تابعنا
جُل سكان القطاع يعيشون في صدمة من هول الدمار الذي لحق ببيوتهم، لا سيّما أن الجيش الإسرائيلي تعمَّد تدمير المباني السكنية بالكامل على رؤوس ساكنيها، فحال أم ماهر الأخرس يشبه حال كثير من السيدات اللواتي تضررت بيوتهن خلال الحرب.

في زاوية استصلحتها بعد القصف، اتخذت عائلة ناجي مكاناً لتجهيز الخبز لأطفالها، وسط أجواء عائلية تُنسيهم ما حلَّ بمنزلهم من دمار وخراب بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، وتتشارك العائلة مراحل صنع الخبز، فهنا مَن يعجن الدقيق، وهنا مَن يحضر الحطب، وهنا مَن يوقد فيه النار.

يقول خالد ناجي، عائل الأسرة، الذي يجلس على فرش حصل عليه من تحت ركام بيته، إن المربع السكني الذي يقطن فيه بدير البلح وسط قطاع غزة تعرَّض لقصف إسرائيلي عنيف، أدى إلى إلحاق دمار في المنازل، ومنها منزله، الذي اضطر إلى أن يخرج منه إلى مركز إيواء بعد الاستهداف، لكنه وجد المركز مكتظاً بالنازحين، فمكث فيه يوماً واحداً فقط، ثم عاد إلى بيته المدمَّر ليعيش فوق ركامه.

الحياة فوق الركام

قرر ناجي وعائلته العيش فوق الركام، ولحسن حظهم كان جزء من المنزل لا يزال سليماً نسبيا، لم يأتِ عليه الدمار بالكامل، وهو غرفة مع مطبخ وحمام، من أصل بناية مكونة من طابقين.

يقول ناجي لـTRT عربي، إن "الحياة داخل مركز الإيواء معدومة، وتفتقر إلى كل مقومات الحياة الضرورية، فضلاً عن انتشار الأمراض بين النازحين، يعني إذا لم نمُت من القصف سنموت من المرض"، ولذلك عاد إلى دياره المدمَّرة.

أنهت ابنته فاطمة الخُبز مع والدتها، وسرعان ما ذهبت لتنجز غسل ملابس رضيعتها باستخدام مياه غير نظيفة، قائلة: "الحياة صعبة وتفاصيلها قاسية، لم نعتد هذا الحال مطلقاً، لا كهرباء ولا ماء ولا نظافة، والشتاء قادم".

تضيف فاطمة: "كنا سبعة أفراد نعيش في أمان ببيتنا المكون من طابقين، بتنا الآن ننام في غرفة واحدة مكدّسين فوق بعضنا".

في طريقها توجهت TRT عربي إلى المنطقة الشرقية لمخيم البريج، وهي المنطقة التي لم يرحمها قصف الطائرات والمدفعية، فصادفت نادر حمدان ينفض غبار ما خلفته آلة الحرب الإسرائيلية على أثاث منزله، ويقول إن فترة الهدنة المؤقتة أتاحت له فرصة العودة إلى بيته والاطمئنان عليه.

ويضيف نادر أنها المرة الأولى التي يرى فيها بيته بهذا الشكل، وكأنه بات مكاناً غريباً عنه، "ليس فقط المنزل وإنما الحي بأكمله".

يحاول نادر تنظيف ما يستطيع، وتجهيز زاوية كحال كثير من العائلات التي عادت فترة الهدنة للمكوث داخل بيوتها، تحديداً تلك التي لم تتحمَّل العيش داخل مراكز الإيواء.

ويدخل نادر إلى مطبخه ليجد أنبوبة الغاز على حالها، كأنه وجد كَنزاً، لا سيما أن القطاع يعاني بشكل كبير من نقص غاز الطهي، نتيجة عدم قدرة التجار وأصحاب الجهات المختصة من استيراده بسبب إغلاق المعابر.

شيئاً فشيئاً، يعثر حمدان على بعض المواد التموينية، فيقرّر أن يعدَّ لنا الشاي لنحتسيه معاً، ويحكي لنا خلال جلستنا بأن حياته كانت مستقرة قبل الحرب، وكم يحب منزله وتفاصيله التي تعب على تصميمها كثيراً، وينظر إلى حال بيته قائلاً: "الحمد لله أنه بقيت حيطان لكي تسترنا، وضعنا أحسن من وضع غيرنا، الحمد لله".

ويشير إلى أن إسرائيل تمارس ضد الفلسطينيين حرب إبادة جماعية لغرض التهجير من هذه الأرض، مؤكداً أنهم لن يهاجروا ولن يتركوا هذه البلاد.

ويستدرك: "صحيح أن الاحتلال يسعى إلى تدميرنا نفسيّاً عندما يدمر البيوت، كونها عزيزة علينا، لكنه لن ينجح في تحقيق مراده، ومخطط التهجير لن يمر، وسنعيش في بيوتنا رغم الدمار الذي لحق بها".

بجانب حمدان تقف ابنته منَّة، تساعده في لملمة ما تبقى من ألعابها في غرفتها، تتذكر حياتها قبل الحرب، فتقول منَّة، 10 سنوات، إن بيتها كان جميلاً وكذلك الحي الذي تعيش فيه، وكانت تلعب برفقة صديقاتها يوميّاً في فرح.

وتتابع: "لكن الجيش الإسرائيلي قلب بآلته الحربية الحي رأساً على عقب، البيت أصبح رماد، وغرفة الطفلة اختفت، ألعابي وملابسي وخزانتي لم يتبقَ منها شيء، نريد وقف الحرب، حتى نعمل على بناء المنزل، ونعود إلى حياتنا الطبيعية".

ووسط حديثها تعثر منَّة على صورة تجمعها بأخيها، فتقول: "هذه الصورة التقطناها في عيد الفطر، عالله تعود اللحظات الحلوة"، وبأسى تُكمل أن المنزل جمعها مع عائلتها وأحبابها، واحتوى تفاصيل حياتهم، وذكريات كثيرة، وإسرائيل تحاول قتل هذه الذكريات.

المربعات السكنية تتحول إلى منطقة أشباح

وتكمل TRT عربي جولتها في المنطقة، وتصادف السيدة إنعام الأخرس (52 عاماً)، تجلس أمام منزلها المدمَّر واضعة يدها على خدِّها، شاردة على حال منزلها الذي يُرثى له: "عندما دخلت المنطقة شعرت بصدمة حقيقية من هول الدمار الذي لحق بالمربعات السكنية هنا، أصبحت منطقة أشباح".

وقبل الحرب على غزة، كانت للسيدة إنعام شقة سكنية ضمن مبنى يعود إلى عائلة زوجها، وفيها كانت تعيش مع 25 فرداً من أبنائها وبناتها وأحفادها، وكانت تلك الشقة الحضن الذي يجمع عائلتها، لكن مع الدمار تشتَّتت العائلة، كل مجموعة في مكان، منهم من ذهب إلى مركز إيواء، ومنهم من ذهب إلى منزل الأقارب، أما ابنها الذي يعيش بجوارها في بيت منفصل، قرر هو وزوجته أن يمكثا داخل منزلهما رغم ما تعرض له من أضرار نتيجة القصف.

ابنها ماهر الأخرس يعمل على إعادة تعمير أبواب وشبابيك منزله، تمهيداً لعودته إليه، فلا خِيار آخر سوى العودة والعيش داخل بيته، مع انعدام الخصوصية داخل مراكز الإيواء والنزوح.

يقول ماهر إنه يغطي الشبابيك بعدما تحطمت نتيجة القصف، خشية دخول الأمطار عليهم، خصوصاً في ظل تحذيرات الأرصاد الجوية من سقوط الأمطار على قطاع غزة.

جُل سكان القطاع يعيشون في صدمة من هول الدمار الذي لحق ببيوتهم، لا سيّما أن الجيش الإسرائيلي تعمَّد تدمير المباني السكنية بالكامل على رؤوس ساكنيها، فحال أم ماهر الأخرس يشبه حال كثير من السيدات اللواتي تضررت بيوتهن خلال الحرب.

تقول أم رامي الجبالي إن حيَّهم السكني في دير البلح وسط قطاع غزة دُمِّر في الساعة الثانية فجراً، وهي وقرابة 68 من النازحين من شمال القطاع كانوا داخل المنزل في أثناء القصف ونجوا بأعجوبة.

وتضيف أم رامي لـTRT عربي أن بيتها لم يعدّ صالحاً للسكن، وستعمل على إعادة تأهيله مؤقتاً وإزالة الركام منه حتى تمكث فيه مع ضيوفها، فلا مفرّ من المأساة التي تطال الجميع، ولن تذهب إلى مراكز الإيواء، فهي مستهدفة أيضاً.

"حتى لو بقيت غرفة واحدة".. تؤكد السيدة أم رامي أنها ستنام فيها مع ضيوفها، وستخصص درج البيت لإعداد الطعام، لأنها تخشى أن تشعل النيران، الحل الأمثل لطهي الطعام في الحرب يكون خارج المنزل، خوفاً من استهداف الطائرات الإسرائيلية لها.

وخلال ثمانية وأربعين يوماً من الحرب الإسرائيلية، ألقى جيش الاحتلال قرابة 40 ألف طن من المتفجرات على القطاع، أدت إلى تدمير 46 ألف وحدة سكنية بالكامل، إضافة إلى تضرر 234 ألفاً بشكل جزئي.

TRT عربي