تابعنا
تعد ظاهرة "النينيو" و"النينيا" جزءاً طبيعياً من نظام المناخ العالمي، تحدث عندما يتغير المحيط الهادئ الاستوائي والغلاف الجوي فوقه عن حالتهما الطبيعية لعدة مواسم،

أصبحت قضية تغيّر المناخ وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض قضية عالمية، سخّرت لها الحكومات والمنظمات كل إمكانياتها من خلال عقد المؤتمرات السنوية ووضع اتفاقيات دولية للحدّ من العوامل المسببة لها.

النشاط البشري المتزايد يأتي بالدرجة الأولى لتغيّر المناخ، وذلك منذ الثورة الصناعية منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم، وما يسببه من انبعاث لغازات الدفيئة.

ووفقاً للعديد من الدراسات، فإن النشاط البشري ليس العامل الوحيد، وإن كان أساسياً، في معادلة احترار كوكب الأرض، والتسبب بظواهر مناخية متطرفة، إذ يؤدي تذبذب طبيعي غير منتظم في حركة الرياح ودرجة حرارة المياه شرق المحيط الهادئ الاستوائي، إلى سلسلة من التأثيرات في أنماط الطقس حول العالم.

يُعرف هذا التذبذب باسم ظاهرة "النينيو- التذبذب الجنوبي" (ENSO) وهو تقلّب دوري يحدث كل 2 إلى 7 سنوات عبر المحيط الهادئ الاستوائي، ويؤثر في كل من درجة حرارة سطح البحر والضغط الجوي للغلاف الجوي.

النينيو والنينيا

يمكن أن يَظهر نمط "ENSO" في المحيط الهادئ الاستوائي في حالتين رئيسيتين متعاقبتين هما "النينيو El Niño" أو "النينيا La Niña"، ويمكن أن نشاهد حالة حياد واستقرار مؤقتة تتبع إحدى هاتين الحالتين، حسب ما يشرحه موقع "National Ocean Service".

وتعد ظاهرة "النينيو" و"النينيا" جزءاً طبيعياً من نظام المناخ العالمي، تحدث عندما يتغير المحيط الهادئ الاستوائي والغلاف الجوي فوقه عن حالتهما المحايدة (الطبيعية) لعدة مواسم.

وترتبط أحداث النينيو بارتفاع درجة حرارة وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي، في حين أن أحداث النينيا هي عكس ذلك، مع تبريد مستمر لهذه المناطق نفسها.

ما ظاهرة "النينيو" وما أسبابها؟

يشير مصطلح "النينيو" (El Niño كلمة إسبانية تعني الطفل يسوع) إلى ارتفاع درجة حرارة سطح المحيط، في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي، إذ تضعف الرياح السطحية منخفضة المستوى، والتي تهبّ عادة من الشرق إلى الغرب على طول خط الاستواء، أو تبدأ في الهبوب من الاتجاه الآخر، من الغرب إلى الشرق.

خلال حدث النينيو، تكون مياه المحيط من سواحل أمريكا الجنوبية (بالقرب من الإكوادور وبيرو) إلى وسط المحيط الهادئ الاستوائية دافئة فوق المتوسط، ويحدث الاحترار عندما تضعف الرياح التجارية (الرياح السائدة الدائمة من الشرق إلى الغرب التي تتدفق حول خط الاستواء)، وتهبّ المياه الدافئة من غرب المحيط الهادئ باتجاه الشرق، نتيجة لذلك، يمكن أن تنخفض درجات حرارة البحر في أقصى غرب المحيط الهادئ إلى أقل من المتوسط، ثم تؤثر المياه الدافئة بشكل غير عادي في شرق المحيط الهادئ.

ماذا عن النينيا؟

يُطلق على النصف الآخر من ظاهرة التذبذب الجنوبي اسم "النينيا" (La Niña)، وهي ظاهرة معاكسة لظاهرة النينيو، وفيها تنخفض درجات حرارة المحيط على طول النصف الشرقي من المحيط الهادئ الاستوائي، على سواحل أمريكا الجنوبية، ومع زيادة الرياح التجارية، تتجمع المياه الأكثر دفئاً في أقصى غرب المحيط الهادئ الاستوائي، ما يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة سطح البحر عن المعتاد في المنطقة الواقعة شمال أستراليا.

ترتبط أحداث النينيا بزيادة هطل الأمطار على معظم شمال وشرق أستراليا.

تميل أحداث النينيا إلى الاستقرار لفترة أطول من ظاهرة النينيو، وتستمر في مكان حدوثها بين تسعة أشهر إلى سنتين.

ما الآثار المحتملة لظاهرتي النينيو والنينيا؟

يمكن لظاهرتي النينيو والنينيا أن تزيد من احتمالية حدوث ظواهر الطقس المتطرفة في مناطق معينة، بما في ذلك حالات الجفاف والفيضانات والعواصف، وفق العديد من المراجع العلمية.

وقد تأثر أكثر من 60 مليون شخص بظاهرة النينيو 2015/2016، كما تأثرت مناطق شرق إفريقيا، والجنوب الإفريقي، وجزر المحيط الهادئ، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا الوسطى بالطقس القاسي، بما في ذلك الأمطار والفيضانات، حسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وقد كان لهذه الأحداث تداعيات إنسانية تمثلت بزيادة انعدام الأمن الغذائي في المناطق المتضررة بسبب انخفاض غلات المحاصيل وارتفاع الأسعار، وارتفاع معدلات سوء التغذية، وتدمير سبل العيش، والنزوح القسري، كما تسببت الأمطار الغزيرة في تفشي الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والتيفوئيد وتفاقم أمراض أخرى مثل الملاريا.

شهدت أستراليا ثلاث سنوات من هطل الأمطار فوق المتوسط ​​بسبب ظروف النينيا المطولة التي تسببت في فيضانات شديدة، لكن خلال ظاهرة النينيو، يتوقع العلماء عكس ذلك: هطل أمطار أقل، وارتفاع درجات الحرارة، وزيادة أخطار الحريق، وخاصة خلال الشتاء والربيع في نصف الكرة الجنوبي.

ومع ارتفاع حرارة الكرة الأرضية بسبب تغيّر المناخ، وعلى الرغم من السنوات الرطبة التي مرت بها أستراليا خلال حدث النينيا الأخير، فإن التأثير الأساسي لتغيّر المناخ سيجعل البلاد أشد عرضة لآثار ظاهرة النينيو.

تنتج ظاهرة النينيا ولا سيما في المناطق الاستوائية، التغيرات المناخية المعاكسة لظاهرة النينيو، على سبيل المثال، تكون أجزاء من أستراليا وإندونيسيا عرضة للجفاف في أثناء ظاهرة النينيو، ولكنها عادة ما تكون أكثر رطوبة من المعتاد خلال ظاهرة النينيا.

كما يتأثر الطقس في أمريكا الجنوبية بشكل كبير في كل مرة تحدث فيها ظاهرة النينيو، مع حدوث فيضانات على السواحل الغربية لبيرو والإكوادور، وفي مكان آخر خلال ظاهرة النينيو، قد تجف غابات الأمازون المطيرة ويتباطأ نمو الغطاء النباتي، حيث يمتصّ كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وهو اتجاه يتكرر في الغابات الاستوائية في إفريقيا والهند وأستراليا.

هل يتسبب النينو والنينيا في تفاقم تغيّر المناخ؟

يمكن أن يؤدي التحول الطبيعي في رياح المحيط الهادئ إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية في عام 2023، ما يتسبب في إحداث فوضى في الطقس في جميع أنحاء العالم.

وحذّرت منظمة الأرصاد الجوية العالمية مؤخراً من احتمال تطور ظاهرة النينيو في وقت لاحق من هذا العام، وفيها يصبح المحيط الهادئ الاستوائي أكثر دفئاً بمقدار 3 درجات مئوية.

وحسب تقرير المنظمة، من المرجح أن يؤدي تطوّر ظاهرة النينيو إلى ارتفاع جديد في الاحترار العالمي، وزيادة فرصة بلوغ أرقام قياسية جديدة في درجات الحرارة.

وفي أثناء ظاهرة النينيو، ينقل المحيط بعضاً من الحرارة الزائدة والرطوبة إلى الغلاف الجوي، إذ يمكن لظاهرة النينيو القوية أن تضيف ما يصل إلى 0.2 درجة مئوية إلى متوسط ​​درجة حرارة الأرض، إذ كان العام الأكثر سخونة على الإطلاق هو عام 2016، بسبب ظاهرة النينيو القوية بشكل خاص.

ونظراً لارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بنحو 1.2 درجة مئوية مقارنة بأوقات ما قبل النشاط الصناعي، يعتقد العلماء أن الاحترار الإضافي الناجم عن ظاهرة النينيو يُوفّر معاينة لما ستكون عليه الحياة عند 1.5 درجة مئوية، وهو الحد الطموح للاحترار العالمي الذي حددته اتفاقية باريس للمناخ.

ومع ذلك، فإن ارتفاع درجات الحرارة من ظاهرة النينيو لن يُبعد البشرية عن تحقيق أهدافها المناخية طويلة الأجل، والتي تعتمد على الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، حسب توصيات المنظمات الأممية، لكن الحرارة الزائدة على المدى القصير ستؤذي البشر والنباتات والحيوانات.

وتتوقع الأمم المتحدة انخفاض الشعاب المرجانية، على سبيل المثال، بنسبة 70-90% إذا تجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية، وسيؤدي تجاوز هذه العتبة ولو لفترة وجيزة إلى عواقب كارثية على التنوع البيولوجي.

وفي ظل هذه المعطيات، لا يزال العلماء غير متأكدين من كيفية تصرّف ظاهرة النينيو في المستقبل، ولكن من المحتمل أن تتضخم آثارها بسبب تغيّر المناخ في مناطق مختلفة من العالم.


TRT عربي
الأكثر تداولاً