صحفي الأناضول حلمي بالجي يصل لتركيا بعد إطلاق الشرطة المصرية سراحه (AA)
تابعنا

في سبتمبر/أيلول 2014 كان عبد الفتاح السيسي على موعد مع أول زيارة رسمية له إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتخابه رئيساً لمصر عقب الانقلاب العسكري، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حينها فوجئ بانتقادات عنيفة جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تعجب كيف يُسمح لمن قتل أكثر من خمسة آلاف مواطن من شعبه في يوم واحد، وانقلب على رئيس منتخب، أن يُلقي كلمة داخل مقر الأمم المتحدة، في إشارة إلى السيسي الذي لم ينتظر كثيراً للرد على الرئيس التركي فقال في اليوم التالي وسط حشد من الإعلاميين المصريين عندما سألوه كيف ستردّ على الرئيس التركي فقال عبارته الشهيرة: "لما أكبر هاضربكم".

السياسة الخارجية المصرية في التعامل مع تركيا منذ الانقلاب العسكري يوليو/تموز 2013 لخّصها السيسي في تلك العبارة، فهو يتعامل مع تركيا على أنها أكبر، وهو يحتاج إلى مزيد من الوقت كي يستطيع مواجهتها، بل وضربها إن أراد على حد وصفه.

ولكن اللافت أن تلك العبارة انعكست على المشهد المصري بجوانبه كافة عند التعامل مع تركيا في الفترة القليلة الماضية فثمة ما تَغيَّر فجأة لتشعر بأن السيسي قد أبلغ أذرعه الإعلامية ومؤسساته الأمنية بأنه كبر، وبات باستطاعته مواجهة تركيا. على سبيل المثال أعلن الإعلام المصري طوال الأسابيع الثلاثة الماضية حالة النفير العامّ، إذ بات يتحدث عن الغزو العثماني الجديد، وعن الخليفة أردوغان الذي يريد استعادة الأراضي التي حكمتها الخلافة العثمانية لقرون طويلة، والغزاة الذين جاؤوا ليحتلوا ليبيا ويهددوا أمن مصر القومي. وهناك من ذهب أبعد من ذلك، إذ دعا صحفي مصري مقرَّب من النظام الأمة العربية إلى مواجهة تركيا التي جاءت لتحتلّ ليبيا، وكتب قائلاً "المقاومة واجبة". 

في مصر تحت حكم السيسي واستمراراً لسياسة المكايدة الخارجية، تَحوَّل مكتب واحدة من أهم وكالات الأنباء العالمية وهي وكالة الأناضول، إلى ما أطلقت عليه وزارة الداخلية المصرية " خلية إخوانية" و"لجنة إعلامية تركية" تقوم بفبركة وبثّ الأخبار الكاذبة، ونشر الشائعات عن الدولة المصرية.

في الحقيقة لم أتعجب مما حدث للزملاء العاملين في مكتب وكالة الأناضول في القاهرة بعد اقتحامه واعتقالهم جميعاً ثم الإفراج عنهم بعد ذلك بعد عاصفة الغضب التركية والدولية التي انفجرت في وجه النظام المصري الذي لا يهتمّ كثيراً لا لحرية صحافة ولا لاحترام لحقوق الإنسان. ولكن ما أثار انتباهي هو بيان هيئة الاستعلامات المصرية، وهي أعلى هيئة إعلامية في مصر، حول واقعة اقتحام مكتب الأناضول، إذ قالت إن "وكالة الأناضول تم إغلاق مكتبها بشكل رسمي في التاسع والعشرين من شهر أغسطس/آب عام 2013 وذلك لأسباب تتعلق بأداء العاملين فيها بعد تظاهرات 30 يونيو".

ولكن الغريب أن موقع صوت الأمة المقرَّب من النظام المصري كتب أن مكتب وكالة الأناضول قد تم إغلاقه بشكل رسمي في عام 2016. وهنا أتساءل لماذا لم يدقّق ضابط المخابرات الحربية المسؤول عمَّا يُنشر في وسائل الإعلام المصرية في ما تنشره الصحف المصرية تعليقاً على إغلاق مكتب الأناضول في القاهرة؟!

"رمتني بدائها وانسلت"، هذا أول تعليق جال بخاطري وأنا أقرأ بيان وزارة الخارجية المصرية تعليقاً على الغضب الرسمي التركي للجريمة التي حدثت بحقّ الزملاء العاملين في مكتب وكالة الأناضول في القاهرة.

فالمتحدث باسم الخارجية المصرية حاول أن يُحرِج تركيا عندما أشار إلى تراجعها في تصنيف مؤشّر الصحافة ووجودها في المرتبة 157 من أصل 180 دولة، ليجد نفسه قد وقع وأوقع نظامه في حرج شديد، لأن مصر تحت حكم السيسي قد احتلّت مرتبة متأخرة عن تركيا في نفس التصنيف وجاءت في المرتبة 163.

بنفس الطريقة حاول الإعلام المصري أن يهاجم وكالة الأناضول متهِماً إياهاً بأنها تعمل لصالح الرئيس أردوغان ومهمّتها هي تجميل صورته داخلياً وخارجياً. ويا للعجب! فلقد كنت شاهداً بشكل شخصي في أثناء إذاعتي تسريبات صوتية من داخل مكتب السيسي عندما كان وزيراً للدفاع أن هذا الإعلام المصري يديره اللواء عباس كامل مدير جهاز المخابرات العامة المصرية، ومدير مكتب السيسي سابقاً، ويملي على الأذرع الإعلامية كما أسماها السيسي ما يجب أن يُقال يوميّاً في البرامج، وما يُكتب في الصحف، وما يتم تسجيله في الإذاعات المختلفة.

قالوا إن وكالة الأناضول التركية تفبرك أخباراً كاذبة وتهاجم الدولة المصرية. ولكن نفس الوكالة التي هاجموها في مصر نشرت في عام 2018 تصريحات على لسان القائم بالأعمال التركي في القاهرة مصطفى كمال الدين أريغور يتحدث فيه عن ارتفاع معدَّلات التبادل التجاري بين مصر وتركيا إلى 5.24 مليار دولار، فأين كان هؤلاء؟ ومتى سيتعامل النظام المصري مع نظيره التركي بسياسة خارجية حقيقية تبتعد عن المكايدة وتقترب من تعزيز وحماية المصالح المشتركة للشعوب الشقيقة؟ لننتظر ونرَ. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً