تزامناً مع الضعف والتفكك الذي ضرب بنية الدولة العثمانية اعتباراً من منتصف القرن التاسع عشر، بدأ عصر النهضة الصناعية الذي صعد بالدول والممالك الأوروبية وحولها إلى قوى استعمارية فتاكة تزاحم الدولة العثمانية على ممتلكاتها. وبينما كانت حصة الاستعمار الكبرى منقسمة بين كل من بريطانيا وفرنسا، أرادت إيطاليا أن تدخل ركب الاستعمار حالها حال الدول الأخرى، ولهذا وقع اختيارها على ليبيا التي لم تكن محتلة بعد، حيث السواحل المقابلة والقريبة من سواحلها.
وعلى الرغم من المشاكل الداخلية التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية بجانب بُعد ليبيا عن مركز الحكم في إسطنبول، إلا أن الحكومة كلفت كلاً من أنور باشا ومصطفى كمال أتاتورك بقيادة الجيش العثماني والمقاومة العربية الليبية للتصدي للهجوم الإيطالي واستعادة طبرق التي سقطت في أكتوبر/تشرين الأول 1911.
وشهد يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 1911 تنفيذ قوات أتاتورك المكونة من مقاتلين أتراك وليبيين غارة على القوات الإيطالية المتمركزة غرب طبرق، نتج عنها مقتل 42 جندياً إيطالياً واستشهاد 6 مقاومين. وتكريماً لذكرى هذه الغارة التي نفذها الأتراك يداً بيد مع المقاومين العرب، دشت تركيا العام الماضي غواصتها الوطنية.
الأسباب التي دفعت إيطاليا لاحتلال ليبيا
وقعت أنظار الإيطاليين على ليبيا لأسباب عديدة؛ أولها وأهمها أن بقية البلدان على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط كانت محتلة بالفعل، وثانيها قرب الأراضي الليبية من السواحل الإيطالية، وثالثهما كثرة الخيرات والموارد الطبيعية الموجودة في ليبيا وتحتاج إليها إيطاليا من أجل تغذية عجلتها الصناعية.
وبجانب الأسباب التي ذكرناها آنفاً، كان بُعد الدولة العثمانية عن الأراضي الليبية، بالإضافة لكثرة المشاكل الداخلية والصراعات التي كانت مشتعلة على عدة، من أهم الدوافع التي شجعت إيطاليا للاستعداد والتحضير من أجل غزو ليبيا.
وحسب المصادر التاريخية، بدأت إيطاليا خطتها لاحتلال ليبيا منذ بداية القرن العشرين، وذلك من خلال أخذ موافقة الدول العظمى في تلك الفترة، ففي عام 1902 وقعت اتفاقية مع فرنسا تنص على أن فرنسا بإمكانها احتلال مراكش، مقابل احتلال إيطاليا ليبيا. كما اتفقت كذلك مع بريطانيا وروسيا، نظير ألا تعارض تحكمهم بالمضائق العثمانية.
احتلال طبرق
في 2 أكتوبر/تشرين الأول 1911، وبمساعدة من فرنسا وبريطانيا، توجّهت السفن الحربية الإيطالية نحو ميناء طبرق مُشهرة أسلحتها ومدافعها بوجه المدينة، وبدأت بإنزال جنودها.
على إثر ذلك، وزع الضباط العثمانيون في طبرق الأسلحة الموجودة في الثكنات على الأهالي وأرسلوا أهل البلدة وجنودهم إلى الأسوار القديمة خارج المدينة، ولم يقبلوا الاستسلام.
وفي صباح 3 أكتوبر /تشرين الأول، وبينما عادت وحدة عثمانية صغيرة مؤلفة من 30 جندياً إلى البلدة حاملة المؤن إلى الثكنات، بدأت المدفعية الإيطالية بالقصف الذي استمر لـ4 ساعات، الأمر الذي تسبب في انسحاب الوحدة العثمانية، وهبوط 400 بحار إيطالي، ليعلنوا بذلك احتلال طبرق.
في البداية استخدمت القوات الإيطالية الميناء كقاعدة عسكرية لدعم قواتها البحرية، وشرعت ببناء التحصينات حول المدينة التي شهدت هجمات كر وفر من قبل الحامية العثمانية والقبائل العربية رغم قلة عددهم وعدتهم.
بزوغ نجم أتاتورك
عقب احتلال طبرق، أرسلت الحكومة العثمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 1911 كلاً من أنور باشا ومصطفى كمال (أتاتورك لاحقاً) الذي كان قد أخذ رتبة رائد منذ فترة قريبة، إلى ليبيا من أجل تنظيم صفوف الجنود والمقاتلين استعداداً لتحرير ليبيا.
وما أن وصلت أول قافلة أسلحة للعثمانيين في 19 ديسمبر/كانون الأول 1911، حتى بدأ مصطفى كمال ورفاقه بالتخطيط لغارة طبرق، رغم قلة عددهم وقِدم أسلحتهم أمام الإيطاليين، الذين كانوا قد استخدموا الطائرات كسلاح عسكري لأول مرة في التاريخ.
ومع ذلك بزغ نجم الشاب مصطفى كمال (أتاتورك لاحقاً) قائد كتيبة درنة، بعد أن تمكن بشن غارته على طبرق في 22 ديسمبر/كانون الأول 1911، حيث قاد كتيبته التي تحتوي على 200 جندي ومتطوع فقط، إلى الانتصار على 2000 جندي إيطالي، وتسبب بمقتل 42 جندياً إيطالياً مقابل تقديم 6 شهداء فقط. يُذكر أيضاً أن مصطفى كمال قد أصيب بهذه الغارة، وعاد بعدها ليتلقى العلاج في درنة.