محاكمة الموقوفين بتهمة تنفيذ هجوم على موكب أمير سعودي في فرنسا (AFP)
تابعنا

يوم السبت الماضي خرج الفرنسيون محتجّين على تصاعد المدّ العنصري الذي اجتاح مجتمعهم، ومنددين بالانحراف الخطير الذي تسير نحوه الحكومة، وهي تُزايد على حزب لوبان في مَن بينهما الأكثر اضطهاداً للمسلمين والمهاجرين والأقليات الإثنية والدينية الأخرى؟. في واقعٍ أكثر ما يُذكِّر بمرحلة ما قبل النازية، الآلاف التي خرجت، سواء في باريس أو مدن أخرى، توحدت كلُّها على الهتاف: "أن تقاوم اليمين المتطرِّف هو أن تقاوم ماكرون".

وفي هذا السياق المحتدم، يندرج خطر الجماعات المسلَّحة اليمينية المتطرِّفة، والتي لا تقلّ تهديداً ولا إرهاباً للبلاد مِن التنظيمات الأخرى المصنّفة إرهابية.

انحراف الماكرونية واليمين المتطرِّف

ويرى مراقبون أنّ انحراف الماكرونية نحو اليمين المتطرِّف مثّل البيئة المناسبة لتنامي "الجماعات الإرهابية البيضاء" مِن الناحية الأيديولوجية، فالمزايدات بين الحزب الحاكم ونظيره "التجمّع الوطني" منحت هذه الجماعات المسلَّحة مجالاً واسعاً لاستقطاب عناصر مقاتلة في صفوفها. فيما التسليح قادم في أغلبه من دول البلقان، حيث الطبقة السياسية لتلك الدول تربطها علاقات وثيقة باليمين المتطرِّف الأوروبي، وحيث إنّ جنود ماكرون أنفسهم متورِّطون في الإتجار به وتهريبه إلى خلايا اليمين المتطرّف بالبلاد.

والحصيلة، كما وردت على لسان رئيسة شُعبة مكافحة الإرهاب بمحكمة باريس، قولها: "كنّا فيما مضى نتعامل مع إرهاب اليمين المتطرف باعتباره حالات فرديَّة، الآن نحن أمام مشروع إرهابي متطوّر جداً". وكما كشفت جريدة "Le Monde" هذه المرة أنّ إحدى الجماعات الإرهابية التي فُكّكتْ تتكون من 1000 عضو نشيط، وتبلغ دائرة تأثيرها إلى 2000 شخص. بما فيها تلك التي فُكّكتْ سنة 2018 على يد أجهزة الأمن الفرنسية، وهي مجموعة إرهابيَّة باسم "حركة القوّات الخاصة" أو كما يُرمز إليها اختصاراً بالفرنسيَّة AFO، والتي كانت تعمَد إلى تنفيذ هجامات مسلَّحة ضد مسلمي البلاد.

داخل منظَّمة AFO

"لم تكن لنا نيَّة القتل.. فكرة التحضير للّحظة التي سيكون لِزاماً علينا فيها قتل الأئمَّة وأتباعهم المسلمين منتشرة بين أعضاء الجماعة، لكنّها لم تكن واقعيَّة"، يُنكر "أخيل" (اسم حَركي)، أحد رؤوس الجماعة الإرهابيَّة اليمينيَّة المتطرفة. فيما أنّ الحقيقة، كما يكشفها تحقيق Médiapart نقلاً عن محاضر محاكمة الخليَّة، تقول إنّ المدعو "أخيل" كان أحد "الرجال السود" في المجموعة المسلَّحة، وقُبض عليه وهو يتحضَّرُ لتجريب إلقاء قنبلة على شجرة، تحضيراً لإلقائها على شخص مسلم.

"الرّجال السّود" هم الضّباط المنفذون للعملية المسلَّحة التي تخطط لها الخليَّة، وهم أحد أعلى مراتب تراتُبيَّتها. كما تقتصر وظيفتهم على الرّجال، وسِمتهم أنّهم يتَّشحون بلبس السواد التّام. وحسب نفس التراتبية، التي يحكمها نظام صارم لِلّباس: فالأبيض مخصص للنشطاء العاديين، وهم القاعدة الأوسع. أما الرمادي فللمسؤولين عن التحضيرات اللوجيستية والتدريبات. وحسب ما كشف التحقيق فإنّ الرجال السود يُعدّون بالعشرات.

من بين أعضاء الجماعة نجد رجال شرطة أو جيش سابقين، كانوا منتمين لجماعات يمينية متطرِّفة، كما الحال عند قائد أركانها "سوفينيي" (كما يرمز له التحقيق المذكور)، وهو الذي يبلغ مِن العمر قرابة 70 سنة، كان أحد أفراد منظَّمة "الجيش السّري" الفرنسية، والتي أُوجدت لمحاربة المقاومة الجزائرية، ويُنسب إليها عددٌ كبير مِن الجرائم، كقتل أسرى الحرب أو قصف قصبة الجزائر العاصمة، وهي التي اغتالت الكاتب والمثقّف الجزائري الكبير مولود فرعون.

وتقول التحقيقات إنّ المنظّمة كانت على درجة عالية مِن التجهيز، حيث تتراوح ترسانتها بين الأسلحة الخفيفة والرشاشات الأوتوماتيكية والقنابل. كما لها خبرة في التمويه والتخفّي. فقد كانت تستعمل تقنيّات متطوِّرة لحجب هوياتها، وتشويش الاتصالات بين أفرادها. بينما تضمَّن مخططها عمليات قتالية مسلَّحة ضدَّ المسلمين، وعمليَّات تسميم للمنتجات الحلال بأسواق البلاد.

في الـ24 من يونيو/حزيران أُلقي القبض على التنظيم الإرهابي، عبر زرع جاسوس بين أعضائه، الذي استدرجهم إلى تلبّسهم بالجرم قبل أن تدهمهم الشرطة الفرنسية، وتنكشف بعدها خيوط شبكة إجرامية:" تبشِّر بحرب جديدة على التراب الفرنسي" وتدَّعي "تحضيرها للمواطنين من أجل هذه الحرب".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً