تابعنا
خلّد الشعب الفلسطيني السبت ذكرى يوم الأرض، بفاعليات واسعة تجتاح جُلّ أقطار العالم، فيما تكتسي الذكرى في هذا العام طابعاً خاصاً، إذ تأتي تزامناً مع حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال في قطاع غزة، وانتهاكاته الشنيعة لسكان الضفة والأراضي المحتلة.

أحيا الشعب الفلسطيني يوم السبت 30 مارس/آذار ذكرى يوم الأرض بإقامة فاعليات في معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وأراضي 48، بل أصبح اليوم فرصة للمتضامنين حول العالم لإبراز دعمهم للقضية الفلسطينية ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي شملت الفاعليات عدداً من عواصم الغرب والعالمين الإسلامي والعربي.

وتأتي هذه الذكرى 48 في سياق خاص سِمَتُه الرئيسية حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل في قطاع غزة، ما أودى بحياة أكثر من 32.5 ألف شهيد و75 ألف مصاب، ناهيك بعدد المفقودين والمعتقلين في أسوأ الظروف لدى الاحتلال، كما تطبعه أيضاً حملة القمع الشعواء والتوسع الاستيطاني، اللذين يطبقهما الاحتلال في الضفة الغربية.

"يوم أرض" في زمن الإبادة!

وخلّد الغزيون ذكرى يوم الأرض في جو من الآلام والحزن، بسبب القتل والدمار والتجويع الذي فرضته عليهم الحرب الأخيرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكان من الطبيعي أن يخلو القطاع من الفاعليات التي كانت لها عادة الارتباط بهذا اليوم، غير أن إصرار المقاومة وثباتها على الأرض في مواجهة آلة القتل الدموية الإسرائيلية هو خير شكل يمكن أن يخلّد به.

وبهذه المناسبة نشرت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس بياناً على قناتها في تليغرام قالت فيه: "في الذكرى 48 ليوم الأرض: طوفان الأقصى امتدادٌ لمسيرة شعبنا في الدفاع عن الأرض والمقدسات حتى انتزاع حقوقنا المشروعة وتحقيق تطلعاتنا في التحرير والعودة".

وأضافت حماس أن "يوم الأرض سيبقى عنواناً وطنياً خالداً، ومحطة مشرفة في تاريخ شعبنا النضالي، يستلهم منه شعبنا في مسيرته المستمرة معالم الصمود والثبات والتضحية والتحدّي، للإبقاء على جذوة المقاومة مشتعلة في وجه الاحتلال وحكومته الفاشية وقطعان مستوطنيه، في كل ساحات الوطن"، وفق البيان.

وفي الضفة الغربية يأتي يوم الأرض هذا العام وسط تصاعد الهجمة الاستيطانية ومصادرة الأراضي والاعتقالات وقتل الفلسطينيين، ومنذ بدء الحرب على القطاع صعّد جيش الاحتلال عمليات الدهم والاعتقالات في الضفة، ما أسفر عن مواجهات مع فلسطينيين خلفت 454 شهيداً ونحو 4 آلاف و750 جريحاً، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.

واستشهد طفل فلسطيني وأصيب 3 مدنيين آخرين خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر أمس السبت بلدة قباطية جنوب مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وفق ما أوضح فواز حماد، مدير مستشفى الرازي في جنين.

وحسب تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، تسيطر إسرائيل على 42% من مجمل أراضي الضفة الغربية، و68.7% من مجمل المناطق المصنفة "ج"، وهي المناطق التي تخضع للحكم العسكري الاحتلالي الإسرائيلي تبلغ مساحتها ما مجموعه 61% من مجمل مساحة الضفة الفلسطينية. وتبلغ مساحة المناطق المصنفة "أ" ما نسبته 17.6% من مساحة الضفة الغربية فقط، فيما تبلغ نسبة المناطق المصنفة "ب" ما نسبته 18.4% من المساحة الإجمالية للضفة الغربية.

وفي داخل الخط الأخضر خلّد الفلسطينيون الذكرى 48 ليوم الأرض بمسيرتين جماهرييتين، ووفق ما نقلته وسائل إعلام، انطلقت مسيرة بمشاركة مئات من مدينة سخنين، والتقت أخرى عند مدينة عرابة، لتجتمعا معاً وتسيرا إلى مدينة دير حنا التي أُقيم فيها مهرجان جماهيري، وحمل المشاركون في المسيرة الأعلام الفلسطينية وصور الشهداء، ورددوا شعارات منددة بالسياسات الإسرائيلية، لا سيما تلك التي تستهدف مصادرة أراضي البدو في النقب.

في معظم دول العالم

ووجد المناصرون للقضية الفلسطينية يوم الأرض فرصة للخروج إلى الشارع من أجل تنديدهم بالإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة، مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الكافية لسد حاجة أهالي القطاع، ناهيك بالتعبير عن رفضهم للممارسات الاستيطانية التي تقوم بها إسرائيل في حق فلسطينيي الضفة الغربية.

وشهد عدد من المدن الفرنسية احتجاجات واسعة، أبرزها في العاصمة باريس، حيث خرج المئات إلى الشارع رافعين العلم الفلسطيني وشعارات تطالب بإنهاء الدعم الغربي لما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي، فيما كان اليوم أيضاً فرصة لحضور صورة مناضل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج إبراهيم عبد الله المعتقل في السجون الفرنسية لما يزيد على 40 عاماً، وطالب المشاركون في الفاعليات بإطلاق سراح المعتقل.

وقال الناطق باسم جمعية "فلسطين ستنتصر" الفرنسية توم مارتان لـTRT عربي: "في هذه الأثناء تجري مسيرات في باريس كما في باقي المدن الفرنسية، ونحن أيضاً نظمنا مسيرة في تولوز من أجل تخليد يوم الأرض، وحضرها نحو 200 من المناصرين للقضية الفلسطينية".

وفي مدينة نابولي جنوب إيطاليا نُظمت فاعلية بهذه المناسبة. وقال لوكا، وهو ناشط إيطالي شاب مناهض للصهيونية والفاشية، في تصريحات لـ TRT عربي: "لقد اجتمعنا نحو 50 من النشطاء والداعمين للقضية الفلسطينية في وقفة احتجاجية في ساحة غاريبالدي، حيث زرعنا شجرة زيتون تخليداً ليوم الأرض لأن شجرة الزيتون رمز فلسطين، ودلالة على تجذر القضية الفلسطينية في قلوب الشعوب، مهما سعى الاحتلال إلى محوها كما يسعى لاقتلاع أشجار الزيتون الفلسطينية".

وفي العالم العربي والإسلامي تستمر الشعوب أيضاً في الخروج إلى الشارع مطالبة بالسماح لهم بنصرة إخوانهم الفلسطينيين في غزة، منددين بصمت الحكومات إزاء ما يقع من إبادة وتجويع.

وتستمر المظاهرات الحاشدة التي ينظمها الشعب الأردني لأيام في محيط السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمّان، وقد أطلقت شرارة هذه الاحتجاجات أخبار المجازر والاغتصابات التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في أثناء اقتحامه مستشفى الشفاء شمال غزة، ويزداد زخم هذه الاحتجاجات يوماً بعد يوم.

وفي لبنان شارك مئات اللاجئين الفلسطينيين فى مخيمات عين الحلوة والمية مية وبرج في مسيرات دعت إليها فاعليات فلسطينية، دعماً لأهالى قطاع غزة وإحياءً لذكرى يوم الأرض، ورفع المشاركون خلال هذه المسيرات الأعلام الفلسطينية، وردّدوا هتافات الدعم والإسناد لأهالي قطاع غزة، وتأكيد تمسك اللاجئين بتأييد المقاومة باعتبارها حقاً مشروعاً فى مواجهة الإبادة.

أمّا في المغرب فقد خرج الآلاف إلى الشوارع في مسيرات دعت إليها "مجموعة العمل من أجل فلسطين"، وشملت أكثر من 52 مدينة حول المملكة، إذ طالب المشاركون بإنهاء الحصار والتجويع الإسرائيلي لسكان غزة ووقف الحرب المستمرة على القطاع لنحو نصف عام.

وحسب ما نقل مراسل وكالة الأناضول فإن آلاف المحتجين نددوا باستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "المخالفة لكل المعايير الحقوقية والدولية"، ورفعوا شعارات من قبيل "فلسطين أمانة.. والتطبيع خيانة".

وقال رشيد فلولي منسق المبادرة المغربية للدعم والنصرة في تصريح صحفي على هامش المسيرة إنّ هذه المظاهرة تأتي استمراراً للفاعليات الداعمة لغزة، تزامناً مع إحياء "يوم الأرض"، لافتاً إلى أن المسيرة نُظمت تحت شعار "رغم القتل والتدمير.. غزة انتصرت".

جذور "يوم الأرض"

وتعود جذور يوم الأرض إلى عام 1975 حين أطلقت الحكومة الإسرائيلية خطة لتهويد منطقة الجليل، أطلقت عليها اسم "تطوير الجليل"، وشملت بناء تجمّعات سكنية يهودية على أراضٍ تعود إلى الفلسطينيين الذين كانوا يمثلون أغلبية في المنطقة.

وصدّقت الحكومة في 29 فبراير/شباط 1976 على قرار لمصادرة 21 ألف دونم من أراضٍ تعود ملكيتها إلى فلسطينيين في بلدات سخنين، وعرابة، ودير حنا، وعرب السواعد، وهو ما أغضب الأهالي ودفعهم إلى الانتفاض ضدّ قوات الاحتلال، على الرغم من إعلان السلطات الإسرائيلية حظر التجوال في تلك القرى منذ الساعة 5 مساء من يوم 29 مارس/آذار من ذلك العام، وهددت بإطلاق النار على المتظاهرين، معتبرة أن أي مظاهرة ستخرج فهي غير قانونية.

وفي وجه هذه القرارات انطلقت مسيرة شعبية في بلدة دير حنا، تعرضت للقمع الشديد من الشرطة، تلتها مظاهرة أخرى في بلدة عرّابة، وكان القمع أقوى، إذ استشهد خلالها فلسطيني فضلاً عن عشرات الجرحى، وأعلنت لجنة الدفاع عن الأراضي التي انبثقت عن لجان محلية فلسطينية إطلاق الإضراب الشامل في اليوم التالي الذي وافق 30 مارس/آذار، ولمدة يوم واحد فقط.

وأدى انتشار خبر استشهاد المتظاهر إلى اتساع دائرة المظاهرات والاحتجاج في كل المناطق العربية في اليوم التالي، وتركزت المواجهات في منطقتَي الجليل والمثلث، لا سيما قرى وبلدات عرابة ودير حنا وسخنين وكذلك صحراء النقب، وأفضت هذه المواجهات إلى استشهاد 6 فلسطينيين وإصابة العشرات جرّاء قسوة رد الاحتلال الإسرائيلي.

ومنذ ذلك التاريخ يخلد يوم 30 مارس/آذار من كل عام يوماً لتشبت الشعب الفلسطيني بأرضه ودفاعه عنها، وأطلق عليه اسم "يوم الأرض" تعبيراً عن هذه الدلالة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً