوسط، وهو ما اعتبره مراقبون "تجاهلاً للمزاعم الفرنسية".

وبعدها بدأت باريس مساعي للضغط على تركيا في الاتحاد الأوروبي، تحت غطاء تضامن الدول الأعضاء في الاتحاد.

موقف الناتو

بدأت باريس تشعر بالامتعاض بعد سلسلة خسائر في ليبيا مُني بها حليفها الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، عقب توقيع تركيا وليبيا، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتفاقية للتعاون الأمني والعسكري حظيت باعتراف بها من الأمم المتحدة.

وبدعم من دول عربية وغربية، بينها فرنسا، تنازع مليشيا حفتر الحكومةَ الليبية المعترف بها دولياً على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط، ممّا أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب دمار مادي واسع.

ولجأت فرنسا خلال العام الجاري إلى تكتيك مشابه لما اتبعته العام الماضي، وقررت في الأول من يوليو/تموز الجاري سحب "وحداتها" من "سي غارديان"، وهي عملية للأمن البحري ينفذها الناتو في البحر المتوسط، بزعم تعرض فرقاطة فرنسية لمضايقات من البحرية التركية شرق البحر المتوسط.

في حين أبلغ الجانب التركي الناتو أن البحرية التركية لم تقم بأية مضايقات ضد الفرقاطة الفرنسية، بل زوّدتها بالوقود بناءً على طلبها، وأثبت بأدلة ملموسة بطلان المزاعم الفرنسية.

من جهته أعلن أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ، في 18 يونيو/حزيران الماضي، أن السلطات العسكرية للحلف ستجري تحقيقاً حول الموضوع.

ويبدو أن موقف الناتو شكّل خيبة أمل لباريس التي كانت تعول على ممارسة الحلف ضغوطاً على تركيا، استناداً إلى مزاعمها.

دعم أوروبي

بعد أن أصيبت بخيبة أمل من الناتو الذي يضم تركيا أيضاً عضوة فيه، اتجهت أنظار باريس إلى الاتحاد الأوروبي، لعله يمد إليها يد الدعم للضغط على أنقرة.

ولم يكن صعباً على فرنسا الحصول على دعم من الاتحاد الأوروبي الذي يتبنى موقفاً داعماً لليونان وأنشطة إدارة جنوب قبرص، تحت "غطاء تضامن الأعضاء في الاتحاد الأوروبي"، متجاهلاً الحقوق التركية في شرق المتوسط والحقوق المشروعة للقبارصة الأتراك.

ونتيجة لجهود باريس أُدرِجت "المسألة التركية" في جدول أعمال مجلس العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، المقرر في 13 يوليو/تموز الجاري.

وسعت فرنسا إلى ضمان مشاركة تركية في "قمة الميزانية" (أوروبية) المقررة يومي 17و18 يوليو/تموز الجاري، لاتخاذ قرارات وتدابير اقتصادية تتعلق بمواجهة فيروس "كورونا"، إلا أن تركيا رفضت المشاركة في القمة التي دعت إليها باريس.

ولجأت باريس إلى سياستها المعتادة، المتمثلة بإظهار المواقف العدائية ضد تركيا، وتبني المنظمات الإرهابية والدفاع عنها في البرلمان الأوروبي، واختلاق المزاعم لحشد الدعم.

مصالح ماكرون

يرى مراقبون أن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المناهض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتصاعد المواقف العدائية الفرنسية ضد أنقرة، يرجعان إلى تضرر مصالح ماكرون بالدرجة الأولى.

ومنذ أن تولى ماكرون الرئاسة، في 14 مايو/أيار 2017، اهتزت فرنسا على وقع احتجاجات مستمرة بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العميقة، في وقت يحاول فيه ماكرون التعامل مع حالة عدم الاستقرار السياسي التي كانت أحدث حلقاتها استقالة رئيس الوزراء إدوار فيليب و15 وزيراً، الأسبوع الماضي.

كما تشير نتائج الانتخابات المحلية في فرنسا إلى انخفاض كبير في شعبية ماكرون في الشارع الفرنسي، بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تبناها خلال السنوات الثلاث الماضية، وقوبلت باحتجاجات عارمة، فضلاً عن اتهامه بالجنوح نحو "السلطوية السياسية".

وسعى ماكرون، في الآونة الأخيرة، إلى كسب ود اليمين المتطرف لضمان مزيد من دعمه، من خلال معاداة تركيا.

وسبق لماكرون أن اتهم الناتو بـ"الموت الدماغي"، في أعقاب انتصارات مهمة حققتها تركيا عبر عملية "نبع السلام" (شمالي سوريا) ضد تنظيم PKK/YPG الإرهابي والمدعوم فرنسياً.

كما أن دعم أنقرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في ليبيا يتعارض مع مصالح سياسة ماكرون الخارجية.

وتسعى باريس إلى حماية مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية من خلال التحالف مع الجنرال الانقلابي حفتر، بهدف الحصول على حصة من النفط الليبي.

ولهذا السبب تغض باريس الطرف عن التدخلات الروسية والإماراتية والمصرية الداعمة لحفتر.

وفي أعقاب بدء التعاون الأمني والعسكري بين أنقرة والحكومة الشرعية، حقق الجيش الليبي سلسلة انتصارات مكنته من طرد مليشيا حفتر من المنطقة الغربية، باستثناء مدينة سرت (450 كم شرق طرابلس) التي يتأهب لتحريرها.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً