تابعنا
بعد مضي سنتين على إطلاق المؤتمر، وقد استقر بنيانه، ونضجت إلى حدّ كبير تصوراته ومساراته؛ فإن العمل الرتيب لم يعد كافياً، حتى لا يتسرب الإحباط والضعف في نفوس المشاركين. فقد آن الأوان لانطلاقة قوية ممنهجة.

تمر هذه الأيام ذكرى مرور عامين على إطلاق المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الذي شارك في تأسيسه نحو ستة آلاف فلسطيني، جاؤوا من مختلف بقاع العالم إلى إسطنبول، حيث اجتمعوا في 25 فبراير/شباط 2017؛ مؤكدين على الارتباط المقدس لنحو ستة ملايين ونصف مليون فلسطيني بفلسطين، ومعبرين عن تطلعات الشعب الفلسطيني في الخارج إلى تحرير فلسطين من نهرها إلى بحرها، وإلى عودة اللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم التي أُخرجوا منها.

أعتقد، وقد مضى عامان على المؤتمر، واستقر بنيانه، ونضجت إلى حدّ كبير تصوراته ومساراته؛ أن العمل الرتيب لم يعد كافياً، حتى لا يتسرب الإحباط والضعف في نفوس المشاركين. وآن الأوان لانطلاقة قوية ممنهجة، تتعامل بواقعية مع الحقائق على الأرض، ولكن لديها من الإرادة والطموح، والقدرة على المبادرة، وتحمل الأعباء ودفع التكاليف، بما يكفي لتجاوز العقبات، وتحقيق نتائج ملموسة، تكون حافزاً للكفاءات والخبرات والطاقات المذخورة في الشعب الفلسطيني للانضمام للمسيرة ودعمها. كما لا بدّ من طمأنة المتشككين والمترددين قولاً وعملاً، بأن هذا الإطار ذو أجندة وطنية خالصة، ومفتوح للجميع ومنفتح على الجميع، وليس بديلاً عن أحد، ولكنه إطار جامع لإطلاق طاقات الشعب الفلسطيني في الخارج والمحافظة على ثوابته.

أعتقد أن المؤتمر قد نجح في تجاوز العقدة التي صاحبت العديد من المبادرات المشابهة السابقة والتي كانت تتبخر أو تذوي بُعيد قيامها بقليل.

محسن صالح

فقد سعى القائمون على المؤتمر منذ البداية لإنشائه كهيئة شعبية مدنية مستقلة، غير حزبية، تقوم بتحشيد مختلف قوى وشرائح الشعب الفلسطيني واستيعابها وتأطيرها، لكي تطلق طاقاتهم بشكل منظم فعال في كافة جوانب العمل الشعبي، وبما يسهم في إيجاد بيئة صحية ناضجة تشارك في مجالات العمل الوطني، وصناعة القرار الفلسطيني، وتدعم صمود الشعب الفلسطيني في الداخل. وقد أجمع المشاركون حينها على ضرورة إنشاء هذا المؤتمر في ظلّ تراجع منظمة التحرير الفلسطينية وتدهورها وتعطّل مؤسساتها في الخارج، وغيابها طوال 25 عاماً عن فلسطينيي الخارج وهمومهم، وعدم تجديدها لِبُنَاها التشريعية والقيادية، وهيمنة فصيل واحد عليها، مع غياب قوى فاعلة وذات حضور شعبي واسع أو تغييبها عن العمل والمشاركة في أطرها.

كما لاحظوا من ناحية ثانية، حالة الضعف والانزواء التي تشهدها الاتحادات والنقابات الفلسطينية في الخارج وفشلها في تمثيل أبناء شعبها وتفعيلهم في مجال عملهم واختصاصهم.

ومن ناحية ثالثة، نبهوا إلى خطورة المرحلة وما يحاك ضد قضية فلسطين، ومحاولة طي ملفها، وتضييع حقوق الشعب الفلسطيني والعبث بثوابته، وعلى رأسها حقه في تحرير كامل أرضه ومقدساته، وفي سيادته عليها، وحقه في العودة.

ولذلك، كان ثمة إدراك عميق بضرورة استعادة فلسطينيي الخارج لدورهم الأساس في المشروع الوطني الفلسطيني. ولم يكن ذلك جديداً ولا غريباً عن دورهم الرائد منذ نكبة 1948 وكارثة 1967. فعلى أيديهم كان إنشاء الفصائل الفلسطينية الرئيسة وقيادتها، وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، وقيادة المقاومة والعمل العسكري المقاوم؛ وبشكل عام، فإنهم قادوا المشروع الوطني الفلسطيني منذ 1948 وحتى اتفاقات أوسلو 1993.

مع أن المؤتمر أخذ يثبت نفسه كرقم صعب في أوساط فلسطينيي الخارج فإن الظاهر أن ما تمّ إنجازه كان أقل من طموحات الكثيرين ممن شاركوا في إطلاق المؤتمر.

محسن صالح

نجاحات.. ولكن:

أعتقد أن المؤتمر -وعلى الرغم من الصعوبات والعوائق وشحّ الإمكانات- قد نجح في تجاوز العقدة التي صاحبت العديد من المبادرات المشابهة السابقة، والتي كانت تتبخر أو تذوي بُعيد قيامها بقليل؛ فتمكن المؤتمر من تشكيل هيئاته القيادية، ومن اعتماد نظامه الأساسي، ومن إعداد رؤيته وخطته الإستراتيجية لسنوات عشر قادمة، ومن تشكيل العديد من لجانه التي بدأت عملها على الأرض، ومن تنفيذ العديد من الفعاليات في لبنان وتركيا وقطر والأردن وغيرها. كما عقدت أمانته العامة نحو عشرة اجتماعات على مدى السنتين للمتابعة التنفيذية للبرامج والتصورات، ونمت بشكل عام أجواء إيجابية وصريحة وقاعدة فهم وعمل مشترك بين أعضائه، على اختلاف خلفياتهم السياسية والإيديولوجية.

ومع أن المؤتمر أخذ يثبت نفسه كرقم صعب في أوساط فلسطينيي الخارج، فإن الظاهر أن ما تمّ إنجازه كان أقل من طموحات الكثيرين ممن شاركوا في إطلاق المؤتمر. فعلى سبيل المثال، ما زالت العضوية في المؤتمر متواضعة، قياساً بأعداد الفلسطينيين في الخارج، وما زال نموها ضئيلاً، ومازال المؤتمر يُمثل حالة نخبوية، لم يتفاعل معها الجمهور الفلسطيني في الخارج بالشكل المطلوب، كما لم ينجح حتى الآن في توفير التمويل والإمكانات الذاتية، التي تمكنه من تنفيذ برامجه على الأرض.

صعوبات ومعوقات:

وككل المشاريع الكبيرة التي تواجهها العقبات والصعوبات، فإن هناك -في رأيي- أسباباً ذاتية وأخرى موضوعية تجعل المنجز دون طموح القائمين على المشروع.

ومن الأسباب الذاتية أن هذا المشروع قد شاركت فيه شخصيات بخلفيات سياسية شتى، وجاؤوا من بيئات جغرافية متنوعة، ولديهم درجات متفاوتة من الرؤى والطموح، ودرجات متفاوتة من الاستعداد للعمل، ولديهم وجهات نظر متنوعة حول أولويات المرحلة وطرق الوصول إلى الأهداف.وقد انعكس ذلك على عملية بناء التصورات والخطط والمسارات، التي احتاجت إلى وقت غير قصير من النقاش في أروقة الأمانة العامة والهيئة العامة للمؤتمر.

ولعل حاجة المؤتمر، من ناحية ثانية، إلى مزيد من الرموز والشخصيات الفاعلة في أوساط الجاليات الفلسطينية تضاف إلى العوامل الذاتية. كما أن ضعف الإمكانات المالية وقلة المتفرغين لهذا العمل، تضاف إلى العوامل المعوِّقة لقدرة المؤتمر على الانطلاق والتوسع السريع.

تقف قيادة منظمة التحرير وهي قيادة السلطة وحركة فتح ضدّ المؤتمر وتعمل جاهدة على تعطيله وإفشاله.

محسن صالح

أما العوامل الموضوعية فلها تأثير كبير في عملية التعويق. ولعل أولها أن أعضاء المؤتمر منتشرون في الخارج في أرجاء الكرة الأرضية، من أستراليا إلى الأمريكتين الجنوبية والشمالية. وعلى الرغم من توفر وسائل التواصل عبر الإنترنت، فإن الكثير من القضايا التي تحتاج إلى نقاش معمق خصوصاً في مرحلة التأسيس، تستدعي الحضور والاجتماع، وهو أمر يستهلك المال والجهد، ولا يمكن أن يتم إلا بضع مرات في السنة، وعلى مستوى الأمانة العامة.

من ناحية ثانية، تقف قيادة منظمة التحرير (التي هي قيادة السلطة وحركة فتح) ضدّ المؤتمر، وتعمل جاهدة على تعطيله وإفشاله؛ بدل أن تجد فيه رافعة للمشروع الوطني، وأداة لتفعيل فلسطينيي الخارج، وللحفاظ على الثوابت. وعوضاً عن ذلك، ترى فيه خروجاً عن شرعيتها، وإحراجاً لها وللمسارات التي اختطتها، ودعماً للقوى السياسية المنافسة لها، وخصوصاً التيارات الداعمة للمقاومة.

وعلى الرغم من أن أداء قيادة المنظمة البئيس في الخارج تسبب في فراغ هائل، وفي مخاطر مستقبلية كبرى على فلسطينيي الخارج؛ فإن هذه القيادة لا تريد أن تعمل، ولا يبدو أنها تريد لغيرها أن يعمل. ولذلك حاربته في إعلامها، وتواصلت مع العديد من الدول محذرة من المؤتمر وأنشطته، متهمة إياه بأنه يسعى لتشكيل بديل منها؛ مع أن المؤتمر أكد في كل أدبياته أنه ليس بديلاً من المنظمة، ولا يسعى لأن يكون كذلك.

أخيراً، فإن البيئة العربية الرسمية، وحيث يتواجد الثقل الشعبي الفلسطيني، هي بيئة ذات سقف سياسي منخفض وذات حريات منخفضة؛ وهي في الوقت نفسه بيئة تتعامل إما بخصومة أو بحذر مع التيارات المؤيدة للمقاومة؛ وهي بيئة متساوقة مع مسارات التسوية السلمية، ولا ترغب في إغضاب قيادة فتح والمنظمة، كما لا ترغب في إغضاب الأمريكان. وبالتالي؛ فإن سقف عمل المؤتمر الشعبي يظل محدوداً في هذه البيئة، التي يعيش فيها أكثر من 80% من فلسطينيي الخارج. مع ذلك، فإن هناك مجالات لعمل معقول، وإن بدرجات متفاوتة، في عدد من البلدان العربية كلبنان وقطر والكويت والأردن وفي بلدان إسلامية كتركيا وماليزيا، وفي معظم بلدان العالم الغربي.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً