مقهى محاذٍ للحدود السورية يعج بأحاديث السياسة والمعارك والتطورات الميدانية (AA)
تابعنا

في مقهى محاذ للحدود مع سوريا، وبينما لا صوت يعلو فوق صوت المدافع وهدير المقاتلات الحربية، يحتشد عدد كبير من سكان قضاء أقجة قلعة التركي الحدودي، يحتسون الشاي، وتشخص أبصارهم نحو شاشة التلفاز تارة، ونحو هواتفهم تارة أخرى، لعلّ خبراً عاجلاً يباغتهم.

في هذا المقهي العتيق، لا حديث يعلو فوق حديث السياسة والعملية العسكرية. حول طاولة خشبية تكدست فوقها كؤوس الشاي التركي الصغيرة، يجلس ثلاثة أصدقاء يتهامسون "قبل قليل سقطت قذيفة أخرى إلى جانب أحد الفنادق، لكن قدر الله حال دون إصابة أي أحد"، يقول أحدهم، فيجيبه الآخر "لقد سقطت قرب فندق يقيم به صحافيون أجانب، هؤلاء الإرهابيون يفضحون أنفسهم بأنفسهم".

تُطلق المدافع التركية قذائفها فيدوي صوتها بالأرجاء تارة، ثم يطلق عناصر تنظيم PKK/YPG الإرهابي قذائفهم بشكل عشوائي، يهتز المقهى الحدودي، بينما يستمر الحديث كأن شيئاً لم يكن، الناس هنا اعتادوا هذه الأصوات حتى باتت جزءاً من حياتهم.

بينما نجلس إلى جانبهم، نتبادل معهم أطراف الحديث، يفتح إمام المسجد المجاور للمقهى مكبر الصوت، ليلقي بياناً مهماً للناس، تشخص الأبصار تجاه المسجد ويعم الصمت، لينطلق بعد ثوانٍ معدودة صوت المؤذن يقول "يرجى الانتباه جميعاً، الزموا منازلكم، وابتعدوا عن الازدحام".

سألنا الحاج عمر آلت أبو حسين، "أليس هذا زحاماً، لماذا لا نغادر؟، قال "نغادر إلى أين؟ هؤلاء يضربون في كل مكان لا يأبهون بحياة المدنيين".

الحاج أبو حسين، مواطن تركي يتحدث العربية بطلاقة، ويتقن اللهجة العراقية بشكل كبير، وهو الذي عاش في بغداد سنين طويلة، يبدو الحاج بين أقرانه سياسياً محنكاً، له وجهة نظر في كل شيء يتعلق بالسياسة والعمليات العسكرية.

يقول أبو حسين للذي يجاوره "أتمنى أن تنتهي هذه العملية بسرعة، لقد سئمنا هؤلاء (تنظيمPKK/PYD الإرهابي) وما يفعلونه بنا".

ويضيف لـTRT عربي "تعطلت حياتنا، صار المقهى ملاذنا الوحيد في هذه الأيام، أستيقظ مبكراً لأجالس الأصحاب في المقهى، وأراقب مجريات الأحداث عن كثب، سواء في التلفاز، أو بشكل مباشر من خلال ما أشاهده على الحدود".

"الله يقف إلى جانبنا، نحن على يقين"، يقول الحاج الذي يتلو سورة الفتح خمس مرات يومياً منذ بدء عملية "نبع السلام"، آملاً في النصر، ويضيف "تجاوز عمري 63 عاماً ولكنني مستعد لأقاتل في صفوف الجيش حالاً، لأنني عانيت وأهلي جراء جرائم هذا التنظيم، وعانت بلدنا كذلك جراءها منذ 40 سنة".

يقول أبو حسين إنه "يسمع من اللاجئين السوريين في قضاء أقجة قلعة، أن التنظيم الإرهابي كان يهدم منازلهم ويحرقها ويجنّد أبناءهم عنوة في صفوفه".

صوت قذيفة أطلقتها المدفعية التركية القريبة يهز الأرجاء مجدداً، يلتف الجميع نحو المصدر، يعمّ الصمت من جديد، إذ يسعى النّاس للتأكد من مصدر الانفجار وماهيته، ثم سرعان ما يتأكدون أنه موجه نحو التنظيمات الإرهابية، وليس صاروخاً تطلقه التنظيمات تجاه الآمنين.

"لا تخف، هذه مدفعية تركية"، يقول أبو حسين، ثم يستأنف الحديث "ندرك تماماً أن الحكومة التركية والجيش على حق، وأنه سينتصر في هذه العملية، لا نقول ذلك لأننا نسمع الخطابات في التلفاز فحسب، بل لأننا عانينا جرّاء ويلات التنظيم الإرهابي، الذي ينفذ العمليات ضد الأبرياء سواءً في سوريا أو تركيا، وقد قتل خلال يومين فقط عدداً من المواطنين العزل الأبرياء".

حول الطاولة أيضاً يجلس المُسن التركي جاسم أبو محمد، يستمع إلى الحوار بهدوء تام، وعندما وجهنا إليه سؤالاً سكت، وأبى الحديث، "أنا استمع للحديث فقط بشكل يومي، ولا أشارك فيه"، يقول لـTRT عربي.

لكنه سرعان ما تنازل عن موقفه هذا، مستجيباً لاستفزاز صديقه محمد آلت أبو حسين الذي قال "لا يهمه أمر العملية كما يبدو"، فأجاب بصوت مرتفع "كيف لا يهمني، أنا أجلس هنا قرب الحدود يومياً أرقب التطورات، وأدعو الله ليل نهار بأن يحقق الجيش نصراً مؤزراً".

وأضاف أبو محمد الذي استشاط غيظاً "يجب أن ينتهي أمر هذه العصابات إلى الأبد، لم نعد نحتمل أن نعيش في ظل وجودهم إلى جوارنا، أي حياة هذه أن تعيش وعناصر إرهابية تتربص بك وبأهل بيتك ليل نهار؟".

أما المواطن التركي طه آي أبو علي، والذي بدا ومنذ بدأ النقاش حريصاً على إيصال فكرته، وطرحه ليس لمن يجالسهم فحسب بل إلى رواد المقهى أجمعين، فقد قال إن "المقهى تحول إلى منتدى سياسي تناقش فيه التصورات حول تطور العملية ومآلاتها".

ويضيف أبو علي لـTRT عربي "لا حديث يجري هنا غير حديث الحرب، شاشة التلفاز والهواتف النقالة حاضرة وبقوة، والجميع يحاول تقديم تفسيره وطرحه للناس، أصبح الميدان متاحاً لكل من يريد الإدلاء برأيه".

"لكلٍّ رأيه وطريقة تفكيره فيما يتعلق بالعملية العسكرية، لكن الجميع يتفق على دعم هذه العملية من أجل تطهير المنطقة من الإرهابيين، لكن لكلٍّ تصوره حول المنطقة الآمنة وشكلها، ولكلٍّ تكهناته بالمستقبل"، يقول أبو علي.

ويرى أبو علي أن "العالم كله بات يدعم الإرهابيين ويساندهم، هناك دول تصطف ضد تركيا في هذه الأثناء وتجاهر بدعمها للعناصر الإرهابية، إنهم يخشون الهدوء، يريدون للتنظيم بأن يستمر في فرض سيطرته ومهاجمة تركيا، وإثارة القلاقل. كلهم يخشون قوة تركيا ويحاولون إضعافها".

غير بعيد عن المقهى، يجتمع عدد آخر من الأهالي، مقهى صغير يقدم لهم القهوة التركية ذات الرائحة الزكية والشاي ولا شيء آخر، يجلسون على مقاعد بلاستيكية تحت ظلال الأشجار، يراقبون التطورات عن كثب رغم الحر الشديد.

أحدهم، المواطن التركي الحاج أبو مرعي عبد الله، الذي لا يكاد يغادر المكان ليلاً ونهاراً منذ يوم الأربعاء الماضي عندما بدأت عملية "نبع السلام"، "لطالما انتظرت هذه اللحظة"، يقول عبد الله لـTRT عربي.

ويشير إلى أن "العملية من شأنها أن تعيد الأمان إلى السكان الذين بدؤوا يفتقدون إليه في الآونة الأخيرة، كما ستساهم في عودة أهلنا السوريين إلى بلادهم".

ويقول إن "الأتراك في أقجة قلعة يعيشون جنباً إلى جنب مع السوريين، يتقاسمون معهم خبزهم وطعامهم، إخوة في بيت واحد، وهذا يعني أننا أيضاً سوف نُسر لسرورهم، ونفرح لفرحهم، عندما يتسنى لهم العودة إلى ديارهم، فكل لاجئ يطمح يوماً بالعودة إلى بلاده التي أخرج منها".

الحاج أبو مرعي عبد الله (يمين) يقول إن العملية من شأنها أن تعيد الأمان إلى السكان (TRT Arabi)
الحاج عمر آلت أبو حسين وجاسم أبو محمد وحديث السياسة والعملية العسكرية (TRT Arabi)
طه آي أبو علي يقول إن المقهى تحول إلى منتدى سياسي تناقش فيه التصورات حول تطور العملية (TRT Arabi)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً