منبر إعلان الفوز.. ماذا تعرف عن "خطاب الشرفة" في تركيا؟ / صورة: AP (AP)
تابعنا

قليل من اللحظات يحفر بذاكرة الشعوب في عالم السياسة، من أهمها تلك الخطب التي يلقيها القادة بعد الفوز في الانتخابات. وعلى الرغم من أن الآثار الأولى لـ"خطابات الشرفات" شوهدت إبان الإمبراطورية العثمانية في الأناضول، فإن من المعروف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو من أحياها بعد الانتخابات العامة لعام 2007، وأصبحت من حينها حدثاً مرتقباً عقب كل انتخابات.

ومن بين كل المعارك الانتخابية التي شهدها العالم خلال العقود الثلاثة الماضية فرض الرئيس أردوغان هيمنته على هذا المضمار دون منازع، إذ يشتهر أردوغان بمهاراته الخطابية القوية والمؤثرة. ولهذا أصبحت خطاباته عقب كل فوز انتخابي لحظات بارزة في عالم السياسة التركية، التي بدورها تؤسس لبداية فصل جديد في مشوار الجمهورية التركية.

وكما هو حال "خطابات الشرفات" التي تعد وسيلة فعالة لمخاطبة الأمة بكل دول العالم، تحول "خطاب الشرفة" الذي اعتاد أردوغان أن يلقيه من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية أو المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة إلى حدث مهم ومرتقب لإيصال رسالة إلى كل مكونات الشعب التركي والجمهور الدولي أيضاً.

صافرة البداية

لا يرمز خطاب الشرفة إلى فوز رجب طيب أردوغان وحزبه في الانتخابات وحسب، بل يعتبره بعضهم صافرة بداية شوط سياسي جديد يمتد خمس سنوات. وفي حين أن السياق المحدد للخطاب قد يختلف مع كل انتخابات فإن الموضوع الأساسي يظل ثابتاً: الاحتفال بالنصر وشكره للداعمين ورؤيته للمستقبل.

ووفقاً لنتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في 28 مايو/أيار 2023، فاز أردوغان بالانتخابات الرئاسية بعد هزيمة خصمه كمال كليجدار أوغلو.

وعلى عكس المعتاد، لم يلق أردوغان خطاب النصر من على شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة كما جرت العادة في جميع الخطابات السابقة، بل خاطب تركيا والعالم هذه المرة من على شرفة المجمع الرئاسي أمام حشد كبير من أنصاره عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية.

وحول نتائج الانتخابات قال أردوغان: "لم يخسر أحد اليوم، فالفائز 85 مليون مواطن، حان الوقت لنجتمع ونتحد حول أهدافنا وأحلامنا الوطنية". وأعرب في الوقت نفسه عن احترامه الدائم لإرادة الشعب، مبيناً أن الفائز بهذه الانتخابات هو تركيا والديمقراطية.

وأكد الرئيس التركي أردوغان أن حكومته ستُسخر جميع إمكاناتها الفترة المقبلة لنهضة الاقتصاد وتأهيل مناطق الزلزال.

وفي خطاب ألقاه، مساء الأحد، أمام منزله بإسطنبول قبل مغادرته إلى أنقرة، قال أردوغان إن أبواب رؤية "قرن تركيا" فُتحت تماماً مع تقدمه على منافسه في الانتخابات الرئاسية. وأوضح أن نتائج الانتخابات أظهرت مرة أخرى أنه ليس باستطاعة أحد أن يطعن في مكاسب تركيا.

السياق التاريخي

لفهم أهمية "خطاب الشرفة" لأردوغان، من الضروري فهم المناخ السياسي المحيط بالانتخابات. فقد كان أردوغان ولا يزال الشخصية الأولى على مسرح السياسة التركية، حيث شغل منصب رئيس الوزراء من 2003 إلى 2014 ثم رئيس الجمهورية منذ 2014. وترمز خطاباته عقب كل فوز إلى استمرار نجاحه وبرامجه السياسية والاقتصادية وغيرها، فضلاً عن تأييد جزء كبير من الناخبين الأتراك لقيادته وسياساته.

ومنذ إلقاء خطاب الشرفة لأول مرة بعد انتخابات عام 2007، أصبح الخطاب ممارسة سياسية متوقعة ومرتقبة عقب كل فوز انتخابي. وبالإضافة إلى خطابه الأخير أمس الأحد، ألقى أردوغان خطابات الشرفة في الأعوام 2007 و2010 و2011 و2014 (مرتين) و2018 و2019.

ووجدت دراسة علمية سابقة تطرقت لدراسة "أسلوب القيادة لرجب طيب أردوغان بناءً على الخطابات التي ألقاها في خطابات الشرفة من عام 2007 إلى 2019" أن أردوغان يتمتع بخصائص القيادة وفقاً للعبارات والكلمات التي استخدمها والمبادئ التي أكدها في جميع خطاباته.

أهمية خطاب الشرفة

يحمل "خطاب الشرفة" الذي يلقيه أردوغان عقب كل فوز سياسي أهمية عميقة في المشهد السياسي التركي لعدة أسباب:

1- الاحتفال بالنصر: يشكل الخطاب منبراً لأردوغان للتعبير عن شكره للجماهير والاحتفاء بالنصر الانتخابي الذي تمخض عن نجاح حملته والدعم الذي حصل عليه من الشعب التركي.

2- وضع جدول الأعمال: عادة ما يحدد خطاب الشرف رؤية أردوغان وأولوياته للفترة المقبلة. إذ يقدم لمحة عن السياسات والمبادرات والإصلاحات التي تعتزم الحكومة الجديدة اتباعها، مما يمهد الطريق للاتجاه المستقبلي للبلاد.

3- توحيد القاعدة: اشتهرت خطابات الشرفة التي يلقيها أردوغان بقدرتها على تنشيط وحشد مؤيديه. ويشكل "خطاب الشرفة" قوة موحدة تعزز الروابط بين الرئيس وقاعدته، وتغرس الشعور بالفخر والولاء بين أتباعه. كما يعيد تأكيد أيديولوجيته السياسية وتحفيز مشاعر جزء كبير من السكان الأتراك من خلال التطرق إلى الموضوعات القومية والقيم الدينية والسرديات الاجتماعية والسياسية.

4- التداعيات الدولية: خطابات أردوغان بعد الانتخابات لها أيضاً تداعيات خارج حدود تركيا. إنها توفر رؤى ثاقبة للاستقرار السياسي للبلاد، واتجاه سياستها الخارجية، وديناميكيات ارتباطاتها الإقليمية والعالمية.


TRT عربي
الأكثر تداولاً