مظاهرة للمتشددين اليهود في مدينة القدس المحتلة.  (Menahem Kahana/AFP)
تابعنا

وبدأ الحديث عن انتخابات خامسة مبكرة خلال أقل من 3 أعوام، وسط توثب واضح من زعيم المعارضة نتنياهو للعودة مجدداً إلى الساحة السياسية.

هذه السطور تحلل أسباب الأزمة الناشبة، عواملها ونتائجها المرتقبة، وهل أوشكت عودة نتنياهو إلى المسرح السياسي، مع أننا ربما أمام أغرب ائتلاف حكومي شهدته إسرائيل خلال السنوات والعقود الماضية، سواء في مكوناته المتناقضة، أو الغموض الذي يكتنف مستقبله القريب، واستشراف تطورات الأيام القادمة التي تبدو مليئة بأحداث سياسية داخلية، في حال قُدِّر للمواجهات الدائرة في المسجد الأقصى أن تهدأ، وتعود حالة الاستقطاب الحزبي إلى ذروتها، بعد انتهاء إجازة الكنيست في مايو/أيار.

تناقضات الائتلاف

شكلت استقالة عيديت سيلمان رئيسة الائتلاف الحكومي، من حزب يمينا الذي يقوده رئيس الحكومة نفتالي بينيت، قمة جبل الجليد في الخلافات الداخلية، إذ جاءت احتجاجاً على ما اعتبرتها مخالفة للشريعة اليهودية ارتكبها وزير الصحة نيتسان هوروفيتش زعيم حزب ميرتس اليساري، حين سمح بإدخال مأكولات تحتوي على "الخميرة" إلى المستشفيات.

عبرت الاستقالة الرسمية الخطية عن رماد كبير تحت الجمر، مشيرة إلى كثير من التناقضات الداخلية حول الأجندات الدينية والحزبية والاقتصادية التي تهم الوضع الإسرائيلي، وخارجية متعلقة بمستقبل العلاقة مع الفلسطينيين والاستيطان والاتفاق النووي الإيراني والحرب الأوكرانية، وإن كانت من طرف خفي.

منذ اللحظة الأولى لإعلان تشكيل الحكومة كان واضحاً أن هاجس أعضائها من اليمين واليسار، هو إبعاد نتنياهو عن الواجهة، باعتباره مصدر قلق دائم، وطالما بقي على سدة الحكم فإنه سيقضي على تطلعاتهم بإدارة دفة الحلبة السياسية، ولذلك ما إن تراجع بريقه عن الساحة الحزبية، بالحديث عن صفقة مع النيابة العامة لإعفائه من المحاكمة شرط عدم العودة للحياة السياسية، حتى ظهرت التناقضات التي تم "دفنها" إلى أجل مسمى.

أطماع الشركاء

حملت التشكيلة غير المنسجمة في الائتلاف منذ البداية بوادر سقوطها، فحزب يمينا منشق عن حزب الليكود والقوى الصهيونية. وما دفع بينيت ورفاقه إلى تشكيل حزبهم الذي لم يتجاوز عدد أعضائه ستة نواب فقط، هي الأطماع الشخصية لدخول الساحة السياسية، على اعتبار أن بقاءها في جيب الليكود يعني انتقالها إلى المعارضة، بما لا ينسجم مع أطماعها في قيادة التيار اليميني.

وعلى الرغم من ذلك، بقيت القناعات الأيديولوجية اليمينية لأعضاء يمينا مرتبطة بجذورهم الليكودية، رغم انتقالهم إلى سدة الحكم، لكن بينيت اضطر إلى اتخاذ خطوات مخالفة لـ"ألف باء" يمين صهيوني، كالاستجابة للضغوط الأمريكية بتجميد الاستيطان، ولو مؤقتاً، أو "زلة لسان" صادرة عنه باستخدامه مفردة الضفة الغربية بدلاً من "يهودا والسامرة" خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي بلينكين، وسماحه لوزرائه باللقاء مع الفلسطينيين، وإن كانت اقتصادية أمنية، بلا أفق سياسي، وهذه الخطوات التي أقدم عليها بينيت اعتبرها أعضاء يمينا مجاراة لهم خشية انهيار الائتلاف، على حساب المبادئ الصهيونية الأساسية.

أما حزب "يوجد مستقبل" بزعامة وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء يائير لابيد، الصحفي العلماني، فهو صاحب ثاني أكبر عدد من مقاعد الكنيست بعد الليكود، بـ17 نائباً، لكنه تنازل عن ترؤس الحكومة لصالح بينيت ذو المقاعد الستة، وهي سابقة لم تحصل في تاريخ إسرائيل، لكن رغبته في الإطاحة بنتنياهو بأي ثمن، أجبرته على ابتلاع "المنجل"، مضطراً، مما دفع أوساط اليمين، في الحكومة والمعارضة، إلى القول، تصريحاً وليس تلميحاً، إن لابيد هو الرئيس الفعلي للحكومة وليس بينيت، عبر سياسة "القيادة من الخلف".

لا يبدو لابيد سعيداً بالأزمة الحكومية الناشبة، لأن لديه حلماً شخصياً أن يكون رئيس الحكومة القادم عبر اتفاق التناوب مع بينيت، الذي يحين موعده في نوفمبر 2023، مما يجعله يتبنى بعض المواقف والسياسات غير المتوافقة مع قناعاته رغبة منه في عدم انفراط عقد الائتلاف.

حزب أمل جديد برئاسة غدعون ساعر، أحد أقطاب الليكود التقليديين، انشق عنه فقط لخلاف شخصي مع نتنياهو، لكنه يرتبط بشبكة علاقات وثيقة برفاقه السابقين، وأبدى استعداداً لعودته لصفوف بيته القديم شرط مغادرة الأخير، مما يجعل بقاءه في الحكومة مصدر شكوك كبيرة إن زادت مخاوفه من عدم استقرارها، وبحث عن موقع نافذ في حكومة قادمة قد يشكلها الليكود، إذا أطيح بالحكومة الحالية.

وزير المالية أفيغدور ليبرمان زعيم حزب يسرائيل بيتنا، يهودي روسي يميني فاشي، لا تختلف مواقفه كثيراً عن يمينا وأمل جديد والليكود، لكن قطيعته الشخصية مع نتنياهو أجبرته على الانخراط في حكومة تجمع أعضاء كنيست عرب، غالباً ما وصفهم بـ"الطابور الخامس"، مما ينذر بإمكانية إعادة تموضعه في الحكومة في حال تغيرت موازين القوى فيها، أو تمت الدعوة لانتخابات مبكرة.

حزب أزرق-أبيض برئاسة وزير الحرب بيني غانتس أقرب إلى لابيد من بينيت وليبرمان، ولديه تطلع شخصي بتكرار نموذج "الجنرال السياسي" إسحاق رابين، الذي اغتاله اليمين، وليس سراً أنه أجرى مفاوضات جديدة مع نتنياهو للانسحاب من الحكومة مقابل منحه مقعد رئاسة الحكومة القادمة بنظام التناوب، وهو حلم طالما تطلع لتحقيقه دون جدوى!

باقي التشكيلة الحكومية من اليسار بحزبيه العمل برئاسة ميراف ميخائيلي، وميرتس بزعامة نيتسان هوروفيتس، فضلاً عن القائمة العربية بقيادة منصور عباس، قريبون جداً من المواقف السياسية العامة، بما فيها التعامل مع فلسطينيي 48، وفصل الدين عن الدولة، مع أن الأخيرة -أي القائمة العربية- أجرت استدارة بتجميد عضويتها مؤقتاً في الحكومة احتجاجاً على الاعتداءات على المسجد الأقصى، ورغم أنه إجراء شكلي بسبب إجازة الكنيست، فإن الضغوط الداخلية على عباس قد تفقده هامش المناورة مع بينيت، كلما زاد القمع الإسرائيلي للفلسطينيين، وبالتالي قد تجد نفسها خارج الحكومة مما يعني سقوطها.

الخيارات الضيقة

صحيح أن الحكومة استطاعت البقاء قرابة عام كامل على سياسة حافة الهاوية، باحتفاظها بمقعد واحد فقط يزيد عن خمسين في المئة، وأنجزت جملة من القوانين والإجراءات بصعوبة بالغة، لكن استقالة "سيلمان"، التي أفقدتها الأغلبية البرلمانية، تجعلها قاب قوسين أو أدنى من إعلان نهايتها، بالتزامن مع إمكانية انسحاب القائمة العربية، وانشقاق مزيد من أعضاء الائتلاف، بتحريض لا تخطئه العين من الليكود وزعيمه نتنياهو الذي يتحين الفرصة المواتية للعودة من جديد لواجهة الأحداث.

يدرك بينيت أكثر من سواه أن هامش المناورة يضيق أمامه، ولم تعد بين يديه خيارات كثيرة، في ضوء أن سيناريو انهيار الحكومة الأكثر ترجيحاً، إن تحققت التقديرات الواردة أعلاه، لاسيما أن اقترب الاستحقاق الأخطر المتمثل في إقرار الموازنة العامة للدولة التي تمثل مناسبة لانفراط عقد كل ائتلاف حكومي مستقر، فما بالنا والحديث يدور عن حكومة هشة متداعية، وأقرب للسقوط؟

في الوقت ذاته، فقد بدأت تصدر دعوات إسرائيلية تتمثل في إجراء انتخابات مبكرة، ستكون الخامسة خلال ثلاث سنوات، مما ينقل المشهد الإسرائيلي الى حالة من التأرجح والتذبذب وعدم الاستقرار، وهذا السيناريو في حال حدث سيكون لصالح الليكود الذي زادت عدد مقاعده المتوقع أن ينالها في أي انتخابات تجري في هذه الآونة، أما بينيت فمن المتوقع أن يغادر الحلبة السياسية كلياً.

إن بقاء الحكومة الإسرائيلية في حالة شلل حقيقي، واقترابها من فرضية السقوط المدوي، قد يدفع رئيسها إلى سيناريو دأبت على اللجوء إليه حكومات سابقة، ويتمثل في تطبيق قاعدة "إدارة الأزمة بصناعة أزمة"، من خلال افتعال مواجهة مع الفلسطينيين، أو تنفيذ عملية عسكرية في الخارج مع أي من القوى المعادية لإسرائيل، بحيث يتم صرف أنظار الرأي العام الإسرائيلي عن الأزمة الناشبة من جهة، ومن جهة أخرى يتم الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبذلك يتم كسب مزيد من الوقت.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً