تابعنا
يحتفل العالم الإسلامي يوم الأربعاء 10 أبريل/نيسان بعيد الفطر وسط مشاعر مضطربة، تنغّص فيها فرحة العيد غلاء الأسعار والحرب في قطاع غزة.

بعد شهر رمضان الذي مرَّ مليئاً بالعبادات والتقرّب إلى الله، يهلُّ عيد الفطر على الأمة الإسلامية اليوم الأربعاء 10 أبريل/نيسان، إذ يحتفلون به عادةً بشعائر دينية وفرحة إتمام صيام الشهر الفضيل، غير أن العيد هذه السنة يأتي مغايراً لسابقيه، إذ يتزامن مع إحدى أحلك اللحظات التاريخية التي عاشها الشعب الفلسطيني، الذي يكابد وحشية الاحتلال وحرباً مستمرة لإبادة سكان غزة.

كان رمضان هذا العام مناسبةً لإبراز الشعوب العربية والإسلامية تضامنها مع إخوانها في فلسطين، وشهد عدد من البلدان، أبرزها الأردن والمغرب والعراق واليمن، مسيرات حاشدة داعمة للشعب الفلسطيني، وفعاليات جمع تبرعات لصالح الغزاويين الذين يعانون وضعاً إنسانياً صعباً.

في المقابل، ليست حرب غزة المنغص الوحيد لعيد المسلمين بعيد الفطر، بل يعاني عدد من الدول العربية والإسلامية ارتفاع مستويات التضخم وموجة غلاء واسعة، تحرم كثيراً من الأسر من توفير مستلزمات الاحتفالات.

عيد في زمن الإبادة

وتُرخي الحرب بظلالها على عيد الفطر في غزة هذا العام، إذ يأتي وأهالي القطاع يواجهون الحصار والقتل والجوع، في حرب إبادة دموية يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضدهم منذ ما يزيد على 6 أشهر.

وتداول عدد من نشطاء التواصل الاجتماعي صوراً تُظهر تحضيرات سكان القطاع لاحتفالات العيد، وكذلك مقاطع فيديو تصوّر صعوبة أوضاع النازحين "الذين لم يجدوا ألبسة جديدة لإتمام فرحة أطفالهم بالعيد".

ويقول مهدي، وهو مصور من غزة: "نعيش وضعاً صعباً للغاية، لدرجة لا أدري حقيقةً إنْ كان بإمكاننا الحديث فيها عن عيد في غزة (...) ينقصنا كل شيء، ونرى عوائلنا التي كانت عزيزة في السابق تكابد أوضاعاً مأساوية، بل نحن لا نملك حتى رفاهية الاطمئنان على أنفسنا، والموت والدمار يلاحقاننا في كل مكان".

ويضيف مهدي لـTRT عربي أنه وسط هذه الظروف "هناك ترتيبات للعيد، هناك شباب يبيعون مستلزماته في الشوارع على قلّتها، وهناك عوائل تبتاع ذلك على قلة ما بقي معها من نقود (...) فهذا الإصرار على الاحتفال بالعيد رغم كل ما يقع حولنا هو رسالة يوجهها الغزاويون إلى المحتل، مفادها أننا شعب صامد ومتشبث بأرضه مهما حصل".

ومن غزة إلى باقي العالم الإسلامي، نفس الشعور بالحزن والآلام المتزامنة مع هذا العيد، وهو ما عبّر عنه أيضاً عدد من المغاربة، معتبرين أن هذه المناسبة الدينية فقدت فرحتها المعتادة بفعل ما يجري في فلسطين.

ويقول أحمد السباعي، وهو كاتب مغربي لـTRT عربي: "في هذا العيد لا أشعر بشيء، هو إحساس أقرب إلى الحياد التام، كوجه بلا ملامح (...) أنا أعيش حداداً متواصلاً صامتاً، أكاد أفقد فيه إيماني بكل شيء".

من جانبها، تؤكد الشابة المغربية فدوى المنزهي لـTRT عربي أن "الأيام أصبحت كلها مُرة، إحساس بالقهر والظلم والخذلان لا يفارقها، وفي ظل هذه الظروف كل ما يفعلونه هو محاولة عيش (...) ليس للعيد أي معنى وغزة تُباد".

ويشارك الأتراك إخوانهم المغاربة الشعور نفسه بخصوص العيد، وتقول تُوانا، وهي شابة من إسطنبول، إن "رمضان من المفروض هو سلطان الشهور، إنه شهر مقدس له معنى السلام، ونحس خلاله بانتمائنا إلى الأمة الإسلامية (...) لكن هذا العام، كان رمضاننا مليئاً بالحزن والشعور بالعجز عن إيقاف ما يحصل لإخواننا في غزة".

وتضيف الشابة التركية توانا لـTRT عربي: "في العيد أيضاً، تستمر آلامنا وإحساسنا بالعجز، لكنه سيكون مناسبة للدعاء إلى الله أن يرفع هذه الآلام عن إخواننا الفلسطينيين".

ومن الجزائر أيضاً، يوضح الصحفي مولود صياد أن "أجواء العيد في الجزائر تأتي بطعم خاص هذا العام، وعلى الرغم من أن الناس يحاولون جيداً لخلق أجواء مناسبة للعيد، فإن مأساة غزة تُرخي بثقلها على المناسبة الدينية".

ويضيف صياد لـTRT عربي: "أنا عن نفسي أجد من الصعب الاحتفال بهذا العيد، فيما الأشقاء في فلسطين يعانون الموت والدمار وقهر التجويع".

أما الشابة التونسية غادة هدي الشراد، فتقول إن "هذه الحرب كان وقعها شديداً في أنفس الشعب التونسي، إذ يسود إحساس عميق بالعجز والخذلان في نصرة الشعب الفلسطيني"، وهو "الشعور الطاغي على احتفالاتنا هذا العيد، الذي لا يأتي بنفس فرحة سابقيه" كما تؤكد لـTRT عربي.

تضخم وغلاء في الأسعار

ويشير الصحفي الجزائري مولود صياد إلى عامل آخر يجعل من عيد الجزائريين هذا العام مغايراً لما مضى من أعياد، وهو ارتفاع أسعار التزود بمستلزمات العيد.

ويلفت صياد إلى أنه "من الأسباب الأخرى التي تجعل الجزائريين يحسّون بطعم مختلف لهذا العيد، هو التضخم وغلاء الأسعار الحاصل، خصوصاً فيما يتعلق بمستلزمات الحلويات والملابس الجديدة، والذي أصبح يأخذ منحى آخر".

هذه الحالة ليست حكراً على البلد المغاربي، بل تتكرر في عدد من الدول العربية والإسلامية، بل وغير بعيد عنه في المغرب مثلاً، شعر المواطنون بارتفاع الأسعار تزامناً مع العيد.

ويوضح عصام، وهو شاب مغربي يدير متجراً لبيع الألبسة، أنه "من الطبيعي أن تزيد أسعار مستلزمات العيد تزامناً مع موسم الاحتفالات، خصوصاً الألبسة الجاهزة، ومردّه إلى الطلب المتصاعد عليها في مدة قصيرة، لكن سرعان ما ستعود إلى أسعارها الأصلية بعد انقضاء أيام العيد".

ويضيف عصام لـTRT عربي أنه في العموم، هناك ألبسة بأثمنة مناسبة لكل الفئات، تتراوح بين 100 درهم (نحو 9 دولارات) و2000 درهم (190 دولاراً)، وكلٌّ يشتري حسب طاقته".

وفي تونس، قالت نائبة رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك، ثريا التباسي، إن المواطن أصبح يلجأ إلى التداين من البنوك، للتغلب على مصاريف العيد، وسط أزمة اقتصادية عامة في البلاد وغلاء ونقص في المواد الأساسية، وفي ظل الغلاء لا يمكن للمواطن التونسي تلبية حاجياته ومقدرته الشرائية لا تتناغم مع الأسعار الموجودة في السوق.

ويبيّن التباسي أن "الزيادة هذا العام في أسعار ملابس الأطفال والأحذية هي ما بين 10 و20% مقارنةً بأسعار العام الماضي (...) فعلى أقل تقدير تبلغ مصاريف مستلزمات الطفل الواحد في العيد بين 180 ديناراً (60 دولاراً) و350 ديناراً (116 دولاراً) ".

ومقابل هذا، يلجأ التونسيون إلى الاستدانة من أجل تغطية هذه المصاريف، وهو ما كشفت عنه رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك، وقالت: "في متابعتنا لتعاملات البنوك نجد أن أكثر اهتمام للتونسي هو الحصول على قرض لمواجهة الاستهلاك (...) التونسي أصبح اليوم يلجأ لقروض استهلاكية من البنوك بعد أن كان يتداين لشراء منزل أو سيارة".

وإلى اليمن، تتكالب تبعات الحرب والوضع الاقتصادي المتردي على فرحة سكان البلاد في عيد الفطر، وذكرت وكالة رويترز في تقرير لها، أن اليمنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يعانون هذا العام من أجل توفير مستلزمات عيد الفطر في ظل استمرار المصاعب الاقتصادية.

ونقلت الوكالة على لسان أحد المواطنين اليمنيين أنهم أتوا لتفصيل ثوب عند أحد الخياطين في صنعاء، حيث إنه يساعد الناس ويتعامل معاهم في الظروف التي تسببت بها الحرب، كما أنهم يبحثون عن الحاجات الرخيصة.

وقال محمد القديمي، وهو صاحب محل حلويات في صنعاء، إن "القوة الشرائية (في اليمن) ضعيفة جداً عن العام الماضي، وكل سنة تضعف أكثر بسبب هذا الحصار والحرب الاقتصادية، وهناك شح في السيولة أيضاً".

TRT عربي