كيف تضيّق فرنسا الخناق على المُسلمات باسم العلمانية؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

أعلنت الحكومة الفرنسية، يوم الأحد، سعيها لحظر ارتداء العباءة التي ترتديها الفتيات المسلمات في المدارس، مبررةً قرارها بأن "علمانية الدولة" تمنع على الطلاب إظهار العلامات الدينية. فيما ليست هي المرة الأولى التي تقر فيها السلطات في فرنسا قانوناً يضيّق على حريات الجالية الإسلامية هناك، وبالأخص النساء المسلمات.

ولقي قرار الحكومة انتقادات واسعة في الأوساط السياسية والحقوقية في البلاد، إذ عَدّ البعض الأمر أحد تمظهرات الإسلاموفوبيا الممنهجة داخل الطبقة السياسية الحاكمة في باريس، و"هوساً مرضياً" من السلطات بالتحرش بالمسلمين.

فرنسا تحظر العباءة

يوم الأحد، أعلن وزير التربية الفرنسي غابرييل أتال، أنه "سيحظر ارتداء العباءة في المدارس"، مشدّداً على سعيه لوضع "قواعد واضحة على المستوى الوطني" لمديري المدارس من أجل تطبيق هذه القرارات "انطلاقاً من الأسبوع المقبل"، حسب تصريحات الوزير لقناة "TF1" المحلية.

وبرر الوزير الفرنسي قراره بالقول إن "مدرسة الجمهورية تقوم على مبادئ قوية على رأسها العلمانية. بالنسبة لي العلمانية هنا واضحة وتعني أنه لدى دخولكم إلى أي صف مدرسي، يجب أن لا تكونوا قادرين على معرفة ديانة التلاميذ بمجرّد النظر إليهم".

ومنذ شهور تشهد الأوساط الفرنسية جدلاً حول موضوع ارتداء العباءة داخل المدرسة، تحركه مجموعة من وسائل الإعلام والسياسيين اليمينيين. وبعد أن تولى أتال حقيبة التربية الوطنية والشباب، نهاية يوليو/تموز، لم يدخر جهداً في إعلان نيته حظر ارتداء هذا اللباس، معتبراً إياه "مظهراً دينياً يرمي إلى اختبار مدى مقاومة الجمهورية".

ونفى المجلس الفرنسي للديانة الإسلاميّة أن تكون مسألة ارتداء العباءة مظهراً دينياً، وهو ما يفرغ قرار الحكومة الفرنسية من مبرراته. فيما أشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن "اليمين واليمين المتطرف مارسا ضغوطاً من أجل إصدار قرار الحظر".

"هوس مرضي" بالمسلمين!

وفي وقت تشهد فيه البلاد مستويات تضخم مرتفعة، تجعل من توفير مستلزمات الدخول إلى المدرسة مهمة عسيرة أمام عدد كبير من الأسر الفرنسية، وأزمة السكن الواسعة التي تهدد المسار الدراسي لعدد من طلاب الجامعة كما النقص الحاد في المدرسين. اختارت الحكومة الفرنسية عوض حل هذه المشكلات الرئيسية للتعليم، التوجه نحو "محاربة العباءة" وإثارة جدل في مكان آخر. كما يرى محللون.

وأثار القرار امتعاض عدد من الفعاليات السياسية اليسارية والحقوقيين، على رأسهم الزعيم السابق لحركة "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشان، الذي غرد تعليقاً على قرار أتال: "من المحزن أن نرى أن الدخول المدرسي يشهد استقطاباً سياسياً من خلال حرب دينية جديدة، سخيفة ومصطنعة بالكامل، حول لباس المرأة. متى سيكون هناك سلم أهلي وعلمانية حقيقية توحّد الشعب بدلاً من إثارة سخطه؟".

في السياق ذاته، قالت كليمنتين أوتان، نائبة حزب "فرنسا الأبيّة"، إن قرار حظر العباءة "غير دستوريّ" و"مخالف للمبادئ التأسيسيّة للعلمانيّة"، كما أنّه من أعراض "الرفض المهووس للمسلمين" من جانب الحكومة.

وغرّد النائب دافيد غيرود، عن نفس الحزب اليساري، منتقداً إهمال أتال المشكلات الحقيقية التي يعانيها الفرنسيون مع الدخول المدرسي، قائلاً: "أول قرار لوزير التربية الوطنية الجديد (أتال) لن يكون فتح مدارس جديدة، ولا زيادة في رواتب المدرسين، ولا فتح مناصب لدعم الطلاب ذوي الإعاقة، بل حظر الملابس. استخلص استنتاجاتك".

وعبّر عز الدين الطيبي، عمدة مدينة ستان، في الضاحية الباريسية، عن سخطه إزاء القرار، قائلاً: "بدأ غابرييل أتال العام الدراسي الجديد تحت شعار الإسلاموفوبيا (...) دون أي حديث عن تعويض نقص المعلمين وزيادة إمكانات المدارس! يا له من تشويش ممنهج (للرأي العام عن المشكلات الحقيقية للتعليم) وتغذية لشعبية التجمع الوطني (اليميني المتطرف)!".

من حظر الحجاب إلى حظر العباءة

لطالما كان لباس المرأة المسلمة أداة تضييق تستخدمها الحكومات الفرنسية المتعاقبة على المسلمين لديها، منذ حظر الحجاب في المدارس الذي سنته حكومة الرئيس السابق جاك شيراك، في مارس/آذار 2004.

واستمرت هذه التضييقات وصولاً إلى الجدل حول "البوركيني"، لباس السباحة النسائي الذي يستر كل الجسد، والذي أعلنت السلطات الفرنسية حظره عام 2016 من المسابح العامة. وعلى الرغم من أن هذا اللباس لا يخرق قانون منع تغطية الوجه في فرنسا، فقد هوجم من طرف الأصوات اليمينية على أنه تمظهر إسلامي يناقض العلمانية.

وفي عهد ماكرون، تضاعفت هذه التضييقات على لباس المسلمات، منذ الإعلان عن "قانون محاربة الانعزالية"، الذي عُدّ وقتها محاولة لوضع مسلمي البلاد كبشَ فداء للمعركة الانتخابية التي كان يحضّر لها الرئيس الفرنسي، وبالتالي رسم هذا القانون الإسلاموفوبيا الممنهجة التي تمارسها حكومته إلى اليوم.

وقبل قرار حظر العباءة بأسابيع قليلة، خرجت الرابطة الفرنسية لكرة القدم بقرار منع اللاعبات المسلمات في الأندية والفرق المحلية من ارتداء الحجاب. بل وأكثر من ذلك، لم يتوانَ عدد من الوجوه الإعلامية الفرنسية عن التعبير عن حقدهم الشديد على هذا اللباس، عبر انتقاد لاعبة المنتخب المغربي نهيلة بن زينة في أثناء مشاركتها بمونديال السيدات الأخير.

وأثار قرار الرابطة الفرنسية منع اللاعبات المحجبات امتعاض عدد من الفعاليات الحقوقية في فرنسا، بينها جمعية "الحجابيات" الفرنسية، التي عدّت القرار تمييزاً عنصرياً على أساس العِرق والدين يستهدف المسلمين ذوي البشرة السمراء.

TRT عربي
الأكثر تداولاً