تابعنا
تعد الأنفاق في قطاع غزة أحد العناصر الرئيسية للصمود والتمكين للفلسطينيين في مواجهة الحصار والاحتلال. تمتد هذه الشبكة السرية تحت الأرض على مسافات طويلة وتعتبر وسيلة حيوية لنقل البضائع والمواد الضرورية وتنفيذ العمليات العسكرية والمقاومة ضد الاحتلال.

شكلت عملية حفرها وتوسيعها داخل قطاع غزة المحاصَر والمراقَب منذ عقود، نموذجاً أسطورياً على "صراع الأدمغة" بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، إنها الأنفاق أو كما يطلق عليها "مترو غزة" و"السلاح الاستراتيجي" لحركة حماس، لأكثر من عقد من الزمان، وأثبتت الأنفاق في غزة أنها أداة حاسمة في ترسانة حماس، إذ مكنت المسلحين من إحباط الجيش الإسرائيلي في أحداث ومواقف عدة.

أنفاق غزة

تعد الأنفاق في قطاع غزة أحد العناصر الرئيسية للصمود والتمكين للفلسطينيين في مواجهة الحصار والاحتلال. تمتد هذه الشبكة السرية تحت الأرض على مسافات طويلة وتعتبر وسيلة حيوية لنقل البضائع والمواد الضرورية وتنفيذ العمليات العسكرية والمقاومة ضد القوات الإسرائيلية.

منذ عملية "الوهم المتبدد" في عام 2006، التي نُفذت عبر الأنفاق ونجحت في أسر الجندي جلعاد شاليط، شن الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من الحروب المتتالية على القطاع. على مدى نحو 15 عاماً، كان هدفهم الرئيسي هو تدمير شبكة الأنفاق. وعلى الرغم من ذلك، فإن الاحتلال لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف واعترف مراراً بالفشل في إتلاف الأنفاق وإحباط قدرة المقاومة على استخدامها.

تاريخ الأنفاق في غزة

تاريخ الأنفاق في قطاع غزة يعود إلى التسعينيات، إذ بدأ بعض العائلات المقيمة على طول الحدود بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية حفر أنفاق صغيرة لأغراض تهريب السلاح الخفيف والبضائع. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000، بدأت الفصائل الفلسطينية استغلال هذه الأنفاق لتهريب السلاح إلى القطاع وتعزيز قوتها العسكرية.

تطورت طرق التهريب المتشعبة عبر الأنفاق، إذ استُخدمت لجلب الأسلحة من مصر والسودان واليمن وإيران. في 26 سبتمبر/أيلول 2001، نفذت "كتائب القسام" عملية تفجير موقع "ترميد" العسكري الإسرائيلي في رفح من خلال نفق طوله 150 متراً، إذ زرعت العبوات الناسفة تحت الموقع، مما أسفر عن مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة عدد آخر. تعتبر هذه العملية بداية ما سمي لاحقاً "سلاح الأنفاق".

استخدمت المقاومة الأنفاق وسيلة للتغلب على ضيق المساحة في القطاع وعدم وجود تضاريس جغرافية تساعدها على الاختباء وتنفيذ هجمات مفاجئة. تحولت الأنفاق إلى أداة حاسمة لتهريب السلاح وتعزيز قوة المقاومة في القطاع، واستُخدمت في عديد من العمليات الناجحة ضد القوات الإسرائيلية.

أنواع الأنفاق في غزة

توجد ثلاثة أنواع رئيسية من الأنفاق المستخدمة في قطاع غزة، هي:

الأنفاق الهجومية: تستخدم هذه الأنفاق لاختراق الحدود وتنفيذ هجمات خلف خطوط قوات الاحتلال الإسرائيلي. وتُستخدم أيضاً مرابض لراجمات الصواريخ ومدافع الهاون، مما يوفر الحماية لوحدات المدفعية من الغارات الجوية ويسمح لها بإطلاق الصواريخ من تحت الأرض.

الأنفاق الدفاعية: تستخدم هذه الأنفاق داخل الأراضي الفلسطينية لإقامة الكمائن ونقل المقاتلين بعيداً عن الرؤية الجوية للطائرات الإسرائيلية والغارات. تعد هذه الأنفاق وسيلة للتمويه والحماية للمقاتلين وتعزيز قدرتهم على المقاومة.

الأنفاق اللوجستية: تستخدم هذه الأنفاق مراكز قيادة وسيطرة لإدارة العمليات وتوجيه المقاتلين. يجري استخدامها لإقامة القادة الميدانيين وتخزين الذخائر والعتاد العسكري وتجميع القوات. تحتوي هذه الأنفاق على غرف اتصالات داخلية لتسهيل التواصل بين أفراد المقاومة.

الأنفاق في قطاع غزة.. ساحة الصراع الجديدة

أصبحت الأنفاق اليوم ساحة الحرب الجديدة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وذلك كما تنبأ شاؤول شاي، الرئيس السابق لقسم التاريخ في جيش الاحتلال الإسرائيلي، في كتابه "الحرب تحت الأرضية والتحديات الهامة لقواتنا". يشير شاي إلى "معضلة الأنفاق" في غزة، ويستشهد بالتجربة التاريخية في فيتنام والفشل الذي واجهته القوات الأمريكية في مواجهة تحدي الأنفاق التي استخدمها المحاربون الفيتناميون في جنوب البلاد.

في عام 2016، خلال تشييع عدد من "شهداء الإعداد" الذين كانوا يعملون في حفر الأنفاق، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أن غزة "صنعت أنفاقاً للمقاومة تفوق أنفاق فيتنام التي تدرّس في المدارس العسكرية".

فإذا علمنا أن الفيتناميين تمكنوا من حفر أنفاق بطول نحو 270 كيلومتراً، فهل يعني ذلك أن أنفاق حماس في غزة تتجاوز 500 كيلومتر؟

الأنفاق في قطاع غزة.. أداة العمليات النوعية والدفاعية

منذ انتفاضة الأقصى في عام 2000، اعتمدت كتائب القسام على الأنفاق سلاحاً رئيسياً في تنفيذ عدد من العمليات النوعية التي استهدفت مواقع الاحتلال العسكرية داخل وخارج قطاع غزة. تشمل هذه العمليات تفجير موقع "حردون" في عام 2003 وموقع "محفوظة العسكري" و"السهم الثاقب" وموقع "معبر رفح" في عام 2004. أسفرت هذه العمليات عن مقتل 23 جندياً في جيش الاحتلال، وساهمت في تسريع قرار الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 2005.

نفذت المقاومة الفلسطينية العملية الأبرز باستخدام الأنفاق، وهي عملية اختطاف الجندي شاليط في عام 2006، والتي أشعلت سلسلة من الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأصبحت الأنفاق العنوان البارز لتلك الصراعات.

خلال العدوان على غزة في عام 2014، استخدمت كتائب القسام بشكل واسع سلاحها الاستراتيجي، إذ استهدفت مواقع عسكرية داخل الأراضي المحتلة وأسفرت عن مقتل عشرات من جنود الاحتلال في مناطق مثل "ناحل عوز" و"صوفا" و"أبو مطيبق" وموقع "16 العسكري".

كما استخدمت كتائب القسام أنفاقها الدفاعية بشكل واسع لمواجهة قوافل الاحتلال من خلال استهداف الآليات وإعداد الكمائن، وجرى أيضاً اختطاف الجندي شاؤول آرون من داخل مدرعته في حي التفاح، والضابط هدار غولدن في رفح بعد النجاح في كمين نوعي أسفر عن مقتل جنديين من الاحتلال الإسرائيلي.

أشهر الأنفاق المكتشفة في غزة

جرى اكتشاف عديد من الأنفاق في قطاع غزة على مر السنوات الماضية، وفيما يلي بعض الأنفاق المشهورة التي اكتُشفت:

نفق رفح الكبير: يُعتبر نفق رفح الكبير واحداً من أكبر الأنفاق المكتشفة في غزة. إذ اكتشف في عام 2013 وكان يمتد على طول الحدود المصرية-الفلسطينية. يُعتقد أن النفق كان يستخدم لتهريب السلع والأفراد والأسلحة بين البلدين.

وشكّل هذا النفق مفاجأة نوعية في تاريخ "سلاح الأنفاق" في قطاع غزة، إذ اجتاز حدود قطاع غزة مع الأرض المحتلة لمسافة 800 متر، وشكّل النفق صدمة لجيش الاحتلال ومخابراته للمواصفات الفنية العالية التي تضمّنها.

وبلغ عمق النفق 20 متراً، وامتد لمسافة 2500 متر، واستخدم 800 طن من الإسمنت المسلح لتدعيم سقفه وجوانبه بألواح الخرسانة، وتضمن شبكة اتصالات وكهرباء، قدر الاحتلال الإسرائيلي تكلفة بنائه بـ"10 ملايين دولار".

نفق معسكر الشيخ زايد: اكتُشف هذا النفق في عام 2016 في مدينة غزة. كان النفق يمتد تحت معسكر للتدريب العسكري تابع لحركة حماس. استُخدم النفق لأغراض عسكرية ولتنفيذ العمليات ضد القوات الإسرائيلية.

نفق كرم أبو سالم: اكتُشف هذا النفق في عام 2017 بالقرب من معبر كرم أبو سالم التجاري بين غزة وإسرائيل. كان النفق يستخدم لتهريب السلع والبضائع والوقود بين البلدين.

نفق مدينة خان يونس: اكتُشف هذا النفق في عام 2018 في مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة. استُخدم النفق لأغراض عسكرية ولنقل المقاتلين والأسلحة.

نفق جباليا: اكتُشف هذا النفق في عام 2019 في مخيم جباليا شمال قطاع غزة. كان النفق يمتد باتجاه الحدود الإسرائيلية وكان يُستخدم لأغراض عسكرية ولتهريب السلع والأفراد.

محاولة إسرائيل لمواجهة التهديد الناجم عن الأنفاق

في عام 2016، أعلنت إسرائيل إطلاق مشروع بناء جدار فوق وتحت الأرض، بطول 65 كيلومتراً، بهدف التصدي للأنفاق الهجومية. استغرق بناء الجدار 3 سنوات ونصف وبلغت تكلفته 1.1 مليار دولار.

يتكون الجدار من سياج فولاذي بارتفاع 6 أمتار وجدار من الخرسانة المسلحة تحت الأرض، وهو مجهز بأجهزة استشعار لاكتشاف الأنفاق، بالإضافة إلى شبكة من الرادارات وأجهزة المراقبة والاستشعار عن بعد، وأبراج حراسة مزودة برشاشات ثقيلة يجري التحكم بها عن بعد.

وبعد اكتمال بناء الجدار والسياج الذكي في عام 2019، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بيني غانتس، أن هذا المشروع هو "مشروع تكنولوجي من الدرجة الأولى"، يحرم حركة حماس قدراتها المحتملة ويضع حاجزاً حديدياً بينها وبين سكان الجنوب.

ومع ذلك، في الساعات الأولى من صباح السبت الموافق 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تمكن مقاتلو القسّام من تجاوز السياج وتحطيم أسطورة "الجدار الحديدي" الذي بناه الاحتلال على طول الحدود مع قطاع غزة.

ورداً على ذلك، قصفت إسرائيل عشرات المواقع المدنية والمباني السكنية في قطاع غزة، مما أدى في اليوم الأول إلى سقوط عشرات الضحايا من الشهداء والجرحى، معظمهم من المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء، لتزيد حصيلة الضحايا بعد ذلك وتتخطى ألفي شهيد وآلاف المصابين مع استمرار القصف الإسرائيلي للقطاع.

ووفقاً لمعلومات من مصادر في المقاومة، لصحف محلية فلسطينية، قسم الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة إلى مناطق جغرافية، مع افتراض أن تحت الأرض مدينة كاملة تحتوي على شبكة من الأنفاق. واعتمدوا على إطلاق نيران كثيفة على المنطقة المحددة في كل مرة، بموجب خطة تسمى "تنوفا". وتهدف هذه العملية إلى إحباط محاولات إعادة بناء الأنفاق وتعزيز سيطرة إسرائيل على الحدود الجنوبية.

ومع ذلك، فإن التحدي الذي تواجهه إسرائيل في مواجهة الأنفاق لا يزال قائماً. فالمقاومة الفلسطينية مستمرة في تطوير وبناء الأنفاق بتقنيات متطورة وبأبعاد جديدة، مما يشكل تهديداً مستمراً على أمن إسرائيل وسكان المستوطنات القريبة.

TRT عربي