محللون إسرائيليون يرون أن ترمب قدم هدية لنتنياهو قبل الانتخابات (Reuters)
تابعنا

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أحد أوّل الزعماء الذي علّقوا مباشرة على مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بغارة أمريكية ببغداد، خرج الرّجل يومها بتصريح مقتضب أثناء وجوده في اليونان، قال فيه إن "من حق الولايات المتحدة الأمريكية الدفاع عن نفسها، وترمب يستحق كل الفضل على التصرف السريع والحاسم".

التصريح الإسرائيلي الذي جاء على لسان نتنياهو ليس مستغرباً؛ فإسرائيل ما زالت تصف إيران بأنّها عدوها الأوّل، والخطر الحقيقي على وجودها، وسعت غير مرّة إلى استهداف قيادات إيرانية، بل وقتلت في غارات لها بسوريا عدداً من قيادات فيلق القدس نفسه، بيد أن الحالة هذه المرّة بدت مختلفة، إذ يُنظر إلى الثنائي ترمب-نتنياهو في تل أبيب والعالم على أنهما حليفان يسعى أحدهما إلى مساعدة الآخر للبقاء بالحكم "مهما كان الثمن".

في ظل المشهد السياسي التاريخي المعقد الذي تشهده إسرائيل بسبب إعادة الانتخابات ثلاث مرات متتالية نتيجة لتمسك نتنياهو بتزعّم المشهد، إضافة إلى تهم الفساد التي تُحيط بنتنياهو من كل جانب، سعت الإدارة الأمريكية ممثَّلة بالرئيس ترمب إلى دعم حلف اليمين بزعامة نتنياهو عبر "هدايا" ثمينة، كان أوّلها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ثم الاعتراف بضم مرتفعات الجولان السوري لإسرائيل، وأخيراً "قتل سليماني"، كما يرى عدد من المحللين.

وعلى الرغم من تأييد الإسرائيليين، شعباً وحكومة، لقتل سليماني وإجماعهم على حتمية ذلك، إلا أن المشهد لم يخلُ من التشكيك في توقيت هذه العملية، والمغزى من تنفيذها بالتزامن مع بدء الحملات الانتخابية المحمومة في إسرائيل، وفي الوقت الذي تشير فيه استطلاعات الرأي إلى خسارة الحلف الذي يتزعمه نتنياهو بعض المقاعد، ما من شأنه أن يهدد مستقبل الرجل السياسي برمته.

هدية رأس السنة

"ما جرى هو أكبر هديّة يمنحها ترمب لنتنياهو مع بداية العام الجديد"، هذا ما قاله الكاتب في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية حاييم بيري. مضيفاً "عملية قتل سليماني بكل بساطة هي ما غيّرت الأولويات في إسرائيل وبدلت، وأعادت ترتيب الأوراق من جديد".

ويرى الكاتب أن "الأولويات في إسرائيل تغيّرت من سيطرة تهم الفساد المُوجهة لنتنياهو على المشهد بشكل كامل، وحلّت مكانها أخبار إيران والتهديد الأمني الذي تشكله على المنطقة وبالضرورة على إسرائيل".

ويقول إن "الهاجس الأمني كان دائماً شماعة يتكئ عليها نتنياهو بهدف كسب المزيد من المقاعد في الانتخابات".

ويشير إلى أنه، وبفضل ارتدادات عملية قتل سليماني، ارتفع رصيد نتنياهو من المقاعد بشكل ضمني، "هذه الهدية ستضمن لنتنياهو البقاء في منصبه"، ويلفت إلى أن فوز نتنياهو في الانتخابات القادمة من شأنه أن يضع قواعد جديدة للعبة السياسية، تنطلق من مبدأ آخر، مفاده أن "لعملية عنيفة كعملية قتل سليماني أثراً كبيراً قبل الانتخابات".

الفزاعة الإيرانية.. مخرج نتنياهو الوحيد

يشار إلى أن نتنياهو اتُّهم أكثر من مرّة، بسعيه إلى تأجيج المنطقة من أجل مكاسب سياسية؛ إذ كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أنه سعى إلى تصعيد عسكري في قطاع غزة قبل الانتخابات الأخيرة الماضية، بهدف تشتيت الرأي العام، والحصول على أكبر عدد من المقاعد في الكنيست من خلال تأجيج الهاجس الأمني لدى الإسرائيليين.

من جانبه، يرى المحلل العسكري الإسرائيلي تسفي هريئيل أن "الحديث الدائم عن الهاجس الأمني واقتراب وقوع الحرب من شأنه أن يصب في صالح نتنياهو بشكل كبير، خاصة وأن الرجل يحاول الظهور بمظهر البطل الإسرائيلي الخارق، محاولاً شرعنة تمسكه بالسلطة والبقاء في منصبه".

في السياق ذاته، يقول رئيس تحرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية ألوف بن إن "الرابح الأكبر على الإطلاق من عملية قتل قاسم سليماني هو بنيامين نتنياهو"، مشيراً إلى أن "نتنياهو غنم أسبوعاً مميزاً وناجحاً، بدأ بفوزه على غريمه جدعون ساعر بالانتخابات الداخلية في حزب الليكود، ثم رفْض المحكمة العليا البتَّ في صلاحية ترشحه للانتخابات في ظل اتهامه بالفساد، وطلبه حصانة برلمانية من شأنها أن تعرقل تقديمه للقضاء، وأخيراً عملية قتل سليماني".

ويرى أن العملية أعادت "الهاجس الأمني" إلى الأضواء مجدداً في إسرائيل، في الوقت الذي طمست فيه كل ما يتعلق بتهم الاحتيال الموجهة لرئيس الوزراء، كما ساهمت في وقف الانتقادات الموجهة لنتنياهو، "إذ انشغلت بالحديث عن إيران والأمن الأحزاب كلها".

ويضيف أنه في حال وقوع أي تصعيد "فإن الضغوطات سوف تزداد على قيادات تحالف أزرق-أبيض من أجل الانضمام إلى حكومة يتزعمها نتنياهو في ظل وضع أمني خطير".

يشار إلى أن نتنياهو كان قد خرج إلى العلن بشكل واضح وصريح صباح الأربعاء للتحدث، لأوّل مرة، عن تداعيات مقتل سليماني، وذلك بعد قصف إيران قاعدةً أمريكيةً في العراق، إذ حذّر من أن "إسرائيل ستوجه ضربة مدوية في حال تعرضت لهجوم من إيران".

وقال خلال مؤتمر صحفي "سليماني كان مسؤولاً عن قتل أبرياء، ونحن نقف تماماً إلى جانب واشنطن، بل ينبغي أن نهنئ ترمب على سرعته وتحركه بهذه الجرأة، سوف نقف بحزم أمام الباحثين عن أرواحنا".

حارس المرمى

لا يفتأ نتنياهو يؤجج الهاجس الأمني الذي يزعم أنه يهدد إسرائيل، ولعل صيغة تصريحاته بما يتعلق بقتل سليماني على الرغم من عدم تهديد إيران رسميّاً بضرب إسرائيل أو استهدافها، يشير إلى مساع لتوظيف المشهد لصالحه.

ويعتقد الصحفي ألوف بن أنّ التصعيد من شأنه أن يساعد في حصول نتنياهو على حصانة برلمانية تقيه شر تهم الفساد التي تطوّق عنقه، "لعل ذلك أجمل هدية حصل عليها حتى اليوم".

ويرى أن نتنياهو يحاول البروز بمظهر "حارس المرمى" الذي سينقذ إسرائيل من ضربات إيران، مشيراً إلى أن الهواجس الأمنية تساعد نتنياهو في التسلل إلى منازل المواطنين وحصد المزيد من الأصوات، وخاصة منازل اليمينيين الذين استنكفوا عن المشاركة بالانتخابات، ورفضوا منحه أصواتهم بسبب تهم الفساد، "لكنهم سيمنحونه إياها اليوم من أجل أمن دولة إسرائيل".

ويقول إن تصريحات نتنياهو حول إيران هي ما يسيطر على عناوين وسائل الإعلام في إسرائيل بالفترة الراهنة، "بل أعتقد أنها ستبقى مسيطرة حتى حين".

سليماني قُتل بغارة أمريكية في العراق (AFP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً