كيف تساعد إسرائيل الحكومات الأوروبية على قمع شعوبها؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة تشهد المدن الفرنسية مسيرات احتجاجية مناصرة للشعب الفلسطيني ومنددة بانحياز حكومة ماكرون لإسرائيل. بالمقابل، واجهت الشرطة الفرنسية هذه المظاهرات بالمنع أولاً، وبعدها بقمع شرس عندما أصرّ المحتجون على الخروج، وإطلاق حملة اعتقالات واسعة ومتابعة المشاركين بغرامات مالية.

ولعبت الطائرات المسيّرة دوراً كبيراً في عمليات المتابعة، إذ جرى استخدامها من قِبل رجال الأمن في تصوير المظاهرات من الجوّ "لمنع وقوع أحداث من شأنها المساس بالأمن العام"، وفق مذكرة نشرها رئيس شرطة العاصمة، فيما توجد شكوك حول الاعتماد على أنظمة التعرف على الوجوه في تحليل تلك الصور الملتقطة، وهو ما لم يؤكَّد إلى الآن.

من جهة أخرى، وفي آخر تحقيقاتها، كشفت منظمة ديسكلوز الصحفية أن الشرطة الفرنسية استخدمت بشكل سرّي نظام ذكاء صناعي متطور للتعرف على الوجوه، كانت قد حصلت عليه من إسرائيل. ذلك حتى قبل أن يصدر أي قانون يسمح لها باستخدام هذه الأنظمة، ما يجعل عملها ذاك غير قانوني.

وهذه ليست المرة الأولى التي تزود فيها إسرائيل الحكومات الأوروبية بأنظمة تجسس وتعرف على الوجوه، بل تُعَدّ الدولة العبرية أهم مورد لمثل هذه الأنظمة للحكومات الأوروبية، التي تستخدمها لقمع الشعب وملاحقة المعارضين.

شرطة فرنسا وأنظمة التعرف على الوجوه

منذ سنوات تسعى الداخلية الفرنسية إلى إدخال منظومات التعرف على الوجوه إلى ترسانتها الأمنية، مبررة ذلك بحاجة أجهزة الأمن إلى تلك الأداة في مواجهتها لأخطار مختلفة. لكنها لم تحصل على موافقة المشرعين إلا في يوليو/تموز المنصرم بدعوى الحاجة إليها لتأمين أولمبياد باريس 2024.

غير أن هذه الموافقة لم تكُن بالنسبة إلى الداخلية الفرنسية سوى إجراء شكليّ، إذ عمدت إلى استخدام نظام إسرائيلي للتعرف على الوجوه منذ عام 2015 دون أي سند قانوني لذلك الاستخدام، وفق ما كشفته تحقيقات منظمة ديسكلوز.

وحسب وثائق سرية للداخلية الفرنسية، تحصلت عليها ديسكلوز، فإنّ الشرطة الفرنسية تستخدم منذ ثماني سنوات نظام Briefcam الإسرائيلي للتعرف على الوجوه. ويتيح هذا النظام تحليل الوجوه وتتبع شخص على شبكة كاميرات، كما تجري متابعة المركبات باستخدام لوحة ترخيصها أو فحص عدة ساعات من مقاطع الفيديو في دقائق قليلة.

واختارت الداخلية الفرنسية أن تجرب هذا البرنامج الإسرائيلي أولاً من خلال مديرية الأمان العامة (DDSP) في منطقة سين-إي-مارن. وبعد عامين من ذلك، في عام 2017، جرى نشره بشكل أوسع، إذ جرى تزويد أجهزة الشرطة في مناطق رون والشمال والألب البحرية وهوت-غارون بالبرنامج.

بالإضافة إلى هذا جرى استخدام هذا النظام أيضاً من طرف وحدة الخدمات الفنية المساعدة (SIAT) التابعة للاستخبارات الداخلية الفرنسية، التي تقوم عادة بعمليات التجسس ورصد الهواتف واختراق بيانات المشتبه بهم.

والتزمت وزارة الداخلية الفرنسية السرية التامة إزاء استخدامها هذا البرنامج، على الرغم من توظيفها له بشكل مكثف، حسبما كشف مصدر مطلع لديسكلوز. وأضاف المصدر أن هذا الاستخدام يجري دون مراقبة أو إذن قضائي، إذ "يمكن لأي شرطي يعمل في خدمة مجهزة بالنظام أن يطلب استخدام Briefcam عند تقديم فيديو أو صورة".

كيف تساعد إسرائيل الحكومات الأوروبية على قمع شعوبها؟

وليست فرنسا حالة شاذة في القارة العجوز، إذ دأبت الحكومات الأوروبية على التزود بأنظمة التجسس والتعرف على الوجوه من إسرائيل، واستخدامها في ملاحقة واختراق بيانات النشطاء والمعارضين السياسيين.

ففي اليونان عام 2021 تنصتت الحكومة على مكالمات زعيم تحالف الحركة من أجل التغيير اليسارية المعارضة لثلاثة أشهُر متتالية، كما اخترقت هواتف صحفيَّين معارضَين آخرَين باستخدام برنامج بريداتور الإسرائيلي للتجسس، في فضيحة أُطلق عليها إعلامياً اسم ووترغيت اليونانية.

وحسبما كشفت منظمة مراسلون متحدون في يونيو/حزيران 2022، فإنّ رئيس المخابرات اليونانية غريغوريس ديميترياديس كان له تعاملات تجارية غير مباشرة مع الشركة المالكة لبرنامج بريداتور من خلال وكيل لمراقبة السياسيين المعارضين.

وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي كشفت تحقيقات صحفية أن شركة Intellexa الإسرائيلية المصنِّعة لبرنامج التجسس بريداتور اتخذت من أثينا مركزاً لنشاطها الدولي.

وجرى تأسيس شركة Intellexa على يد ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي يدعى تال ديليان، وتُعَدّ اليوم أكثر الشركات من نوعها نشاطاً في الفضاء الأوروبي، إذ تتوفر على مكاتب في قبرص واليونان وأيرلندا والمجر والتشيك وفرنسا. كما لبرنامجها بريداتور كثير من الزبائن الأوروبيين، من بينهم النمسا وألمانيا وسويسرا، وفق ما ذكرته منظمة العفو الدولية.

وفي عام 2022 صدرت اتهامات كثيرة حول استخدام حكومات كل من المجر وبولندا وإسبانيا لرنامج بيغاسوس للتجسس على مواطنيها، هذا البرنامج الذي تصنعه شركة NSO الإسرائيلية.

وقالت الهولندية صوفي فيلد، في تقرير قدمته للبرلمان الأوروبي عن استخدام بيغاسوس، إنّ هذا الاستخدام "عنصر لا ينفصل عن النظام المصمم للسيطرة على المواطنين وحتى قمعهم (...)، ويمكنه استهداف أي منتقد للحكومة وشخصيات المعارضة والصحفيين والمبلغين عن الخروقات الحكومية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً