انتقادات واسعة تلاحق ماكرون عقب انقلاب النيجر (Others)
تابعنا

نفت فرنسا بشدة، يوم الأربعاء، الاتهامات التي وجهها إليها المجلس العسكري في النيجر بخرقها المجال الجوي النيجري خلال نهاية الأسبوع، وعملها على زعزعة استقرار البلاد بإطلاق سراح مقاتلي الجماعات المتطرفة الذين كانوا معتقلين لديها.

وأوضح "المجلس الوطني لحماية الوطن" الذي يتولى السلطة في النيجر عقب انقلاب 26 يوليو/تموز الماضي، في بيان يوم الأربعاء، أن "طائرة عسكرية" تستخدمها "القوات الفرنسية" أقلعت عند الساعة 6:01 صباحاً من نجامينا في تشاد وتعمّدت "قطع كل الاتصالات مع المراقبة الجوية لدى دخولها مجالنا الجوي بين الساعة 6:39 و11:15 بالتوقيت المحلي".

وأضاف المجلس بأن فرنسا قامت بإطلاق سراح "إرهابيين"، كانوا معتقلين لديها، وأن هؤلاء شاركوا بعد الإفراج عنهم "في اجتماع تخطيط" لهجوم على "مواقع عسكرية في منطقة الحدود الثلاثة" بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي.

بينما تعد هذه آخر فصول سوء العلاقات بين باريس ونيامي، التي كانت لوقت قريب تعد آخر حلفائها في منطقة الساحل، عقب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم. وبذلك تلقى النفوذ الفرنسي في القارة السمراء صفعة مدوية، قد تطرده نهائياً من غرب القارة، بعد أن نجحت في إخراجه من كل من مالي وبوركينا فاسو.

وتلقى الرئيس الفرنسي انتقادات داخلية واسعة جراء ما آلت إليه الأوضاع في البلد الإفريقي، حمّلت جلها لسياساته المسؤولية الكبرى في فقدان البلاد حليفها الأوثق في غرب إفريقيا.

"ماكرون هو السبب!"

خلال حملته الانتخابية الأخيرة، في أبريل/نيسان 2022، تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتغيير جذري لسياساته مع إفريقيا، واستبدالها بسياسات جديدة تقوم على إنشاء شكل جديد من التحالفات مع دول القارة تكون أكثر تكافؤاً، بالإضافة إلى العمل على صيانة الذاكرة، والإصغاء إلى الشباب الإفريقي وتطلعاته.

وهو ما برز جلياً في الانتقالات الأخيرة التي أجراها الرئيس الفرنسي في القارة السمراء، وأبرزها زيارته في شهر فبراير/شباط الماضي إلى كل من أنغولا والكونغو الديمقراطية، التي قرأ فيها مراقبون سعيه للبحث عن حلفاء لم يكونوا قبل ذلك تقليديين لباريس.

غير أن صفعة النيجر الأخيرة كشفت فشل هذه السياسات، وأثارت حول الرئيس الفرنسي زوبعة من الانتقادات. أولها كان من البرلمان، إذ وجه نحو 94 عضواً بمجلس الشيوخ الفرنسي رسالة مفتوحة إلى الرئيس، انتقدوا فيها سياسته تجاه إفريقيا وحمّلوها مسؤولية المشاعر المعادية لفرنسا التي تنتشر في القارة السمراء.

دعت الرسالة، التي نشرتها صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، الاثنين، ماكرون إلى مراجعة سياسة فرنسا في إفريقيا. وأشار فيها النواب الفرنسيون إلى أن فشل عملية برخان كان في جزء كبير منه بسبب العداء لفرنسا ووجودها الاقتصادي والسياسي والعسكري في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى.

وفي السياق ذاته، اتهمت الاستخبارات الفرنسية الحكومة بالتقاعس في التفاعل مع التنبيهات التي كانت تقدم بشأن إعداد انقلابات في دول الساحل. وحسب بيرنارد إيميي، رئيس "المديرية العامة للأمن الخارجي" الفرنسية، فإن أجهزته حذرت في أكثر من مرة من التحضير لانقلابات في إفريقيا، لكن الحكومة تجاهلت هذه التحذيرات.

وتأتي انتقادات الاستخبارات للحكومة الفرنسية، عقب امتعاض ماكرون من أداء الأجهزة الاستخباراتية وتحملهم مسؤولية الفشل في توقع الانقلاب. وفي اجتماع بقصر الإليزيه، يوم الأحد 30 يوليو، وبَّخ ماكرون رئيس مخابراته قائلاً: "إن أداء المديرية ليس مرضياً. عندما لا ترى أن هناك شيئاً قادماً، فهناك مشكلة".

وفي السياق ذاته، انتقدت الصحافة الفرنسية سياسات ماكرون في إفريقيا، معتبرة أنها السبب في نزيف الحلفاء الذي تشهده بلادهم هناك. وكتبت جريدة "ليبراسيون" الفرنسية، بأنه "على الرغم من الرغبة التي أظهرها منذ انتخابه في تغيير صورة فرنسا في إفريقيا، فقد نجح الرئيس بنفسه في الإجهاز عن كل أحلامه الدبلوماسية تلك".

وقالت الجريدة إن تصرفات ماكرون في أثناء زيارته لبوركينا فاسو وإحراج رئيسها بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء، كانت كفيلة كي تشعر البوركينابيين بالإذلال وتؤجج فيهم مشاعر معادية لفرنسا.

نهاية النفوذ الفرنسي في إفريقيا؟

عرفت منطقة الساحل والصحراء خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يُقدر بـ8 انقلابات على الأقلّ، إذ شهدت مالي انقلابَين عسكريَّين، الأول في أغسطس/آب 2020 والثاني في مايو/أيار 2021. وفي بوركينا فاسو حدث انقلابان أيضاً عام 2022، وفي غينيا حدث انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 2021. وفي العام نفسه قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين.

على حين معظم هذه الانقلابات تصب ضد مصالح فرنسا في المنطقة، التي كانت حتى وقت قريب تعدها باريس منطقة نفوذ لها، عبر شبكة شركاتها التي تعمل هناك في قطاعات متعددة، على رأسها التعدين واستخراج النفط. كما للوجود العسكري الفرنسي هناك منذ 2013، عبر كل من عمليتي "بارخان" و"سابر".

وفي أغسطس 2022، سُحب آخر جندي فرنسي من مالي. بينما استمرت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في التدهور. في بوركينا فاسو هي الأخرى، طلبت السلطات العسكرية من فرنسا، شهر يناير/كانون الثاني الماضي، سحب جنودها من البلاد، لتعلن بعدها في فبراير إنهاء عملية "سابر" التي كانت تقودها القوات الفرنسية هناك.

وحسب إيفان جويشاوا، أستاذ الأبحاث في مدرسة بروكسل للدراسات الدولية، فإنه: "في مالي، استمر تدهور العلاقات مع فرنسا عدة أشهر. بداية من يوليو 2021 على خلفية المفاوضات بين المجلس العسكري المالي ومجموعة فاغنر الروسية، لتتوج بإقالة السفير الفرنسي المعلن في 31 يناير 2022. وفي بوركينا فاسو سارت الأمور بشكل أسرع: اتفاقيات التعاون العسكري مع إدانة فرنسا بعد أربعة أشهر من الانقلاب الثاني في 30 سبتمبر 2022".

ويخلص الباحث، مشيراً إلى الاندحار الكبير الذي شهدته فرنسا في إدارتها الأحداث، إلى أنه "في كلتا الحالتين، تركت الأحداث فرنسا وراءها في حالة من الذهول".

وفي تصريحات سابقة له لـTRT عربي، أكد فيها الخسارة الكبيرة التي مني بها النفوذ الفرنسي في الساحل، قال المحلل السياسي غازي معلى: "فرنسا الآن في ضعف كبير جداً وهي تفقد مناطق نفوذ مهمة جداً في إفريقيا وخاصة منطقة الساحل، إذ كانت مالي أول نقطة تفقدها فرنسا''.

TRT عربي
الأكثر تداولاً