لكشفهم فضائح وأسراراً حساسة.. هكذا يلاحق ماكرون الصحفيين بدعوى الأمن الوطني
بعد نشره تحقيقاً صحفياً يفضح مشاركة فرنسا في انتهاكات ضد حقوق الإنسان بمصر، قرَّرت السلطات الفرنسية ملاحقة موقع "ديسكلوز" قضائياً، في مرَّة ليست الأولى التي يلاقى فيها صحفيوه ذلك المصير، بل تُضاف إلى مسلسل قمع الصحافة الذي تنهجه حكومة ماكرون.
احتجاج ضد قانون الأمن العامّ في فرنسا (AFP)

في تحقيق صحفي أخير كشف موقع "ديسكلوز" الاستقصائي أنّ فرنسا تقدّم معلومات استخباريّة للسلطات المصريّة، تستخدمها القاهرة لاستهداف مهرّبين عند الحدود المصرية-الليبية لا إرهابيين بخلاف ما هو متّفق عليه، مستشهداً بـ"وثائق دفاع سرّية" تُظهِر انحراف هذه المهمّة الفرنسيّة عن مسارها.

وحسب الوثائق التي حصل عليها "ديسكلوز" فإنّ "القوّات الفرنسيّة كانت ضالعة في ما لا يقلّ عن 19 عملية قصف ضدّ مدنيّين بين 2016 و2018"، راح ضحيَّتها أكثر من 40 ألف مواطن مصري أعزل، وفق ما صرَّح به الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب سابق له.

وردّاً على هذا التقرير الاستقصائي، قرَّرت وزارة الدفاع الفرنسية ملاحقة صحفيي الموقع قضائياً، ورفعت عليهم يوم الأربعاء دعوى قضائية تتهمهم فيها بـ"انتهاك سرية الدفاع الوطني". وقال المتحدث باسم الوزارة هيرفيه غرانجان خلال مؤتمر صحفي: "اتخذت وزارة الجيوش إجراءات قانونية بعد هذا التسريب الكبير لوثائق سرية"، وتابع بأن ذلك "انتهاك للقانون، ويشكّل خطورة كبيرة، لأن ما يمكن الكشف عنه قد يُظهِر أموراً عن أساليب عمل الجيش، ويمكن أن يعرّض أمن الأشخاص المشاركين للخطر".

فيما ليست هذه هي المرة الأولى التي تلاحق فيها حكومة ماكرون صحفيين من أجل كشفهم الحقيقة، كما أنها ليست أول مرة تتابع فيها صحفيي موقع "ديسكلوز" قضائياً. فيما يُضاف هذا إلى مسلسل الإجهاز على حرية التعبير بفرنسا الذي تنهجه السلطات هناك، على خلفية تزايد الفضائح المتورطة فيها وفشلها في إدارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تهز البلاد.

ليست المرة الأولى

في سنة 2019 استُدعيَ كل من الصحفية فالنتاين أوبرتي من جريدة "كوتيديان" الفرنسية، والمدير التنفيذي لصحيفة "لوموند" لويس دريفوس، إضافة إلى ثمانية صحفيين من موقع "ديسكلوز"، إلى الإدارة العامة للأمن الداخلي (الاستخبارات الداخلية) الفرنسية، للتحقيق معهم في نفس التهمة التي وجهتها وزارة الدفاع مؤخراً إلى الموقع المذكور، إفشاء أسرار الدفاع الوطني، بسبب نشرهم تحقيقاً عن المجازر ضد مدنيين في اليمن بسلاح تبيعه فرنسا للمملكة العربية السعودية.

في نفس السنة استجوبت الإدارة العامة للأمن الداخلي صحفية أخرى، هي صحفية جريدة "لوموند" آريان شومان التي فضحت اعتداء الحارس الخاص لماكرون على متظاهرين بالضرب، في ما بات يُعرف إعلامياً بـ"قضية ألكسندر بنعلا".
مكثت شامان نحو 45 دقيقة في مكتب المحققين، وحكت عن ذلك قائلة: "لقد سألوني كثيراً من الأسئلة حول الكيفية التي اتبعتها لفحص معلوماتي، بطريقة غير مباشرة في محاولة لمعرفة مصادري"، ثم أضافت: "لقد كانوا يفعلون كل شيء لمحاولة إقناعي بأني ارتكبت خطأً خطيراً".

وقتها نظَّم الاتحاد العامّ للصحفيين وقفة احتجاجية أمام مقر الأمن العامّ الداخلي لدعم "جميع الصحفيين الذين استدعتهم الدولة الفرنسية في انتهاك لقانون حرية الصحافة". كما وقع صحفيون كبار من 37 منصة صحفية فرنسية على بيان يدعم الصحفيين الذين استُجوِبوا بشأن تحقيق "ديسكلوز"، قائلين إنهم "يؤدّون فقط وظائفهم".

شرعنة تكميم أفواه الصحفيين

وسنّت حكومة ماكرون قانوناً مثيراً للجدل حول الأمن العامّ، فيه "يعاقَب بسنة سجناً وغرامة 45 ألف يورو مقابل نشر صورة وجه عناصر الشرطة أو الدرك في أثناء تنفيذهم عمليات ميدانية" حسب البند 24 من هذا القانون الذي أثار حفيظة صحفيي فرنسا، إذ يرونَ فيه سلباً لحقهم في حريّة التعبير التي مُتّعوا بها بموجب قانون سنة 1881، الذي يُقِرّ في بنده رقم 35 حقّ نشر صور عناصر جهاز الأمن والجيش بكل أنواعه، في حالة وجود تهم أو خروقات تلاحقهم وجب التعريف بها.

في وجه ذلك الواقع نظّمت النقابات الصحفية، والأحزاب اليسارية وحركة السترات الصفراء، في خريف 2020، مسيرات احتجاجية واسعة تندّد بالمساس بحريَّة الصحافة، حاملين لافتات تنبّه إلى أن حركة "فرنسا إلى الأمام" الحاكمة تقود البلاد نحو الدولة البوليسية. وقالت نقابة الصحفيين في بيان إن ذلك القانون هدفه التعتيم على جرائم العنف البوليسي، كما اعتبرته تعبيراً صريحاً للمقاربة الزبونية التي تتعامل بها وزارة الداخلية مع الملفّ"، إذ تتقرب من خلاله إلى نقابة رجال الشرطة، على حساب حرية التعبير ومهنيي الصحافة.

TRT عربي