تابعنا
على صعيد الدراما التلفزيونية والسينما تركت ملحمة 15يوليو/تموز آثاراً عميقة على عدد من الأعمال التي تنوعت قصصها لكن بقي العامل المشترك بينها الإلهام الذي أخذته من بطولات المواطن التركي وتضحياته.

لا شك أن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو/تموز 2016، تعد أحد أبرز الأحداث المصيرية التي عايشها الأتراك في العقدين الأخيرين، وحتى عند مقارنتها مع ما سبقها من انقلابات عسكرية، تظل هي الأكثر دراماتيكية على صعيد التفاعل الكبير الذي حدث بين الشعب وقيادته السياسية المنتخبة في جهة والضباط المتمردين وداعميهم الإمبرياليين في الجهة المقابلة.

في مساء 15يوليو/تموز 2016، نفذت عناصر محدودة بالجيش تتبع منظمة "كولن" الإرهابية، محاولة انقلاب فاشلة، حاولت خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية، واغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان.

قوبلت المحاولة بانتفاضة شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية، أفشلت المخطط الانقلابي وأجبرت المتمردين على الاستسلام للدولة.

غير أن قصة النجاح التي سطرها الشعب التركي عبر مقاومته هذا الانقلاب لم تمرُرْ من دون أحزان وآلام، فقد خسر 251 من أنقى أبنائه، إضافة إلى إصابة أكثر من ألفين آخرين، كثير منهم استُشهد وجُرح أمام عدسات الكاميرات، ما شكَّل ملحمة وطنية لم يتردد فيها المواطنون من إلقاء أجسادهم أمام الدبابات، لإفشال المخطط الانقلابي وحماية دولتهم وقيادتهم المنتخبة.

وخلال الأيام والشهور التالية، استمرت أجواء النصر والحماس الوطني لدى مختلف فئات الشعب التركي على خلفية دحر الانقلاب وداعميه، وهو حدث جلل يعد الأول في تاريخ تركيا المعاصر.

ولم يقتصر هذا الحماس على الشارع التركي بل انتقل إلى عالم الفن سريعاً، إذ بدأ إصدار أشعار وأغانيّ كثيرة عن الملحمة الوطنية التي شهدتها البلاد خلال مقاومة الانقلاب، ورُسم لوح وبُنيت مجسمات تخلد بطولات مقاومي الانقلاب وفي مقدمتهم الشهداء والمصابون.

وعلى صعيد الدراما التلفزيونية والسينما، تركت ملحمة 15يوليو/تموز آثاراً عميقة على عدد من الأعمال، التي تنوعت قصصها لكن بقي العامل المشترك بينها هو الإلهام الذي أخذته من بطولات المواطن التركي وتضحياته.

ويعد فيلم "وادي الذئاب.. الوطن" أحد أبرز الأعمال التي جسدت ملحمة 15يوليو/تموز في السينما التركية، إذ شُرع في كتابة قصته والبدء بتصوير مشاهده عقب شهور قليلة من المحاولة الانقلابية وبدأ عرضه داخل البلاد في سبتمبر/أيلول2017.

وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً وصل صداه إلى دول عديدة، إذ عُرض مترجماً في عشرات دور السينما في أوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط، وهو من بطولة الممثل نجاتي شاشماز المعروف عربياً باسم "مراد علمدار".

كما حقق الإعلان التشويقي للفيلم أكثر من 4 ملايين مشاهدة فور عرضه على موقع يوتيوب في 3 أغسطس/آب2017.

يسلط الفيلم الضوء على أهداف القوى الإمبريالية الداعمة لمنظمة "كولن" الإرهابية من وراء انقلاب 15يوليو/تموز، وما دار في غرفهم المظلمة من مخططات لتقسيم تركيا، ونشر الفوضى بها، إضافة إلى تدمير ثقة الشعب بقواته المسلحة.

ويعد الفيلم امتداداً لسلسة أفلام صوَّرها شاشماز سابقاً وحملت الاسم ذاته، في مقدمتها "وادي الذئاب.. العراق" و"وادي الذئاب.. فلسطين"، وسبقها مسلسل يحمل نفس الاسم، بُث أول مرة عام 2003، ونجح في جلب أنظار المجتمع التركي والعربي على مدار سنوات عرضه.

وحتى عرض آخر حلقاته في يونيو/حزيران 2016، حقق المسلسل نجاحاً غير مسبوق داخل تركيا وخارجها، وتُرجمت حلقاته ودبلجت إلى لغات كثيرة، في مقدمتها العربية والإنجليزية والإسبانية.

وتعد الشخصية الرئيسية في أعمال وادي الذئاب هي "مراد علمدار"، وهو رجل استخبارات ومهام خاصة، له فريقه الخاص وتدعمه الدولة التركية في مواجهاته ضد القوى الإمبريالية وأذرعها الإرهابية التي تعمل على استهداف تركيا حكومة وشعباً ونشر الاضطرابات بها.

تبدأ أحداث فيلم "وادي الذئاب.. الوطن" باكتشاف مراد علمدار خلال إحدى عملياته شمالي العراق، خريطة عليها إشارات إلى أهم المواقع والقواعد العسكرية في تركيا، ويلفت انتباهه في الخريطة التركيز على قرية حدودية تسمى "يالاوز" جنوب شرقي البلاد.

من أجل فك هذا اللغز، يقرر علمدار التوجه مع فريقه إلى هذه القرية الحدودية، وعندما يصل إليها، يفاجأ ببث بيان الانقلاب على شاشة التلفزيون الحكومي، بالتزامن مع بدء هجوم يستهدف النقطة الأمنية الوحيدة المسؤولة عن تأمين القرية، وفي الوقت ذاته يرصد تجاوز الحدود من طرف مليشيات مدعومة بآليات مسلحة وأسلحة ثقيلة، وحينها تتشكل في ذهنه الصورة الكاملة، إنها "خطة احتلال تركيا"، متمردون بالجيش يسيطرون على القواعد العسكرية ومؤسسات الدولة، ومليشيات إرهابية تقتحم الحدود من الجنوب.

خلال أحداث الفيلم طوال ساعة و40 دقيقة يتصدى علمدار مع فريقه وما تبقى من جنود النقطة الحدودية لهذه المليشيات، وعلى الرغم من قلة عددهم وعدم إمدادهم بالدعم اللازم، يُسطر علمدار وجنوده ملحمة وطنية وينجح في وقف المليشيات ويدعمه في ذلك انتفاضة سكان القرية عقب دعوة الرئيس أردوغان المواطنين للنزول إلى الشوارع وحماية الدولة من الانقلابيين.

وعلى هذا النحو أصبحت ملحمة "يالاوز" في 15 يوليو/تموز 2016 امتداداً لمعركة جناق قلعة (غاليبولي) التي خاضها الجيش العثماني إبان عام 1915ضد قوات الحلفاء (أبرزها بريطانيا وفرنسا)، في كليهما فشلت القوى الإمبريالية في احتلال تركيا وتقسيمها.

"وادي الذئاب.. الوطن" ليس مجرد عمل فني يهدف إلى التسلية والإمتاع، بل هو لا يختلف كثيراً عن متحف "الذاكرة 15 يوليو/تموز" الذي افتتحه الرئيس أردوغان في مدينة إسطنبول عام 2019.

فكلاهما يحفظان بطولات شهداء ارتقوا إلى بارئهم ومصابين لا يزالون يشاركوننا هذا الوطن، وقفوا كالبنيان المرصوص في وجه عدوان غاشم، ولم يترددوا لحظة في التضحية بأنفسهم من أجل قيم الحق والعدالة.

والمتابع للسينما والتلفزيون في تركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة يلاحظ وجود سعي لحمل هذه الأمانة والحفاظ عليها ونقلها إلى الأجيال القادمة، فلم تعد الانقلابات واغتصاب الإرادة الشعبية أموراً مقبولة في تركيا الحديثة.

ينتهي "وادي الذئاب.. الوطن" بزيارة علمدار وفريقه قرية يالاوز مجدداً، لكن هذه المرة بعد السيطرة على الانقلاب واستتباب الأمن والاستقرار، يقفون هناك إلى جانب قبور الشهداء، ويرددن أبياتاً من النشيد الوطني التركي.

TRT عربي