تابعنا
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة استمرار الحرب والأزمات التي خلّفتها في الأحياء والمدن كافة، تنشط التكايا الخيرية خلال شهر رمضان في قطاع غزة لسد جوع المحتاجين، لا سيما أن الحرب أدت إلى تعطيل معظم الأعمال وفقدان مئات الآلاف من الفلسطينيين وظائفهم.

مع تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة استمرار الحرب والأزمات التي خلّفتها في الأحياء والمدن كافة، تنشط التكايا الخيرية خلال شهر رمضان في قطاع غزة لسد جوع المحتاجين، لا سيما أن الحرب أدت إلى تعطيل معظم الأعمال وفقدان مئات الآلاف من الفلسطينيين وظائفهم، وبات النازحون يعتمدون بشكل أساسي على المطابخ الخيرية، لإطعام أطفالهم وعائلاتهم.

قُبيل الإفطار، في حي الزهور بمدينة رفح جنوبي القطاع، تُسابق الوقت مجموعةٌ من الشباب لطهي الوجبات الغذائية الساخنة للفقراء والمحتاجين على نار الحطب، إذ يُعدّون الأرز مع القليل من الخضار من المعلبات، مستخدمين 5 قدور كبيرة.

مبادرة شبابية

يقول أحمد إبراهيم، أحد القائمين على المبادرة الخيرية، إن المطبخ الخيري يعتمد على الجهود الشبابية من سكان الحي الذي يقام فيه مخيم لإيواء النازحين من شمال ووسط قطاع غزة، إذ يجمعون المال بعضهم من بعض لشراء المواد الغذائية التي بالكاد تتوافر داخل الأسواق والمحال التجارية، نظراً لتحكم الاحتلال الإسرائيلي في أعداد الشاحنات المحمَّلة بالمواد الغذائية، سواء تلك التابعة للمنظمات الخاصة أو المساعدات المقدَّمة من الدول العربية والأجنبية لإغاثة الفلسطينيين.

ويضيف أحمد لـTRT عربي: "نبدأ بالتجهيز والعمل على إعداد الطعام حسب الأنواع التي تتوافر عند الساعة الثالثة عصراً حتى الساعة الخامسة قُبيل أذان المغرب، على أن تبدأ بعد ذلك عملية توزيع الوجبات على النساء والأطفال الذين يَقدمون إلى التكية للحصول على الطعام، كما أنها تُوزع على الخيام للذين لا يستطيعون القدوم إلى مكان المطبخ".

طفلتان تحملان طعاماً من التكية الرمضانية الموجودة في حي الزهور بمدينة رفح لتحضراه إلى خيمة أسرتهما (TRT Arabi)

ومع الإقبال الكبير على التكية، يحرص القائمون عليها على التنويع بين الوجبات؛ يوماً يُعدون الأرز مع الخضار المعلب، وفي آخر يُعدّون الطبيخ، ويحرصون على إيصال الوجبات وتوزيعها على النازحين ساخة ونظيفة.

شعور أهالي الحي (الزهور) بالمسؤولية المجتمعية دفعتهم إلى إنشاء هذه المبادرة لمساندة النازحين الذين هربوا من قصف الاحتلال الإسرائيلي وأُجبروا على ترك بيوتهم قسراً، خصوصاً أن جلّ العائلات أصبحت فقيرة بسبب سوء ظروفهم الاقتصادية، فالخطوة بدأت مع تشييد المخيم في الحي، وامتدت على طول شهر رمضان، ولا تقتصر فقط على تقديم وجبات الإفطار وإنما أيضاً السحور.

تعاني الأسواق والمحال التجارية نقصاً في المواد الغذائية، ونتيجة لندرتها أصبحت أسعارها مرتفعة جداً، لذا فعملية البحث عن هذه المواد صعبة في القطاع المحاصَر، إذ يستيقظ القائمون على المبادرة من ساعات الصباح الأولى، متوجهين إلى السوق باكراً، لشراء ما يلزم للتكية الخيرية، وقد يحالفهم الحظ أحياناً بشراء كل مكونات الوجبة التي يودّون إعدادها، ومرات كثيرة لا يجدونها، وتقتصر عملية الطهي على ما توفَّر.

طوابير طويلة

يصطفّ العشرات من الأطفال والنساء أمام بوابة المطبخ حاملين أطباقهم الصغيرة قبل أن يباشر القائمون على التوزيع بساعتين عملهم، آملين في الحصول على وجبة طعام صغيرة قُبيل الإفطار.

يقول الطفل طه عاشور (12 عاماً)، نازح من حي الزيتون شرقي غزة إلى جنوب القطاع، إن عائلته تعتمد بشكل كامل على هذه الوجبة، مع فقدان والده عمله الرئيسي نتيجة الحرب، وعدم قدرتهم على توفير المواد الغذائية وتكلفة طبخها خصوصاً في ظل غياب غاز الطهي، وهو ما يدفع الفلسطينيين إلى شراء الحطب والأخشاب بمبالغ كبيرة.

ويضيف الطفل طه لـTRT عربي أن التكية تنوِّع في الأكلات خلال الأسبوع، إذ يأخذ نصيبه من الأرز من هذه التكية، ويحصل على الطبيخ من تكية أخرى بعيدة مسافة كيلومتر عن المخيم، ويضطر إلى المشي من أجل الحصول عليه، لإطعام عائلته المكونة من ستة أفراد.

إلى جوار الطفل، تقف السيدة سوسن أبو نحل التي تضطر إلى التوجه إلى التكية قبل ساعتين من عملية التوزيع، حتى تضمن أن تحصل على وجبة للإفطار لأطفالها بسبب فقدان زوجها عمله، وعدم توفير أي فرصة خلال الحرب، كما أنها لا تستطيع شراء الخضراوات المتوفرة بالسوق والمواد الغذائية بسبب ارتفاع أسعارها بشكل كبير لا يقدر عليه النازحون.

تسترجع سوسن ذكريات الرمضانات السابقة، في أثناء حديثها مع TRT عربي، وتقول إنها اعتادت تحضير مائدة كبيرة عليها ألذّ الأكلات والوجبات خلال شهر رمضان في منزلها، لكنّ الحرب حرمتها حتى من أقل القليل من الطعام والشراب كما حرمت زوجها من عمله، وباتت اليوم تقف في طوابير طويلة من أجل الحصول على وجبة إفطار لأطفالها الأربعة.

يصطفّ العشرات من الأطفال والنساء أمام بوابة المطبخ حاملين أطباقهم الصغيرة، آملين في الحصول على وجبة طعام صغيرة قُبيل الإفطار. (TRT Arabi)

أسوأ أزمة غذائية في غزة

ليست هذه التكية فحسب الموجودة في قطاع غزة، وإنما تنتشر التكايا في كثير من المناطق، خصوصاً مناطق النزوح مثل مدينة رفح. تنقَّل مراسل TRT عربي بين أكثر من واحدة، ورصد حجم الإقبال الكبير عليها من النازحين.

يقول الشاب مصطفى عبد الغني، الذي يقف في طابور على تكية توزع طبيخ البازلاء على النازحين، إنه يضطر إلى المشي مسافات من المدرسة التي نزح إليها للوصول إلى مكان التكية وسط المدينة، ويشعر بالخجل عندما يأتي إلى نقطة التوزيع، لأنه غير معتاد على الحصول على الطعام بشكل مجاني.

ويؤكد أنه مجبَر على هذه الخطوة، لأن جيش الاحتلال الإسرائيلي سرق أموالهم عبر الحاجز الذي مرّوا من خلاله من خان يونس، جنوبي القطاع، ولم يبقَ معهم أي أموال، ولا يتوفر عمل، لذلك التكية هي ملاذهم الوحيد.

وفي تقرير صدر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تقول المديرة الإقليمية للبرنامج لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا الشرقية، كورين فلايشر: "ندخل شهر رمضان فيما يعيش قطاع غزة أسوأ أزمة غذائية في تاريخه الحديث. في الوقت نفسه، في بلدان أخرى بالمنطقة، حوّلت الصراعات الطويلة والأزمات الاقتصادية شعيرة الصيام الأساسية في هذا الشهر، إلى واقع يومي قاسٍ لملايين الناس".

يقول الطفل طه عاشور، نازح من حي الزيتون شرقي غزة إلى جنوب القطاع، إن عائلته تعتمد بشكل كامل على هذه الوجبة، مع فقدان والده عمله الرئيسي نتيجة الحرب، وعدم قدرتهم على توفير المواد الغذائية (TRT Arabi)

وتوضح فلايشر أنه بعد مرور نحو 6 أشهر على أزمة غزة، أصبح الآن سكان القطاع المحاصَر بالكامل في حاجة ماسّة إلى المساعدات الغذائية، إذ يواجه أكثر من نصف مليون شخص مستويات كارثية من الجوع (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) فيما يزداد خطر المجاعة يوماً بعد يوم.

TRT عربي