تابعنا
بين أكوام من الركام ينبش مجموعة من الشبان المكان للبحث عن الأخشاب بين أنقاض المنازل المدمرة والأراضي الزراعية التي استهدفها الجيش الإسرائيلي وخلف وراءه ركاماً وأشجاراً مبعثرة هنا وهناك، ليعيد الناس استخدامها، فهي باتت الوسيلة الوحيدة لإشعال النار.

يأتي الفلسطيني محمد العطار كل صباح برفقة ابنه علي إلى بوابة مستشفى شهداء الأقصى، التي اتخذها مقراً ومركزاً لبيع القهوة والشاي للنازحين داخل المستشفى وخارجها.

يبدأ العطار يومه بجمع الحطب والأوراق والنايلون لإيقاد النيران، بعدما ألقت أزمة غاز الطهي بظلالها على كل مناحي الحياة في القطاع، إذ بات شحيحاً ومن الصعوبة توفيره بسبب الحصار والتحكم بكميات المساعدات الإغاثية التي تدخل عبر المعابر من قبل السلطات الإسرائيلية.

جهد وتحديات

يقول العطار لـTRT عربي إنّ عملية البحث عن الحطب تستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً بعد نفاد الأشجار نتيجة كثرة استخدامها من قِبل الأهالي، بعد نفاد خياراتهم لإعداد الطعام والخبز وتسخين المياه للاستحمام إنْ توفرت، إذ يضطر إلى الذهاب إلى مدينة خان يونس عبر عربة بدائية يجرّها حمار، لتوفير الحطب من الأراضي وحتى من المقابر.

ويضيف أن عملية جمع الحطب لها نصيبها من التعب والجهد، لا سيّما أنهم يقصون الأشجار التي في غالب الأحيان يجدونها في المقابر، كما يتسلقون الأشجار المرتفعة لقص الحطب منها وتوفيره قدر الإمكان، حتى إنهم أصبحوا يواجهون صعوبة في العثور عليه بسبب حاجة معظم الناس إلى الحطب والأخشاب لإحراقها لتلبية شؤونهم اليومية.

لم يكن محمد البائع الوحيد أمام المستشفى، وجميعهم يستخدم نفس الطريقة والآلية في إعداد المشروبات وحتى الطعام السريع مثل الفلافل وغيرها. يناول علي والده السكّر والشاي، مبيناً أنه عندما يتعثر في الحصول على الحطب والأخشاب يلجأ إلى شرائها من تجار وباعة، إذ يباع كيلو الخشب الواحد من التجار بشيكلَين (نصف دولار)، وهو يحتاج يومياً إلى 20 كيلوغراماً، لكونه يعمل لساعات طويلة.

خلفت 110 أيام من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أزمات عديدة على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، وهو ما جعل السكان يعيشون في ظروف غير مسبوقة، ومن بين الأزمات شح غاز الطهي، إذ أضحى الفلسطينيون يلجؤون إلى الأشجار والأخشاب لتكون بديلاً عن غاز الطهي الذي تُعرقِل إسرائيل عملية إدخاله بالكميات المتناسبة مع حاجة السكان.

طرق للعثور على الحطب والأخشاب

وبين أكوام من الركام ينبش مجموعة من الشبان المكان للبحث عن الأخشاب بين أنقاض المنازل المدمرة والأراضي الزراعية التي استهدفها الجيش الإسرائيلي وخلف وراءه ركاماً وأشجاراً مبعثرة هنا وهناك، ليعيد الناس استخدامها، فهي باتت الوسيلة الوحيدة لإشعال النار.

ويقول حسام رمضان، الذي يعمل ببيع الحطب للنازحين وغيرهم من سكان قطاع غزة، إن هذه الحرب رجعت الناس إلى أيام النكبة الفلسطينية، لكن هذه الأيام أقسى وأصعب.

ويؤكد رمضان لـTRT عربي أن كثيراً من العائلات تلجأ إلى شراء الحطب "بالقطارة"، ومنها من أصبحت تكتفي ببقايا الحطب حتى لا تُجبَر على دفع أكثر مما تمتلك، لا سيما أن مخزونها المالي تقلص بشكل كبير بسبب مصاريفهم خلال فترة النزوح مع استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع.

ويضيف رمضان أن تفاصيل الحياة اليومية متعِبة ومرهِقة، خصوصاً مع اعتماد الأهالي على النار، إذ إنّ هناك عائلات اضطرت إلى تكسير خزاناتها وأبوابها نظراً إلى عدم قدرتها على توفير وشراء الحطب، بعدما كانوا لا يبحثون عنه قبل الحرب، لافتاً بالقول: "الدنيا تغيرت، وحياتنا انقلبت".

وصرح فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا، في وقت سابق، قائلًا إن "ثلاثة أشهُر مرّت على حرب وحشية في غزة، هذه الحرب الوحشية اشتملت على نزوح جماعي وخسائر بشرية وإصابات كبيرة ودمار هائل، لقد تفاقمت المعاناة التي لا تطاق بسبب التجريد المستمر من الإنسانية".

وأضاف لازاريني أن "الشعب الفلسطيني يتعرض لعقاب جماعي مع عدم السماح بدخول سوى القليل من المساعدات الإنسانية، ويتسارع الوقت نحو حدوث المجاعة، لذلك يتوجب وقف إطلاق النار الآن في غزة".

ويؤكد برنامج الأغذية العالمي أن جميع سكان القطاع (نحو 2.2 مليون شخص) يعانون على الأقل من أزمة غذاء ومعيشة حادة، وهناك خطر حدوث مجاعة خلال الأشهُر الستة المقبلة إذا استمر الوضع الحالي من الصراع الشديد وتقييد وصول المساعدات الإنسانية.

وحسب خبراء الأمن الغذائي في برنامج الأغذية العالمي فقد أجمعوا بالفعل على أن سكان قطاع غزة قد استنفدوا جميع مواردهم وانهارت سُبل عيشهم.

انعكاسات إشعال الأخشاب

وأجبرت الحرب الإسرائيلية النساء الفلسطينيات على العيش في ظروف إنسانية غير مسبوقة داخل مراكز الإيواء وخارجها، إذ يمارسن حياتهن وسط أعباء وأعمال شاقة قد لا تناسب بنتيتهن الجسدية وطبيعة أجسادهن، منها تقطيع الأخشاب والحطب، وإشعال النيران والجلوس أمامها لفترة طويلة، وتحمُّل الدخان المنبعث منها، وهو ما له انعكاسات سلبية على صحتهن الجسدية وكذلك النفسية.

وخلف مستشفى شهداء الأقصى تأخذ مجموعة من النساء مساحة صغيرة لإشعال النيران فيها لطهي طعام عائلاتهن، ويتبادلن الحديث عن ظروفهن وطريقة حياتهن خلال الحرب المستمرة، وجلّ هذه النساء يرتدين ملابس طويلة (ثوب الصلاة).

وردة السموني (45 عاماً) تمسك طرف ثوبها وتمسح عينيها كل دقيقة، اللتين أصبحتا جاحظتين وحمراوين مع الدخان، وتقول إنها مضطرة إلى استخدام الحطب والأخشاب، حتى إنها في كثير من الأحيان تلجأ إلى استخدام النايلون والكرتون وحتى النفايات لطهي الطعام وتسخين المياه للأطفال للاستحمام.

وتؤكد السيدة الفلسطينية لـTRT عربي أن ذلك أثَّر في جهازها التنفسي، إذ أُصيبت بالتهابات حادّة في الجهاز التنفسي، ومكثت تعاني منها أكثر من أسبوع، خصوصاً أن الأزمة مستمرة ولا يوجد حل يدور في الأفق.

وتصل تداعيات أزمة الوقود إلى ما هو أبعد من التحديات المتمثلة باستخدام الحطب والأخشاب ونفادها من القطاع، لا سيما أن منظمة الصحة العالمية قد أعلنت في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي أنه قد أُبلغ عن أكثر من 150 ألف حالة من حالات عدوى الجهاز التنفسي العلوي نتيجة استخدام الأخشاب والقمامة بديلاً عن غاز الطهي.

TRT عربي