تابعنا
يحتفل العالم سنوياً بيوم التغطية الصحية الشاملة  في 12 ديسمبر/كانون الأول، وهو التاريخ الذي يوافق أوّلَ قرار أمميّ يدعو الدول الأعضاء إلى توفير رعاية صحية جيدة وبأسعار معقولة لمواطنيها. ما المشروع؟

يعتبر الاحتفال باليوم الدولي للتغطية الصحية الشاملة حديثاً، إذ بدأ تخليده في عام 2017، ولم يبدأ النقاش حوله إلّا في عام 2012، لكنه يفتح الأبواب أمام آمال بضمان الصحة للجميع.

في 2012، أُوصي بإدراج موضوع التغطية الصحية الشاملة في المناقشات المتعلّقة بخطة التنمية عام 2015، وكان الهدف هو إصدار توصية تخصّ توفير الصحة للسكّان جميعهم وفي جميع المناطق، ومنح الأشد فقراً منهم الحق في التطبيب والعلاج.

وفي سبتمبر/أيلول 2015، اعتُمِد قرار "تحويل عالمنا" الذي وضع خطة تنمية مستدامة عام 2030، التي تؤمِّن ضمن أهدافها التغطية الصحية الشاملة، بما في ذلك الحماية من إتاحة خدمات الرعاية الصحية الأساسية الجيدة، والأدوية، واللقاحات الأساسيّة المأمونة والناجعة والجيّدة ومعقولة التكلفة للجميع.

وتعزَّز هذا المجهود عام 2017، إذ اتخذت الأمم المتحدة قراراً بشأن الصحة العالمية، والاهتمام بصحّة الفئات الأشدّ ضعفاً، وتقرّر عقد اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019، كان الهدف منه تحرّك المجتمع الدولي لبناء عالم أوفر صحة.

وبذلك أُعلن عن الاحتفالِ سنوياً بيوم التغطية الصحية الشاملة العالمي في 12 ديسمبر/كانون الأول، وهو التاريخ الذي يوافق أوّلَ قرار أمميّ يدعو الدول الأعضاء إلى توفير رعاية صحية جيدة وبأسعار معقولة لمواطنيها.

التغطية الشاملة ضرورية للمجتمعات

يجري الترويج للتغطية الصحية الشاملة كأداة للمساعدة في تعزيز حقّ الإنسان في الصحة على نطاق واسع، ويستند إلى عددٍ من الاتفاقيات والوثائق الدولية المؤكدة على الحق في الصحة.

وأُدرج موضوع التغطية الصحية الشاملة في خطة التنمية المستدامة بين عامَي 2015 و2030؛ لأنَّ العديد من الدول تملك بنية تحتية صحية هشّة.

ويترتّب على وجود بُنية صحية متهالكة، إلى جانب عجز الحكومات عن تقديم الرعاية الصحية الشاملة لمواطنيها على الأمد الطويل، تأثيرات سلبية على مستوى الأفراد.

وعلى سبيل المثال، أفاد مسح لمنظّمة الصحة العالمية، أُنجز عام 2022، بأنّ أكثر من 30% من المرافق الصحية في بعض الدول التي شملتها الدراسة لا تتوفر على مصدر مياه نظيفة، ولا تستطيع توفير التعقيم.

هذه الأرقام تُعتبر مرعبة لو علمنا مدى انعكاساتها على الأفراد، والحِمل الاقتصادي على مستوى الفرد أو الدولة، إذ إنّ عدم وجود مواد تعقيم مثلاً يعني زيادة في نسبة الأوبئة والأمراض، فضلاً عن ارتفاع استهلاك المضادات الحيوية والأدوية، وخسارة العديد من ساعات العمل والإنتاج.

ما أهميّة التغطية الصحية الشاملة؟

يُعدّ هذا اليوم مناسبَة وفرصة للتشبيك لفائدة المنظمات العاملة في الشأن الصحيّ، والتضامن لتحقيق صحة أفضل، كما يعتبر مناسبة للضغط على الحكومات التي تتخلَّف عن خطة التنمية المستدامة المعلنة من قبل الأمم المتحدة في المجال الصحي.

وتتجلى أهمية هذه الفاعليات في تعزيز المؤسّسات الصحية بين الدّول وبخاصة الدول الجارة للتعاون بينها، كما يساعدها على التصدي للأزمات الصحية المحلية والإقليمية والعالمية، مثل النزاعات أو الصراعات والحروب، ويحرص على حياديّة القطاع الصحي وعدم استخدامه وسيلة حرب أو تحويله إلى "سوق سوداء".

وعلى مستوى العالم، أثبتت جائحة كورونا أن العالم قرية صغيرة، ولم تُجدِ الأنظمة الصحية المتطورة المحليّة نفعاً في درء السلبيات وحماية السكان من خطر انتقال العدوى من الخارج، ومن بلدان أشدّ فقراً.

وبعد الجائحة، وبسبب سوء توزيع اللقاحات وعدم وجود عدالة في حصول الشعوب عليها، كان لغياب التغطية الصحية الشاملة تأثير سيئ أيضاً، إذ تسبب ذلك في ظهور متحوّرات وشلل لوجيستي في بعض الدّول المهمة، بسبب الحظر (مثل الصين)؛ ممّا سبَّب تضخماً وأزمة اقتصادية ما زلنا نعايش آثارها حتى اللحظة.

مقاربات جديدة لنشر الوعي

يكمن دور وسائل الإعلام في استضافة العاملين في المجال الصحي والتعاون معهم في تحضير مواد بصرية لتوعية الجمهور بما يعنيه توفير التغطية الصحية الشاملة، وما حقوقهم، ومن أين يستطيعون الحصول عليها، ومن المسؤول عن توفيرها.

ويجري ذلك بعد بناء جسور التواصل بين الجمهور والكوادر الطبية والمؤسسات الصحية الفاعلة ميدانياً، ويستعمل في ذلك وسائط مختلفة من قبيل المقالات والفيديو والإنفوغرافكس واللقاءات الصحفية وبرامج التوعية.

إن استخدام التكنولوجيا وتطبيقات الإنترنت والذكاء الاصطناعي والتوسع في الخدمات الطبية عن بُعد، يسهم بشكل مباشر وغير مباشر في وصول السكان إلى الخدمات الصحية، أو يخفف الضغط على المرافق الصحية الموجودة؛ مما يتيح استيعاب حالات جديدة.

وذلك بفضل استخدام هذه التطبيقات والتقنيات في الرد على بعض التساؤلات الصحيّة من قبل السكّان، يمكن الإجابة عنها وهم في منازلهم.

وإذا قمنا ببحث سريع عن الدول التي تعاني نسباً منخفضة من الوصول إلى لخدمات الصحية، سنجد مثلاً أن الدول التي تعاني أو عانت حروباً وصراعات هي الأقل ولوجاً إلى التطبيب، وأن استخدام تقنيات الإنترنت في قطاع الصحة عبر تبني مفهوم "الصحة الرقمية"، يحلُّ جزءاً من مشكلة صعوبة الولوج إلى الصحة وبتكاليف منخفضة.

كما أنه يعيد ربط الكوادر الطبية المهاجرة بمجتمعاتها الأم، وربما يسهمون في تقديم الخدمات الطبية انطلاقاً من دول المهجر.

نظرة على العالم العربي

العديد من الدول العربية المتقدمة أمّنت احتياجات سكانها من الخدمات الطبية في مراكز المدن، وانتقلت إلى تأمين احتياجات السكان الصحية في الأقاليم البعيدة عن المركز، حتى وصلت بعض الدول إلى استخدام الطيران للإسعاف والعيادات المتنقلة أو الجراحة عن بُعد باستخدام الروبوتات مثل السعودية والإمارات.

ولم تغب جهود بعض الدول العربية عن المساهمة في تقديم الخدمات الصحية العابرة للحدود عبر مكاتب العمل الإنساني التابعة لبعثاتها الدبلوماسية، كما أن هناك عديد من الدول العربية التي تبنّت تقنيات الرقمنة في العمل الطبي على المستوى الداخلي، وعلى مستوى خدمة المستفيدين، وتبني سياسات التحوّل الرقمي التي تصب في تحقيق هدف الصحة للجميع.

ماذا عن النموذج التركي؟

من جهتها تعتبر تركيا من الدول التي لديها اكتفاء في ناحية تقديم الخدمات الطبية لسكانها، وتنخرط في مجال سياسة التغطية الصحية للجميع، بفضل بنيات تحتية واسعة، تؤمّن العلاج والدواء داخل المؤسسات الاستشفائية الحكومية.

وتملك تركيا شبكة واسعة من المشافي الخاصة التي تقدم خدمات طبية، بل تتعدى ذلك إلى مجال السياحة العلاجية، ما يعتبر مؤشراً على تحقيق الأمن الصحي.

كما أن الصّناعات الدوائية التركية متقدمة ولديها اكتفاء ذاتي، بل وتُصدّر بعض أصناف الأدوية إلى السوق الخارجية.

وتسهم تركيا عبر منظماتها الإنسانية في بناء مرافق صحية في كثير من الدول، بخاصة غير المستقرة مثل الصومال وشمال سوريا ودول إفريقية إلى جانب دول الجوار.

وتهدف هذه السياسة إلى تخفيف آثار الحروب والنزاعات والأوبئة على نظام الصحة العالمي، كما أن تركيا تستضيف على أرضها مكاتب العمل الإنساني في شمال سوريا، وتقدم التسهيلات اللوجستية اللازمة لعملهم وإيصال الخدمات للمتأثرين من الآثار السلبية للحرب السورية.

أما على أراضيها، فقد قامت تركيا بإنشاء مراكز صحية خاصة بالمهاجرين، يعمل فيها أطباء من المهاجرين أنفسهم، لتحقيق العدالة الصحية، وينبع هذا من سياسة ترفض إقصاء شريحة المهاجرين غير النظاميين ممّن لا يملكون تغطية صحية.

ويعتبر هذا المشروع نوعيّاً في تركيا قياساً بدول الجوار، وهذا إيماناً منها بشعار الصحة للجميع وحق الجميع بالوصول إلى الخدمات الصحية.

ماذا عن النماذج الأوروبية؟

يمكننا الحديث بشكل خاص، وخلال السنوات السابقة، عن غرب أوروبا والدول الإسكندنافية التي عدلت قوانين الهجرة للاستفادة من الكفاءات الصحية الشريدة بين الدول.

وإن كانت هذه الدول معروفةً تاريخياً بتوفير خدمات صحية شاملة، إلّا أنها أضحت تعاني من شيخوخة المجتمع والنقص في الكوادر الطبية، ما تحاول تجاوزه من خلال سياسات جديدة.

واستقطبت هذه الدول المهاجرين لتغطية مساحات واسعة في أراضيها تعرف بـ"الصحارى الطبية" في فرنسا وألمانيا مثلاً، لرفع كفاءة النظام الصحي لديها، وتحقيق التقدم في التغطية الطبية لمواطنيها وبناء أنظمة صحية ذات متانة أعلى.

ويمكن القول إنَّ الاحتفال باليوم الدولي للتغطية الصحية الشاملة، يأتي في إطار طموح دولي بتوفير الصحة لأكبر عدد من الأفراد؛ ممّا سينعكس في آخر المطاف على رفاهية المجتمعات على اختلاف قدراتها وعدد سكانها.

ولهذا الغرض، يجري التفكير في بناء خطط التنمية الصحية، كما أن دعم مشاريع الصحة للجميع يساعد في تمكين الإنسان لضمان الاستقرار، فلا يمكن لإنسان أن يستقر في مكان يشعر أنه يجبره على صرف كثير من الأموال من أجل الحصول على الخدمات الصحية وأحياناً من دون فائدة مرجوة، وهو ما يسبّب، إضافة إلى العوامل المناخية والاقتصادية، نشوء النزاعات والحروب ويؤثر في آخر المطاف على الدول المستقرة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً