تابعنا
مع زيادة الاحترار العالمي تتسارع وتيرة ارتفاع مستويات سطح البحر، حيث تمتص البحار والمحيطات كميات هائلة من الحرارة، وتضيف الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية ملايين الأطنان من المياه الذائبة إلى المحيطات كل عام ما ينذر بخطر كبير على مدن سواحل العالم.

مع زيادة الاحترار العالمي وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، تتسارع وتيرة ارتفاع مستويات سطح البحر، حيث تمتص البحار والمحيطات كميات هائلة من الحرارة، وتضيف الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية ملايين الأطنان من المياه الذائبة إلى المحيطات كل عام، ما ينذر بخطر كبير على مدن سواحل العالم.

وترصد وكالة ناسا عبر الأقمار الصناعية وأجهزة القياس على متن السفن، مستوى سطح البحر منذ عقود، حيث يظهر الرصد في السنوات الأخيرة ارتفاعاً بمستويات سطح البحر العالمي بنحو 3.3 ملم سنوياً، ما يزيد بنسبة 30% على ما كانت عليه عندما أطلقت ناسا أول مهمة أقمار صناعية لها لقياس ارتفاعات المحيطات في عام 1992، كما ساهمت الصفائح الجليدية وحدها في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، بنحو 1.2 ملم سنوياً في ارتفاع مستوى سطح البحر بين عامي 2002 و2017 حسب بيانات الأقمار الصناعية لناسا.

المد والجزر عامل إضافي

رصدت دراسة حديثة نشرتها مؤخراً مجموعة من علماء الجليد بجامعة كاليفورنيا - إرفاين (UCI) ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة (PNAS) تأثُّر أحد الأنهار الجليدية الرئيسية في غرينلاند بحركة المد والجزر في المحيط.

وبدراسة معدلات الذوبان القاعدي لنهر بيترمان الجليدي، وهو نهر جليدي رئيسي شمال غرب غرينلاند. وجد العلماء أن خط التأريض، أي المنطقة التي يبدأ بها الغطاء الجليدي بالتمدد خارج المحيط، قد تحرك بفعل قوى المد والجزر بين 2 إلى 6 كم، وأدّى إلى ذوبان لم يُلحظ سابقاً على طول خط التأريض.

مع تراجع خط التأريض 3.8 كم بالفترة 2016-2022 حسب الدراسة، نحت المد والجزر تجويفاً يبلغ نحو 204 أمتار بالجانب السفلي من النهر الجليدي. من شأن ذلك رفع حساسية الأنهار الجليدية لارتفاع حرارة المحيطات ويحتمل أن يضاعف توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر ويهدّد السواحل بكل أنحاء العالم.

ويعود سبب ثلثَي ارتفاع مستوى سطح البحر عالمياً إلى ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية والمساحات الشاسعة من الجليد التي تغطي القارة القطبية الجنوبية وجزيرة غرينلاند.

في غرينلاند يحدث معظم فقدان الجليد من ارتفاع درجات حرارة الهواء التي تذوِّب سطح الغطاء الجليدي، وكذلك الأنهار الجليدية التي تفرغ في البحر، أما في القارة القطبية الجنوبية فإن درجات الحرارة المنخفضة جداً على مدار العام تبقي سطح الغطاء الجليدي صلباً، لكن الجروف الجليدية العائمة تتآكل نتيجة ارتفاع درجة حرارة مياه المحيط وموجات الهواء الدافئ حولها، وهذا يؤدي إلى تسريع تكسر الأنهار الجليدية، وتدفُّق مزيد من الجليد وذوبانه في البحر.

وحسب الدراسة المنشورة بدورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة فقدت الصفيحة الجليدية في غرينلاند مليارات الأطنان من الجليد في المحيطات العقود القليلة الماضية، ما أدى إلى زيادة مستوى سطح البحر العالمي 14 ملم منذ 1972، وكان معظم فقدان الجليد ناتجاً عن ارتفاع درجة حرارة مياه المحيط تحت السطحية حول غرينلاند، لكن التوقعات لم تأخذ في الحسبان المعلومات المكتشفة حديثاً حول علاقة المد والجزر وتفاعلات المحيط والجليد التي تجعل الأنهار الجليدية أكثر تأثراً بارتفاع درجة حرارة المحيطات.

وقد تتفاقم هذه الظاهرة مع ارتفاع درجات حرارة المحيط السنوات والعقود القادمة، وربما تنذر بكارثة عالمية غير متوقعة.

ما النهر الجليدي؟

يؤدي التراكم المستمر للثلوج لعقود إلى تشكل كتلة ثلج كبيرة على المرتفعات، حيث يكون معدل تساقط الثلوج أكثر بكثير من ذوبانها، وتتراكم طبقات الثلج المضغوطة لعقود طويلة، لتُشكل جليداً كثيفاً، ولوزنه الهائل يبدأ هذا الجليد التحرك ببطء تحت تأثير قوى الجاذبية من الهضاب العالية نحو البحر عبر الممرات الجبلية المختلفة، وتعتبر الأنهار الجليدية مؤشرات حساسة لتغير المناخ.

توجد الأنهار الجليدية بكل قارة باستثناء أستراليا وتضم القارة القطبية الجنوبية أكثر من 91% منها ونحو 8% في غرينلاند وأقل من 0.5% في أمريكا الشمالية وأقل من 0.2% في آسيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا وإفريقيا، وفيما يبلغ عمر أقدم نهر بالقارة القطبية الجنوبية من مليون عام، لا يتجاوز عمر أقدم نهر جليدي في غرينلاند أكثر من 100 ألف عام.

تنفصل عن الأنهار الجليدية بجزيرة غرينلاند، كتل ضخمة تسمى الجبال الجليدية تجد طريقها عبر المحيط الأطلسي بين أمريكا الشمالية وأوروبا حيث تجرفها التيارات المائية وتبقى طافية بعرض المحيط لفترات طويلة، أما بالنصف الجنوبي من الكرة الأرضية فتتشكل معظم الجبال الجليدية من الجروف الجليدية في القارة القطبية الجنوبية.

تقع معظم كتلة الجبال الجليدية تحت سطح الماء، لذا تشكل خطراً على السفن التجارية التي قد تصطدم بها وقد تخترقها بأطرافها الحادة وتؤدي إلى غرقها.

تغير المناخ ومزيد من الفيضانات

تتجلى مخاوف العلماء من تأثير العوامل الإضافية المكتشفة حديثاً الناتجة عن حركة المد والجذر، بتسريع ذوبان الجليد في غرينلاند، وهي المنطقة التي تعاني أساساً من تأثير كبير لتغير المناخ يزداد عاماً بعد عام.

وبسبب تغير المناخ، يذوب الغطاء الجليدي حالياً في غرينلاند بمعدل متسارع يتطابق مع أسوأ النماذج المناخية، بعد أن فقد 3.8 تريليون طن من الجليد بين 1992 و2018، وذلك وفق دراسة لوكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA).

وجمعت الدراسة 26 مجموعة بيانات مستقلة للأقمار الصناعية لتتبع تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على غرينلاند، وتأثير ذوبان الغطاء الجليدي على ارتفاع مستويات سطح البحر، وتتماشى النتائج، التي تتنبأ بارتفاع مستوى سطح البحر العالمي من 70 إلى 130 ملم بحلول عام 2100، مع أسوأ التوقعات السابقة إذا استمر متوسط معدل فقدان الجليد في غرينلاند.

وحسب الدراسة سرعت زيادة معدلات الاحترار العالمي فقدان الكتلة الجليدية بغرينلاند من 25 مليار طن سنوياً بتسعينيات القرن الـ20 إلى المتوسط الحالي البالغ 1990 مليار طن سنوياً. وهذا يعني أن جليد غرينلاند يذوب في المتوسط سبع مرات أسرع اليوم مما كان عليه بداية فترة الدراسة، وتحتوي الصفيحة الجليدية بغرينلاند على ما يكفي من الماء لرفع مستوى سطح البحر 7.4 متراً.

وتحذر الدراسة من أنه مقابل كل ارتفاع سنتيمتر في مستوى سطح البحر العالمي، يتعرض 6 ملايين آخر للفيضانات الساحلية بكل أنحاء الكوكب، ووفقاً للاتجاهات الحالية، سيؤدي ذوبان الجليد بغرينلاند إلى غمر 100 مليون شخص كل عام بحلول نهاية القرن، وإضافة إلى العواصف والمد العالي الذي سيزيد الفيضانات بعدة مناطق، يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تفاقم أحداث كالأعاصير، كما أن تقلص الغطاء الجليدي بغرينلاند يسرع من ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ يساعد على تبريد الأرض بعكس أشعة الشمس مرة أخرى إلى الفضاء.

TRT عربي
الأكثر تداولاً