الملكة البريطانية الراحلة اليزابيث الثانية (Others)
تابعنا

لن أتظاهر بخلاف ذلك، فوفاة الملكة إليزابيث الثانية، التي وافتها المنية في قلعة بالمورال الاسكتلندية، كان لها تأثير عليّ كمسلم بريطاني من أصول عراقية. كان للملكة حضور دائم في حياتي منذ ولادتي، وقد اعتدتها في جميع جوانب حياتي تقريباً، بما في ذلك رؤية كلمات "صاحبة الجلالة" التي تسبق مختلف أذرع الخدمة المدنية في الدولة.

الآن، أشرقت شمس أخرى على بريطانيا ومستعمراتها السابقة، فلدينا الآن الملك تشارلز الثالث على العرش، وهذا سوف يستغرق بعض الوقت لنعتاده.

على الرغم من أنني لا أشعر بالحزن على وفاة الملكة ولا أحتفل بها في ذات الوقت، فمن المهم أن نفهم أنه على الرغم من أنها لم تكن مسؤولة مسؤولية مباشرة عن سياسات حكوماتها خلال فترة حكمها التي استمرت 70 عاماً، كانت رمزاً لهذه المؤسسات التي أحدثت الفوضى في جميع أنحاء العالم. وبصرف النظر عن العوامل الأخرى، هذا وحده سبب مقنع وكافٍ لي للرغبة في رؤية النظام الملكي البريطاني يودع الحياة العامة.

رمز مُقنَّع للعنف

نشأتُ في إكستر، في مقاطعة ديفون البريطانية ذات المناظر الخلابة والجميلة، التقيت الملكة بالفعل عندما جاءت لزيارتها في المناسبات الرسمية. عندما كنت طفلاً صغيراً اصطُحبتُ لرؤيتها مع بقية أفراد صفي في عام 1995. في ذلك الوقت، لم أكن بلغت العاشرة من العمر، وكانت لدي فكرة غامضة عن ماهية المُلك بعيداً عن اللون المتقدم الذي سيُطلَى لاحقاً على قماش ذهني. كانت الملكة لطيفة ودافئة وابتسمت لي وقالت: "مرحباً"، الأمر الذي دفع النسخة الطفولية مني إلى الابتسام بخجل.

لاحقاً، وكشخص بالغ، ومع رفع أو ربما تجريد غطاء براءة الطفولة عني، أدركت أن الملكة كانت في الواقع رئيسة الدولة. على الرغم من أنها ربما لم تتمتع بالسلطة التنفيذية المطلقة ولا السلطة التي كان يتمتع بها أسلافها قبل قرون، فإنها مع ذلك استخدمتها المؤسسة البريطانية لتوفير قشرة مصقولة وفخمة ورشيقة للتغطية على الجرائم العديدة التي ارتكبتها ضد ملايين لا حصر لها من البشر، إن لم يكن مليارات، حول العالم.

بعد فترة وجيزة من تتويجها عام 1952، أمرت الحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء أنطوني إيدن بغزو مصر إلى جانب إسرائيل وفرنسا عام 1956، إذ أمّم المصريون بقيادة الزعيم القومي العربي الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس الاستراتيجية، "فكيف يجرؤون على ذلك؟". وفيما كانت تلك الحرب هي المسمار الأخيرة الذي دُقّ في نعش "الإمبراطورية التي لا تغيب عليها الشمس أبداً"، لم تُبدِ الملكة، والحال هذه، أي اعتراضات على هذا العدوان الوحشي.

وبالمثل، لم تُثِر الملكة أي اعتراضات عندما طُلب إليها أن تكرّم حاكم زيمبابوي السابق روبرت موغابي عام 1994، ثم طلبت منها حكومة لاحقة تجريده من هذا الشرف عام 2008، وهو ما فعلته بإخلاص. كما لم تهتم عندما تحالف توني بلير مع جورج بوش وغزا العراق عام 2003، ثم منحته لقب "فارس" في وقت لاحق عام 2021 على الرغم من توقيع مليون شخص على عريضة للاعتراض على تكريم هذا الكذاب المغالي.

لماذا فعلت كل هذا؟ ببساطة لأن الناس لديهم حقّاً وجهة نظر عندما يصفون حكمها بأنه خدمة عامة، من حيث كونها أسيرة إلى حد كبير لأهواء ورغبات حكوماتها، بغضّ النظر عن أفكارها الشخصية حول أي مسألة معينة.

لكن هل يُعفيها ذلك من التواطؤ؟ في نظري، لا. كان بإمكانها التنازل عن العرش في الوقت الذي لم تستطع التوفيق فيه بين أي اعتراضات أخلاقية قد تكون لديها مع واجباتها الدستورية. مع ذلك فإن عدم اتخاذها قراراً كهذا يُعَدّ اتهاماً في حد ذاته.

مؤسسة سياسية متنافرة

ومع ذلك، وعلى الرغم ممّا تَقدَّم، لم يكُن لديّ أي نية سيئة تجاهها. يقول عديد من الرجال والنساء "نعم" في معظم المؤسسات السياسية. ربما شعرَت الملكة بواجبها العميق، وربما الأناني، تجاه أسرتها وبلدها، واعتقدت أن من الأفضل البقاء في المنصب. مَن يعرف؟ أو قد يكون طرح السؤال "من يهتم؟" أكثر دقة. في حين أن المجرمين مثل بلير الذين يتمتعون بسلطة فعلية والذين قضوا على العراق وأفغانستان وأماكن أخرى لا يزالون يتجولون بحرية، فإن الآراء الشخصية حول تقاعس ملكة صورية توُفّيَت الآن تبدو غير ذات أهمية.

مع ذلك لا يزال بشعاً التشدُّق بالكلام الذي تقدّمة المؤسسة البريطانية البغيضة للملكية وقسمها بالولاء للعائلة المالكة. يُنظَر إلى أفراد العائلة المالكة على أنهم جزء من هُويتهم، ومصدر شائعات مثير للاهتمام وربما مثيرة للقيل والقال، تأتي من تقارير تحكي عن الفضائح الجنسية والعنصرية، فضلاً عن كونها أيضاً أداة في أيديهم للتغلب على خصومهم السياسيين.

على سبيل المثال، قال أحد ضيوف الإذاعة الوطنية (الممولة من الدولة) وبشكل يعكس حالة التملق هذه، إن فاتورة الطاقة كانت تافهة بالنظر إلى ما كانت تمرّ به الملكة.

بينما يمكنني التعمق في طفولتي وأتذكر الملكة التي رحبت بي بلطف، وبينما لم أتمنَّ موتها أو حتى كرهها بالتأكيد، فإن أولويتي ستكون دائماً مع الفقراء الذين هم الآن في خوف حقيقي من الاختيار بين تدفئة منازلهم أو تناول الطعام.

مع مثل هذه الحساسية تجاه الرتب الرسمية التي تنتشر في كل جانب من جوانب المؤسسة البريطانية، ومع وفاة أحد كبار العائلة المالكة، أشعر الآن أن الوقت قد حان للملكية البريطانية، كمؤسسة مليئة بالنفاق، لإسقاط كل الألقاب الملكية والسير في طريقهم الخاص بالحياة.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً