اعتماد اللغة الإنجليزية في الجزائر.. قرار سياسي أم إصلاح تربوي؟
بدأت معالم الانتقال والتحول في المدرسة الجزائرية تبرز بشكل كبير، بعد أن قرّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إدراج اللغة الإنجليزية، انطلاقاً من السنة الثالثة، في خطوة تاريخية جاءت بالتزامن مع احتفال الجزائر بالذكرى 60 للاستقلال.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون  (Reuters)

وتفاعل الرأي العامّ المحلي بكثافة مع إعلان الرئاسة الجزائرية قرار مجلس الوزراء المفاجئ "اعتماد اللغة الإنجليزية انطلاقاً من الطور الابتدائي، بعد دراسة عميقة للخبراء والمختصين في هذا المجال".

قرار سياسي

وأعطى تزامن الإفراج عن هذا القرار، مع احتفال الجزائر بالذكرى 60 للاستقلال، بأن إرادة سياسية جديدة تريد تكريس اللغة الإنجليزية بدل الفرنسية التي ظلّت مهيمنة ومسيطرة على العقول وكل الجوانب الحياتية خلال العقود الماضية من الزمن، وبالتالي فكّ الارتباط وتكريس القطيعة مع المستعمر القديم.

وهو ما ذهب إليه النائب في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان الجزائري) الطيب رمضاني، إذ قال في تصريح لموقع TRT عربي إنه "قرار سياسي محض، بالأخص أنه تزامن مع احتفال الجزائر بالذكرى 60 للاستقلال، والهدف منه ضمان سيادة الدولة الجزائرية".

ويشير الطيب رمضاني إلى أن "الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يريد بهذا القرار إعطاء الشعب الجزائري ثقة أكبر بأن سيادته بين أيديه ولا يمكن للغة المستعمر أن تطفو على لغة الضاد".

فالرئيس الجزائري وفقاً للنائب في البرلمان الجزائري "يريد ترسيخ منهج جديد للشعب والمنظومة التربوية، بالتخلص التدريجي من الفرنسية والوصول إلى اللغة الإنجليزية، وهو المطلب الذي حقّق إجماعاً قوياً وسط كل المهتمين بشؤون التربية وأهل الاختصاص".

وعلى نفس الخطى سار حسناوي رابح، أستاذ اللغة العربية والتربية الإسلامية في المرحلة المتوسطة بمحافظة المدية (جنوب الجزائر على بعد 88 كم)، الذي قال لموقع TRT عربي إن "القرار سياسي، يهدف إلى الابتعاد عن لغة المستعمر الفرنسي، كما أن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم الحديث، تسهّل بشدة توثيق المعارف وتبادلها؛ سهلة التعلم والنطق مقارنة باللغة الفرنسية، فكثير من التلاميذ الجزائريين نجدهم أكفاءً في اللغة الإنجليزية، لكن مستواهم متدنٍّ في الفرنسية".

تجارب فاشلة

ويمكن تأكيد أن فكرة تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية كمادة أساسية، ليست وليدة اللحظة، إذ طرحها مبارك الميلي المعروف محلّياً بـ "الميلي"، وهو إصلاحي جزائري نشط خلال حقبة الاحتلال الفرنسي للجزائر، وكان أحد الأعضاء البارزين في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مع الدكتور الجزائري عبد القادر فضيل الملقب إعلامياً بـ"مهندس المدرسة وقلعة الضاد بالجزائر"، غير أن جميع محاولاتهما باءت بالفشل.

وفي حديثه عن بدايات التجربة قال الخبير التربوي الدكتور عبد القادر فضيل إن "فكرة تدريس الإنجليزية في الابتدائي طُرحت في حقبة محمد الميلي وزير تربية حكومة مولود حمروش، إذ اقتُرح استحداث كتاب بالإنجليزية لتلاميذ السنة الرابعة، ويكون تدريسها اختيارياً لا إلزامياً، غير أن الفكرة لم تلقَ اهتماماً حتى من مدرّسيها".

وسرد عبد القادر فضيل كيف عارض أحد ولاة الجمهورية (المحافظين) هذه الفكرة وقال إنها "ضرب من الجنون"، رغم أنه أخطره بأنه "سيُبقَى على اللغة الفرنسية رغم أنها لا قيمة لها، عكس نظيرتها الإنجليزية، فهي لغة العالم في عصرنا الحالي بلا جدال، فهي الأكثر انتشاراً، كما أنها لغة العلم والتكنولوجيا".

وبعد أكثر من ثلاث سنوات من طرح الفكرة، يقول الخبير التربوي الدكتور عبد القادر فضيل: "أُلغِيَت الفكرة بمبرَّر عدم توفر الكوادر المعنية بالتدريس رغم وجود فائض في الكادر البشري، فهناك تيار يريد إبقاء الجزائر مركزاً للنفوذ اللغوي والثقافي الفرنسي، رغم أنها أصبحت في المرتبة 12 عالميّاً حسب ترتيب لائحة اليونسكو للكتب الجديدة المنشورة في السنة، وتفوَّق عليها عديد من اللغات الأجنبية الأخرى على غرار التركية".

مخاوف

يخشى المتابعون للشأن التربوي تكرار سيناريو ما، إذ رجّح مجلس أساتذة التعليم العالي في الجزائر أن يواجه قرار اعتماد اللغة الإنجليزية انطلاقاً من الطور الابتدائي حملة شرسة من لوبي فرنسي قوي جدّاً في الداخل سيسعى لإجهاض القرار.

وأكّد المجلس أن الجزائر أمام فرصة مواتية قد لا تتكرر للتخلص من هيمنة اللغة الفرنسية لصالح الإنجليزية، خصوصاً أن بين الإرادة الشعبية والسياسية تجانساً كبيراً لتجسيد هذا المشروع.

ويستبعد الخبير التربوي بن زهرير بلال، أن يكون مصير هذا المشروع كالمشاريع السابقة، ويقول لموقع TRT عربي إن "هذا المشروع اعتمده رئيس الجمهورية، وستكون لحفظه وعدم تحريفه أو إجهاضه ضمانات".

ويحوم الغموض حول قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بخصوص الشروع في تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية انطلاقاً من الموسم القادم، فبيان مجلس الوزراء لم يفسر إن كان تدريس اللغة الإنجليزية يرمي إلى التخلّي عن اللغة الفرنسية، أو إضافة الإنجليزية لغة رابعة، زيادة على اللغة العربية والأمازيغية والفرنسية، أو أنها ستُدرَج لغةً اختيارية.

في هذا السياق يقول الخبير التربوي بن زهرير بلال إنه "إذا أسقطنا اللغة الإنجليزية في الطور الابتدائي فسوف نتحدث حتماً عن كيفية الانتقال اللغوي ومدى نجاعة هذا الانتقال ليكون سلساً ولا يترك أي مخلفات وعقبات".

فعملية الانتقال اللغوي من الفرنسية إلى الإنجليزية وفقاً للخبير التربوي بن زهرير لا بد أن تكون وفقاً لضوابط علمية بعيدة كل البعد عن التجاذبات السياسية، فيجب أن تسند إلى كفاءات جزائرية لها كل الإخلاص لبلدها من أجل إنجاح هذا الانتقال، ولا تُسنَد إلى "العابثين" بكل ما هو نافع وإيجابي للجزائر كبلد ونهضة علمية ومعرفية، بالأخصّ أن الإنجليزية لم تعُد لغة علم ومعرفة بل أصبحت لغة برمجة يتحدث بها العالم كله، وبها تقاس كل العمليات المرتبطة بالبحث العلمي وأيضاً ريادة الجامعات.

وتزامناً مع القرار طفت إلى السطح دعوات التخلي عن اللغة الفرنسية وإلغائها من التعليم في المرحلة الابتدائية، والإبقاء عليها في الطورين المتوسط والثانوي بهدف تخفيف البرامج التربوية في الابتدائي.

ويقول في هذا الإطار الناشط التربوي كمال نواري إن "الإنجليزية تمثّل مكسباً هامّاً للتلميذ، بخاصة إذا اكتسبها منذ صغره، لذلك يجب إدراجها ضمن برنامج الرابعة الابتدائية وجعلها مادة أساسية لا اختيارية، إضافة إلى دعم تكوين التلميذ من خلال مراجعة البرامج الجامعية والانتقال بها من الفرنسية إلى الإنجليزية، فكل الموادّ خصوصاً العلمية تحتاج إلى مواكبة وتحيين".

وأبدت سابقاً هيئات رسمية فرنسية مخاوفها من الانحسار الشديد والتراجع المتزايد للغة الفرنسية في مجال التداول في الجزائر وبقية بلدان شمال إفريقيا، وهو النقاش الذي طغى على مستوى لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية الفرنسية العام الماضي.

وأبدى أحد أعضاء اللجنة قلقه من "ظهور جيل جديد من الجزائريين الذين لم يعايشوا الاحتلال الفرنسي للجزائر خلال الحقبة الزمنية الممتدة بين 5 يوليو/تموز 1830 و5 يوليو/تموز 1962"، وحذّر في المقابل من انحسار الإرث الثقافي الذي خلّفَته فرنسا وراءها في الجزائر وبلدان المغرب العربي، وقال بلغة صريحة وواضحة: "من الخطر الاعتقاد أن الإرث التاريخي الغني الذي تركته فرنسا في الجزائر سيكون قادراً على حماية علاقتنا ومصالحنا".

وبدأت المؤشرات على تراجع استخدام الفرنسية تتوالى مباشرةً بعد اندلاع الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019، إذ أفاد "مرصد اللغة الفرنسية" (التابع للمنظمة الدولية للفرانكوفونية) بأن عدد المتحدثين بالفرنسية في العالم بلغ قرابة 300 مليون، بينهم 13 مليوناً و800 ألف جزائري، أي ثلث عدد سكان الجزائر البالغ قرابة 42 مليون نسمة.



TRT عربي