تابعنا
إن قانون الطوارئ في مصر حالة سياسية مرتبطة عضويا بالنظام الحاكم، وليست مجرد حالة قانونية، فالنظام الحالي قائم ومرتكز على الإقصاء وإطلاق يد العنف والحصار وتكميم الأفواه حتى من خلال ما يُسمى بالقانون العادي.

من المفترض أن حالة الطوارئ في مصر، حسب التمديد الأخير، قد انتهت في الرابع عشر من الشهر الجاري. انتهت المهلة ولم يصدر عن الجهات الرسمية أي معلومات عن إبقاء قانون الطوارئ أو رفعه.

ولا تعني رفع حالة الطوارئ -في حال تم رفعها فعلاً وعدم التحايل لفرضها مرة أخرى- عودة مناخ الحرية، وإلغاء التنصت والحبس والاعتقال بلا أدلة، وعودة حرية الصحافة وحرية تداول المعلومات وإلغاء المحاكم الخاصة والاستثنائية، لكنها تعني استمرار العمل بترسانة قوانين كثيرة أخرى مقيدة للحريات ومطلقة يد السلطة في القمع والترهيب والتخويف بدون مسمى حالة الطوارئ، مثل قانون التظاهر الذي يعطي وزارة الداخلية سلطة حظر أي احتجاج أو اعتصام ويسمح بتفريق المتظاهرين بالقوة ومعاقبتهم بالسجن وغرامة قد تصل إلى ٣٠٠ ألف جنيه مصري.

يمكن للنظام الاستمرار من غير قانون الطوارئ من خلال ترسانة من القوانين العادية التي من شأنها أن تقيد الحريات وتطلق يد السلطة في القمع والترهيب والتخويف.

ياسر فتحي

ومن هذه القوانين السالبة للحريات أيضاً التعديل الذي جرى على قانون الحبس الاحتياطي والذي يقضي بعدم تقييد مدة محددة للحبس الاحتياطي في بعض القضايا، وأيضاً قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر في أغسطس ٢٠١٥ والذي يسمح بإنشاء محاكم متخصصة للنظر في جرائم الإرهاب، وتصل العقوبة إلى الإعدام، كذلك فيما يتعلق بالصحافة والإعلام حيث تم السماح بفرض غرامة مالية كبيرة على كل من ينشر أخباراً أو بيانات تخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، مع السماح بمراقبة كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف أو أكثر.

وهذا يعني بالضرورة أن الطوارئ حالة سياسية مرتبطة عضوياً بالنظام الحالي، وليست مجرد حالة قانونية، فالنظام الحالي قائم ومرتكز على الإقصاء وإطلاق يد العنف والحصار وتكميم الأفواه حتى من خلال ما يُسمى بالقانون العادي، الذي يعطي النظام وسلطته التنفيذية حصانة أن يفعل ما يشاء كيف يشاء، وتعطيه شرعية -زائفة- أن ما يقوم به من انتهاكات هو شرعي وقانوني.

وقصة حالة الطوارئ مع النظام الحالي تبدأ عندما أقدم نظام السيسي وبعد عزله للرئيس المنتخب وفض اعتصام رابعة بالقوة على فرض حالة الطوارئ في البلاد لشهر واحد ثم تمديدها لتصل إلى ثلاثة شهور، ثم فرضت جزئياً بعد ذلك (في مناطق في شمال سيناء) وتم تمديدها أو إعادة فرضها منذ الرابع والعشرين من أكتوبر عام ٢٠١٤ إلى أبريل عام ٢٠١٧، ليعلن السيسي في العاشر من أبريل عام ٢٠١٧ فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر.

إلا أن الدستور الذي أقره نظام السيسي عام ٢٠١٤ وضع قيداً يمنع تمديد حالة الطوارئ لأكثر من مدتين (٦ أشهر) إلا باستفتاء شعبي، لذا قام عبد الفتاح السيسي بعد انتهاء الحد الأقصى للتمديد بالانتظار يومين بدون طوارئ ليصدر بعد ذلك قراراً جديداً في الثالث عشر من أكتوبر عام ٢٠١٧ بفرض حالة طوارئ جديدة ليبدأ حساب الستة أشهر مرة أخرى من جديد، وهكذا تجنب السيسي فكرة الاستفتاء الشعبي، وأعاد في أبريل الماضي فرض حالة الطوارئ وقام بتمديدها للحد الأقصى والتي كان ينبغي أن تنتهي في الرابع عشر من أكتوبر ٢٠١٨.

إن الدستور الذي أقره نظام السيسي عام ٢٠١٤ قد وضع قيداً يمنع تمديد حالة الطوارئ لأكثر من مدتين إلا باستفتاء شعبي

ياسر فتحي

وتعني حالة الطوارئ توسيع صلاحيات الجيش والشرطة في فرض الإجراءات التأمينية والتفتيش، وإخلاء مناطق وفرض حظر تجول في مناطق أخرى، وفرض الحراسة القضائية، كما تسمح حالة الطوارئ بالمحاكمات أمام "محكمة أمن الدولة طوارئ" والتي لا يمكن الطعن في أحكامها، وتسمح لرئيس البلاد بإصدار أوامر (كتابية أو شفاهية) بمراقبة الرسائل أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم ووسائل التعبير والدعاية والإعلان، قبل نشرها وضبطها ومصادرتها، وإغلاق أماكن طباعتها، وحظر التجول في بعض المناطق.

الشعب المصري يعيش تحت نظام قمعي بوليسي، ورفع حالة الطوارئ لا يغير من هذه الحقيقة شيئاً

ياسر فتحي

ويستن النظام السيسي بغيره من الأنظمة القمعية التي توالت على حكم مصر، فمنذ عام ١٩٥٨ وغالب حياة المصريين تحت حكم الطوارئ، وفي الفترات القليلة التي كانت تتوقف فيها حالة الطوارئ كان الرؤساء يُقدمون على قوانين تحقق لهم حالة الطوارئ بدون إعلانها لتستمر الطوارئ كحالة سياسية حتى لو لم تعلن حالة الطوارئ في البلاد، مثل ما حدث عام ١٩٦٤ حيث ألغيت حالة الطوارئ قام الرئيس جمال عبد الناصر بفرض قانون يعطيه بعضاً من صلاحيات الطوارئ تحت مسمى "قانون تدابير أمن الدولة"، وكذلك ما تم في عهد الرئيس أنور السادات من إصدار" قانون حماية الجبهة الداخلية" بعد إلغاء الطوارئ في عام ١٩٨٠، وما قام به مبارك من فرض قوانين التظاهر ومكافحة الإرهاب وغيرها.

والخلاصة أن الشعب المصري يعيش تحت نظام قمعي بوليسي، ورفع حالة الطوارئ لا يغير من هذه الحقيقة شيئاً؛ إذ تبقى السلطات قادرة على الحبس والاعتقال لفترات غير محددة، والعقوبة المغلظة التي تصل إلى الإعدام بلا ضمانات للعدالة، وكذلك يمكنها التنصت على أي مواطن للاشتباه في تهديده لأمن البلاد ربما بكلمة أو إشارة أو إيماءة أو حتى جملة على مدونته الشخصية وحسابه على مواقع التواصل الاجتماعي.

إذن يمكننا القول إن حالة الطوارئ في مصر هي حالة سياسية بالأساس مرتبطة بالنظام السياسي وليست حالة قانونية، وطالما استمر النظام الحالي -سواء أعاد فرض حالة الطوارئ أو تم رفعها- فستبقى ترسانة القوانين المقيدة للحريات والمطلقة ليد السلطة في القمع والتنصت والمعاقبة والاعتقال وإنشاء دوائر خاصة كمحاكم استثنائية تحقق غرض السلطة في ترسيخ سلطتها بالخوف والترهيب والعصا الغليظة بلا رادع، وهو ما يفرض سؤالاً: إلى متى يمكن لهذه الحالة البوليسية أن تحمي النظام الحالي في مصر؟

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.
TRT عربي
الأكثر تداولاً