تابعنا
لم يعُد استكشاف الفضاء مجالاً حصرياً على القوى العظمى. لقد كان الفضاء دائماً من المشاعات العالمية، وتستكشف حاليّاً هذه المشاعات العالمية البلدانُ النامية الأخرى مع وجود القدرة على تغيير طبيعة سياسة الفضاء الخارجي.

ساعدت الاكتشافات العلمية التي حققتها الدول الآسيوية والإفريقية على إضفاء الطابع الديمقراطي على عمليات استكشاف الفضاء من خلال التعاون لا التنافس.

لم يعُد استكشاف الفضاء مجالاً حصرياً على القوى العظمى. لقد كان الفضاء دائماً من المشاعات العالمية، وتستكشف حاليّاً هذه المشاعات العالمية البلدانُ النامية الأخرى مع وجود القدرة على تغيير طبيعة سياسة الفضاء الخارجي.

إن إضفاء الديمقراطية على استكشاف الفضاء يسير الآن على قدم وساق، إذ تعمل الدول النامية في آسيا وإفريقيا على تحسين قدراتها الفضائية من خلال الاتفاقيات الثنائية. الهند وباكستان وتركيا والدول التركية في آسيا الوسطى تستثمر في التقنيات المتعلقة بالفضاء بشكل ملحوظ، وتتعاون في مبادرات الفضاء بينها، بل وتبني محطات الإطلاق.

تعزّز إفريقيا حضورها في سباق الفضاء. إن تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية يُعتبر القوة الدافعة الرئيسية وراء مشاركة الدول الإفريقية في هذا الجهد. وفي الوقت الذي يقدّم فيه كل من الصين والولايات المتحدة يد المساعدة، تعمل الحكومات الإفريقية على تطوير قدراتها الفضائية الذاتية وتتجه نحو أن تصبح أقلّ اعتماداً على التكنولوجيا الأجنبية.

على سبيل المثال، شيّدَت مصر مصنعاً كاملاً لتصنيع وتركيب واختبار الأقمار الصناعية بمساعدة صينية، مما وضع الأساس لصناعة الطيران في البلاد. من جانبه، أطلق السودان بنجاح أول قمر صناعي لتجربة علمية، وتستعدّ الجزائر لإطلاق أول قمر صناعي تجاري لها. وسّعَت الصين أيضاً قدرة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية الخاص بها BeiDou من خلال إنشاء مركز لها خارجي في تونس، مما قد يشمل لاحقاً جنوب إفريقيا والجزائر.

كذلك كانت نيجيريا ورواندا أول دولتين إفريقيتين صدّقتا على اتفاقيات أرتميس (Artemis Accords). وكانت الحكومة الأمريكية توصلت إلى هذه الاتفاقية بدعم من 23 دولة أخرى لتعزيز الاستكشاف السلمي للفضاء. ساعدت شركة "سبيس إكس" (Space X) التجارية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، جنوب إفريقيا على إطلاق قمرها الصناعي باستخدام صاروخ "فالكون 9".

في 30 يناير/كانون الثاني 2023، أنشأت الدول الإفريقية وكالة الفضاء الإفريقية الخاصة بها لتعزيز استكشاف الفضاء في القارة. ستعمل المنظمة مركزاً للتعاون المستقبلي بين وكالات الفضاء الإفريقية. يُعتبر تنسيق وتنفيذ سياسة الفضاء الإفريقية من الواجبات الأساسية لوكالة الفضاء الجديدة المشار إليها.

أما الدول التركية في آسيا الوسطى التي تجمع بينها روابط عميقة، فإنها تعي تماماً أهمية استكشاف الفضاء لأنها كانت في السابق جزءاً من الاتحاد السوفييتي. ولتعزيز نمو الصناعة المتعلقة بالفضاء، تمتلك ثلاث دول هي أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان، وكالات فضاء خاصة بها وشركات فضائية مملوكة للقطاع الخاصّ. هذه الدول الثلاث وحدها تمتلك أحد عشر قمراً صناعياً عاملاً.

يُذكر أن كازاخستان هي الأكثر تقدماً تكنولوجياً في هذا المضمار. وقد نجحت في تطوير الأقمار الصناعية النانوية، وهي على استعداد لتقديم هذه الخدمة لبلدان أخرى. على سبيل المثال، تتعاون كازاخستان مع منغوليا وأوزبكستان لتطوير أسطول مداري من الأقمار الصناعية، كما أن كازاخستان تدعم بنشاطٍ التعاونَ الدولي في هذا المجال من أجل النهوض بتكنولوجيا الفضاء.

في الوقت نفسه تلعب تركيا دوراً نشطاً في هذا المجال بسبب تعاونها الفعال مع وكالات الفضاء الدولية لإطلاق أقمار صناعية خاصة بها وتطويرها. يرتبط أحدث نجاح لتركيا بالتقنيات الفضائية، بما في ذلك نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) التركي، والتحسينات في كاميرات الكمبيوتر، وأربعة مواقع لإطلاق الأقمار الصناعية، وأقمار "Gokturk 3" عالية الدقة.

كانت وكالة الفضاء التركية (TUA) وضعت خطة استراتيجية مدتها عشر سنوات تتضمن عشرة أهداف لدخول سباق الفضاء. وتشمل هذه الأهداف إرسال أول رائد فضاء تركي إلى الفضاء الخارجي، وإنشاء أول قمر صناعي للرصد، والوصول إلى القمر. الهدف الأكثر أهمية في الخطة هو إنشاء نظام تحديد المواقع والتوقيت الإقليمي.

وقد وقّعَت تركيا عديداً من الاتفاقيات الثنائية مع الدول النامية الأخرى. على سبيل المثال، وقّعَت لجنة أبحاث الفضاء والغلاف الجوي العلوي (SUPARCO) الباكستانية وصناعة الطيران التركية اتفاقية تعاون لتطوير مشاريع الأقمار الصناعية والفضاء.

وبالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم بشأن أنظمة الفضاء والأقمار الصناعية مع السلفادور، وقّعَت تركيا أول عقد تصدير للأقمار الصناعية مع شركة أرجنتينية، كما وقّع كل من تركيا والإمارات العربية المتحدة وثيقة حول الاستخدام السلمي للفضاء وعلوم الفضاء والتكنولوجيا وتطبيقاتها.

إلى جانب الشراكة مع الجهات الحكومية، تعاونت تركيا مع مؤسسات خاصة مثل SpaceX لإنتاج الصواريخ وغيرها من تقنيات استكشاف الفضاء. أطلقت SpaceX القمر الصناعي Turksat 5A عام 2021، كما أطلقت شركة SpaceX أول قمر صناعي تركي صغير الحجم، Grizu-263A، الذي أنشأه فريق الفضاء Grizu-263 التابع لجامعة بولنت أجاويد في مقاطعة زونغولداك، عام 2022، على صاروخ فالكون 9.

ومن أجل التدريب وتوفير خدمة الطيران للمسافرين الأتراك في الفضاء، وقّعَت الحكومة التركية اتفاقية مع شركة أكسيوم سبيس (Axiom Space)، وهي شركة لإنشاء البنية التحتية الفضائية التجارية مقرها الولايات المتحدة، تنفّذ رحلات خاصة إلى محطة الفضاء الدولية.

بالتوجه إلى جنوب آسيا، نرى أن رؤية الهند الفضاء تستند أساساً إلى التعاون. هدفهم الرئيسي هو التعاون مع الدول النامية لتستبدل بمحطة الفضاء الدولية شيئاً يشبهها. الهند لديها أكثر من 230 اتفاقية مع 60 دولة وخمس منظمات دولية، ويشمل ذلك كل المجالات من بناء الأقمار الصناعية إلى بناء قدرات الإطلاق.

في 26 يناير/كانون الثاني تعاونت الهند مع مصر في هذا المضمار، وقدمت فرصاً استراتيجية. تدمج الهند القطاع الخاص في قطاع الفضاء الحكومي لتحقيق أهدافها طويلة المدى، على غرار ما فعلته الصين والولايات المتحدة. سيؤدّي هذا إلى وضع الهند كسوق ناشئة للإنترنت عبر الأقمار الصناعية مع حافز عائدات سنوية محتمَلة بقيمة مليار دولار.

عندما يتعلق الأمر بقطاع الفضاء المزدهر في المنطقة، تعمل الهند على توسيع قدراتها في مجال الطيران لدعم نمو الدول الآسيوية. وقد أظهرت القدرة على استخدام تكنولوجيا Space 2.0 منخفضة التكلفة لبناء وإطلاق القمر الصناعي 104 CubeSats في مداره في مهمة واحدة، مما يشير إلى أن البلدان النامية يمكنها ذلك دون اعتماد على دعم الجهات الفاعلة الدولية في مجال الفضاء.

أما باكستان، التي أصبحت أول دولة مسلمة وجنوب آسيوية تدخل سباق الفضاء عام 1962، فتَوقَّف لديها النمو في هذا المجال بسبب نقص الأبحاث والتكنولوجيا والإرادة السياسية.

أما اليوم، فإن القدرة على تصنيع وإرسال الأقمار الصناعية المحلية إلى الفضاء يعتبر الهدف الأساسي لرؤية باكستان الفضائية لعام 2040. بين الصين وباكستان تعاون واضح بهذا الصدد، فالصين تحتاج إلى سوق لصناعاتها الفضائية، في حين تحتاج باكستان إلى التكنولوجيا الصينية لتأسيس هذا القطاع لديها.

بالإضافة إلى شراكاتها مع تركيا، لدى باكستان أيضاً شراكات مع تايلاند والإمارات العربية المتحدة لإنتاج الأقمار الصناعية وغيرها من التقنيات الفضائية. إحدى القضايا الرئيسية الحالية لباكستان هي نقص التمويل، ومع ذلك فإن التعاون في صناعة الفضاء مع الدول المذكورة أعلاه يمكن أن يكون مفيداً للغاية.

وكجزء من مبادرة الحزام والطريق، بدأت الصين بالفعل تقديم المساعدة الفنية لباكستان، إذ بدأ التحول من استخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) المملوك لأمريكا إلى BeiDou الصيني وإطلاق قمرين صناعيين في المدار باستخدام صواريخ Long March الصينية. بالإضافة إلى ذلك، بمساعدة الصين، فإن باكستان حريصة على إرسال رواد فضاء إلى الفضاء الخارجي. تشمل الجهود الصينية في سياق توسيع التعاون الفضائي مع باكستان بناء مركز فضاء وإطلاق أقمار صناعية باكستانية إضافية.

تهتمّ البُلدان النامية أكثر بالبيئات التعاونية لتوسيع قدراتها الفضائية المدنية والعسكرية. في المقابل تركز القوى العظمى الحالية على تطوير أسلحة مضادة للصواريخ الباليستية والردع الفضائي لحماية أصولها في الفضاء الخارجي.

تتغير طبيعة السياسة المتعلقة بالفضاء الخارجي أكثر نحو التعاون نتيجة هذا التحالف اللا واعي في قطاع الصناعات الفضائية. سيؤدي هذا في النهاية إلى تقليل اعتماد البلدان النامية على القدرات الفضائية الأمريكية، إذ تعمل الدول النامية على دفع عجلة الاقتصاد الفضائي العالمي في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأقمار الصناعية الصغيرة، وبناء محطات الفضاء، والتكنولوجيا ذات العلاقة.

علاوة على ذلك، ستحظى مسألة الحطام الفضائي وقانون الفضاء الدولي بدراسة متأنية لسد الثغرات في "معاهدة القمر" و"معاهدة الفضاء الخارجي" والاتفاقات الأخرى على المستوى الوطني.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً