ماذا بعد شكوى جنوب إفريقيا بإسرائيل أمام المحكمة الدولية؟ / صورة: AP (Mike Corder/AP)
تابعنا

رفعت جنوب إفريقيا، يوم الجمعة، دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، متهمةً إياها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في حق سكان قطاع غزة، وطالبت المحكمة بأخذ إجراءات من أجل حماية الفلسطينيين خلال الحرب الانتقامية التي يخوضها الاحتلال ضد القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

بالمقابل، أعلنت إسرائيل موافقتها على المثول أمام المحكمة، ومواجهة ما سمّته "الاتهامات السخيفة" التي وجهتها لها جنوب إفريقيا.و ينذر هذا التطور بمعركة قضائية شرسة، باعتبارها المرة الأولى التي تجري فيها مقاضاة إسرائيل على الانتهاكات التي ترتكبها في حق الفلسطينيين.

جرّتها إلى القضاء

ووفقاً لبيان المكمة الدولية، أشار نص الدعوى إلى أن أفعال إسرائيل "تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المحدد المطلوب" لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية.

كما أن سلوك إسرائيل "من خلال أجهزة الدولة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها" يشكل انتهاكاً لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.

وذكرت الدعوة أيضاً أن إسرائيل، ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فشلت في منع الإبادة الجماعية وفشلت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية"، وأن الدولة العبرية "تورطت، وتتورط، وتخاطر بالتورط في المزيد من أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة".

وطالبت جنوب إفريقيا المحكمة باتخاذ إجراءات مؤقتة من أجل حماية الفلسطينيين في غزة "من أي ضرر جسيم إضافي وغير قابل للإصلاح" بموجب معاهدة مناهضة الإبادة الجماعية، ولضمان "امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعدم المشاركة في الإبادة الجماعية، ومنعها والمعاقبة عليها".

ولأول مرة في تاريخها، وافقت إسرائيل على الوقوف أمام محكمة العدل الدولية، من أجل الطعن في الدعوى المرفوعة ضدها من جنوب إفريقيا. وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، في بيان مساء الاثنين، إن بلاده "لقد وقعت على اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية منذ عقود، ومن المؤكد أننا لن نقاطع هذه المعاهدة، بل سنقف ونتصدى للمؤامرة الدموية العبثية ضدنا".

وأكده المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي، يوم الثلاثاء، بقوله: "ستمثل دولة اسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لتبديد افتراءات جنوب إفريقيا الدموية السخيفة (...) ونؤكد لقادة جنوب إفريقيا أن التاريخ سيحكم عليكم، وسيحكم عليكم بلا رأفة".

وأصدر نتنياهو تعليماته للمستوى الدبلوماسي والمؤسسة العسكرية والجهاز القضائي بتشكيل فريق وزاري مشترك، شرع في التحضير لصياغة لائحة دفاع للرد على الالتماس الذي تقدمت به جنوب إفريقيا للمحكمة في لاهاي، والذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

وحسب ما أعلنه المتحدث باسم وزارة العلاقات الدولية في جنوب إفريقيا كلايسون مونيلا، حددت العدل الدولية يوم 11 يناير/كانون الثاني الجاري لعقد الجلسة الأولى للنظر بطلب محاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في حربها على غزة.

ليست أول تحرك في المحكمة الدولية

وعلى الرغم من أنها أول مرة تقف فيها إسرائيل أمام المحكمة الدولية، ليس هذا أول تحرك قضائي ضدها، منذ إطلاقها الحرب الانتقامية على قطاع غزة. وتعد الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا فارقة، لأنها استخدمت ورقة الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية، التي تعد إسرائيل أحد الموقعين عليها.

وقبل هذا، تصدَّرت تركيا المشهد أمام "الجنائية الدولية"، إلى جانب خمس دول، قدَّمت شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بخصوص جرائم الحرب في غزة. وباشرت أنقرة في وقت مبكر من العدوان الإسرائيلي جمع الأدلة لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية، وتقديم ملف الإدانة إلى محكمة الجنايات الدولية، إلى جانب جيش من المحامين الدوليين.

وصرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قائلاً: إن تركيا ستبذل قصارى جهدها لمعاقبة إسرائيل على جرائمها بحق الفلسطينيين في المحافل الدولية. وأضاف أن بلاده تملك أدلة كثيرة لمتابعة الحكومة الإسرائيلية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولن تتخلّى عن هذا الأمر حتى لو توقف الجميع.

وذكر الرئيس أردوغان أن أكثر من ألف محامٍ تقدَّموا بطلبات إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في هذه الجرائم، وأن الطلبات ما زالت مستمرة.

وأشار بيان للجنائية الدولية إلى أن النيابة العامة تُجري حاليّاً تحقيقاً بشأن الأوضاع في دولة فلسطين، موضحاً أن التحقيق المذكور بدأ بتاريخ 3 مارس/آذار 2021 ويغطي الأعمال المرتكبة في غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية منذ 13 يونيو/حزيران 2014، التي قد تدخل في نطاق الجرائم المنصوص عليها في نظام روما.

كما قدّم نحو 650 محامياً من مختلف أنحاء العالم، شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يؤكدون فيها جرائم الاحتلال، وحق الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم أمام العدالة الجنائية الدولية.

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قدم اتحاد نقابات المحامين في تركيا شكوى ضد إسرائيل لدى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائمها ضد الإنسانية في غزة. وصرّح رئيس الاتحاد أرينج صاغقان: "سنواصل رفع صوتنا بأقوى صورة ممكنة ضد الجرائم الكبرى بحق الإنسانية، وسنواصل أيضاً نضالنا القانوني لمحاسبة المسؤولين عنها أمام القضاء".

ماذا بعد دعوى جنوب إفريقيا؟

يجمع المتخصصون في القانون الدولي أن تهمة الإبادة الجماعية ثابتة في حق إسرائيل. وبحسب المحامي الفرنسي جيل ديفرز، المعروف بمناصرته للقضية الفلسطينية، فقد قال في حديث سابق لـTRT عربي: "نحن لسنا أمام جريمة حرب أو جريمة بحق الإنسانية، نحن أمام إبادة جماعية".

ويرى محللون أن اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية هو إجراء مؤلم للدولة العبرية. ذلك باعتبار المحرقة النازية، التي قُتل فيها ملايين اليهود، كانت بمنزلة الدافع وراء المعاهدة التي تتهم إسرائيل الآن بانتهاكها.

بالمقابل، واعتباراً من سوابق المحكمة الدولية في مع عدة أطراف بارتكاب إبادة جماعية، مثل القضية التي رفعتها غامبيا على ميانمار عام 2019، فإن هذه القضايا قد تأخذ سنوات ليجري البث في حكم فيها.

لكن الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا تتضمن طلباً من المحكمة الدولية أن تصدر بشكل عاجل أوامر مؤقتة ملزمة قانوناً لإسرائيل "بتعليق عملياتها العسكرية على الفور في غزة وضدها". ومن الممكن أن تصدر المحكمة مثل هذه الأحكام، كما كان الحال في القضية التي رفعت على روسيا عقب حربها على أوكرانيا لكن جرى تجاهل تنفيذها، وهو ما يمنح إسرائيل أيضاً إمكانية التجاهل.

ومع ذلك، فإن الحكم لمصلحة جنوب إفريقيا والفلسطينيين قد يزيد من الضغوط الكبيرة على إسرائيل وداعمها الأول الولايات المتحدة. وبحسب سارانج شيدور، مدير معهد "كوينسي" للأبحاث ومقره واشنطن، فإن "إدارة بايدن معرّضة بشكل متزايد للحرج أمام المعارضين المحليين للحرب والاتهامات الدولية بازدواجية المعايير"، وبالتالي فإن الحكم ضد إسرائيل قد يكون له "تداعيات على مكانة الولايات المتحدة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً