عاد اليهود المتدينون من جديد إلى إثارة الجدل، بسبب اعتقاداتهم الدينية التي تحول دون المساهمة بمكافحة فيروس كورونا (هارتس)
تابعنا

عاد اليهود المتدينون من جديد إلى إثارة الجدل في المجتمع الإسرائيلي، لكن هذه المرة ليس فقط لرفضهم التجنيد الإجباري لأنهم من دارسي الشريعة التي يتوجب التفرغ لها برأيهم، بل لأنهم تصدروا المشهد بإحداثهم أزمة كبيرة بسبب اعتقاداتهم الدينية التي تحول دون المساهمة بمكافحة فيروس كورونا، وعدم التزامهم بالتعليمات منذ بداية تفشي الوباء، الأمر الذي حول المدن التي يسكنونها إلى بؤر للفيروس.

وحصلت صحيفة هآرتس على معلومات سرية من وزارة الصحة الإسرائيلية، تفيد بأن معدل الإصابات في المتدينين قفز عن المتوسط العام بالنسبة لإسرائيل، والذي يتضاعف كل ثلاثة أيام، فيما كشف تقرير لمركز المعلومات الوطني أن 29% من المصابين بفيروس كورونا في إسرائيل، انتقلت لهم العدوى داخل المعابد والمدارس الدينية، التي رفض المتطرفون إغلاقها في بداية الأزمة.

وأعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن تشديد الإجراءات الحالية، إلا أن الأمر لم يصل إلى حد الإغلاق الكامل، حسب صحيفة يدعوت أحرنوت الإسرائيلية.

وقالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن 5591 إسرائيلياً أصيبوا حتى الآن بالفيروس، 97 في حالة خطيرة، فيما توفي21 مريضاً، وارتفعت حالات الإصابة بالفيروس في مدينة "بني براك" المتطرفة بنسبة 27.8% مساء الثلاثاء، وفقًا للأرقام المحدثة الصادرة عن وزارة الصحة الإسرائيلية الأربعاء، وأصبحت تل أبيب نقطة محورية لتفشي الفيروس في إسرائيل، وهو ما يمكن أن تشاهده بوضوح بمجرد المشي في شوارعها.

كورونا بين المتطرفين.. لماذا؟

ومن أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الفيروس في المناطق التي يقطنها اليهود المتدينون ما يعرفون بالحريدين ويمثلون 12% من إجمالي سكان إسرائيل، البالغ 9.1 مليون نسمة، عدم انصياعهم في بداية تفشي الوباء إلى تعليمات وزارة الصحة بالحجر المنزلي وتقليل الزحام، وهو أمر عززته فتوى الحاخام حاييم كانيفسكي، أحد كبار زعماء التيار الحريدي في إسرائيل، التي دعت لمخالفة تدابير مكافحة كورونا.

لكن ومع تحول مدن المتدينين إلى بؤرة وباء، لدرجة أن نصف المصابين في المستشفيات المركزية في إسرائيل منهم، حسب ما ذكرته القناة الإسرائيلية الثانية، استدرك كانيفسكي الأمر بفتوى جديدة حظر فيها الصلاة العامة وأعلن تطبيق عقاب قد يصل حد القتل ضد مخالفيها، فيما فضل وزير الصحة الإسرائيلي فرض إغلاق كامل على المدن التي يسكنها المتدينون والتي ينتشر فيها الفيروس، مثل "بني براك"، ومنع السكان بتاتاً من الخروج سوى لشراء الطعام.

وقالت الشرطة الإسرائيلية، إنها تواجه مصاعب في فرض تعليمات وزارة الصحة، للحد من انتشار الفيروس في الأحياء ذات الأغلبية المتدينة، وخاصة في حي "مايه شعاريم" ومدينة "بني براك".

وتجاهل سكان مدينة "بني براك" المتطرفة التعليمات الواجب اتباعها، إذ سمح العمدة أفراهام روبنشتاين بإقامة حفل زفاف كبير لأحد أقاربه خارج منزله، وطمأن السكان وقدم صورة مشوهة لهم تقول إن الوضع تحت السيطرة.

وأكدت صحيفة هآرتس في تقرير لها، التزام اليهود المتطرفين بالحجر المنزلي، رغم ضجرهم من عدد الأطفال في منازلهم، وعدم معرفتهم كيف يتصرفون في عيد الفصح القادم، وكيف سيقومون بأداء طقوسه مع كل تلك الإجراءات المشددة.

رفض التعامل مع التكنولوجيا والإعلام

وبما أن إسرائيل تعتمد على التكنولوجيا بالدرجة الأولى في مكافحة انتشار المرض، والهواتف الذكية التي من شأنها مساعدة السلطات في تحديد أماكن المصابين بالفيروس وتجنبهم، تواجه وزارة الصحة صعوبة في تحديد الحالات المحتملة للفيروس التي تتطلب العزل في المدن المتطرفة، نظرا لمعتقداتهم الدينية حول استخدام الهواتف الذكية، ووصول الأمر إلى تحريمها.

وتدعم بيانات وزارة الصحة الإسرائيلية هذا السبب، إذ قال مسؤول فيها إن التحدي يأتي من عدم قدرة الإسرائيليين المتدينين على الوصول إلى وسائل الإعلام، إذ إنهم يسمعون عن المرض ووجود إصابات في أماكن سكنهم شفوياً، حسب تقرير للكاتب في صحيفة هآرتس آرون رابينوفيتش.

معظم الذين دخلوا في عزلة هنا هم أناس سمعوا من خلال الحديث الشفوي أنهم كانوا بالقرب من مريض كورونا

مسؤول إسرائيلي في مدينة بني براك المتطرفة

وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن الطلاب لا يملكون هواتف ذكية، وبالتأكيد ليسوا متصلين بالإنترنت والتلفزيون، منوهاً إلى أنهم يعلنون عن تعليماتهم وتحذيراتهم من خلال الملصقات في الشارع، ومكبرات الصوت، ورسائل من الحاخامات.

الفقر والاكتظاظ والجهل

من جانب آخر، ينتشر الفقر في تلك المجتمعات المتدينة التي تحيط نفسها بتعليمات دينية صارمة، بالإضافة إلى الاكتظاظ السكاني، إذ يصل عدد الأطفال في العائلة الصغيرة إلى 10، وهو أمر يجعل من الحجر المنزلي أمراً غير صحي ويضاعف من عدد الإصابات بالفيروس.

ولا يوجد لدى وزارة الصحة الإسرائيلية ما يكفي من القوى العاملة للوصول إلى كل من هو مطلوب منه الدخول في الحجر المنزلي، وإن تم الوصول لهؤلاء الأشخاص، فإن العزل يكون في شقة مزدحمة لا تتوافر فيها شروط العزل السليمة، حسب صحيفة هآرتس.

وتشكل قلة وصول المعلومات السليمة علمياً للمجتمع اليهودي المتدين معضلة كبرى في التصدي للفيروس. تقول الكاتبة الإسرائيلية جيسكا أبل،"إن السكان الذين لا يعرفون أي علم ليسوا مؤهلين لفهم خطر الفيروس. والشخص الذي لم يتعلم أبداً الرياضيات الأساسية لا يمكن توقعه لفهم الرسوم البيانية التي توضح تصاعد عدد الإصابات".

وأضافت "عندما يُقال للسكان الذين يعتبرون قادتهم الدينيين معصومين من الخطأ أن التوراة ستحميهم وأن مبادئ تطبيق القانون العلمانية نازية ومعادية للسامية، سيكون من السهل عليهم عدم الامتثال للأوامر والاستهانة بخطر الفيروس.

وتشير الكاتبة إلى وجود مخاوف بشأن استخدام اليهود المتدينين للكمامات، وتضيف "من غير المحتمل أن يُنظر إلى ارتداء القناع على أنه معاناة من قبل السكان المتدينين الذين يغطون بالفعل أغلبية أجسادهم قبل مغادرة المنزل. هذا ليس بديلاً عن كل الإبعاد الاجتماعي وغسل اليدين الذي يجب أن يلتزم به الحاخامات وقادة المجتمع، بل هو إجراء إضافي للحماية".

وتأتي الكاتبة على ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز أنه "عندما أجرى الباحثون دراسة لمجموعة السلوكيات التي تقلل من خطر الإصابة بالسارس عام 2003 ، وجدوا أن غسل اليدين أكثر من 10 مرات يومياً كان فعالاً بنسبة 55% في وقف انتقال الفيروس، بينما كان ارتداء القناع في الواقع أكثر فعالية بنسبة 68% تقريباً".

شوارع"مدينة بني براك" فارغة من اليهود المتطرفين المصاب معظمهم بكورونا (هارتس)
%35 من الإصابات في إسرائيل خرجت من مدينة "بني براك" المتطرفة (هارتس)
ارتفع معدل الإصابة بمدينة "بني براك" المتطرفة 8 أضعاف خلال 3 أيام (AA)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً