طفل يقف على أحد "أحجار الجوع" التي كشف عنها انخفاض منسوب المياه في نهر إلبه عام 2018. (Reuters)
تابعنا

جلب هذا الصيف للعالم وللقارة الأوروبية كثيراً من المفاجآت والتحذيرات، إذ كشف الطقس الحارّ وما تلاه من موجة جفاف غير عادية عن عدد كبير من الكنوز الأثرية، منها آثار قديمة تنتمي إلى عصور ما قبل التاريخ في أيرلندا، مروراً بحديقة مزخرفة من القرن السابع عشر في إنجلترا، وصولاً إلى قرية ألمانية ضائعة كانت مغمورة تحت الماء.

لكن "حجر الجوع" الشهير، الذي عُثر عليه في نهر إلبه بالقرب من مدينة ديسين شمال التشيك، أثار الذعر والخوف على مستوى العالم، لا بسبب شكله وموقعه، بل بسبب العبارة المنحوتة التي تطلق تحذيراً رهيباً باللغة الألمانية قائلة: "إذا كان بإمكانك رؤيتي، فابكِ".

وعلى الرغم من انزعاج كثيرين من ظهور هذه الحجارة والرسائل البائسة التي تنشرها، يجادل بعض العلماء بأن نوع الجفاف الذي تنبأت به هذه الحجارة لا يشير دائماً إلى الكوارث البيئية، وأن حالات الجفاف في القرن الحادي والعشرين لم تكُن شديدة مثل تلك التي شهدها التاريخ، وفقاً لما نقلته صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية.

"حجارة الجوع"

مع استمرار سيطرة موجات الحر والجفاف على معظم أنحاء القارة الأوروبية، يُكتشف يومياً مزيد مما يطلق عليه اسم "حجارة الجوع"، التي يعتبرها البعض رسائل تحذيرية متشائمة كتبها أو وضعها أسلافنا على حوافّ الأنهار الجافة آنذاك قبل قرون لتحذير الناس في المستقبل من أن الأوقات الصعبة قد تكون قريبة إذا ما انحسرت مياه الأنهار إلى هذا الحد.

بمعنى آخر، يمكن اعتبار "حجارة الجوع" نُصُباً هيدرولوجياً في بعض أنهار أوروبا الوسطى يُكشف عنه عندما ينخفض ​​منسوب المياه. وتعود هذه الحجارة إلى ما بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، وقد أُدمجَت في مجاري الأنهار الجافة لتحذير الناس في المستقبل من أن الأوقات الصعبة قد تكون قريبة.

حتى الآن عُثر على أكثر من اثني عشر حجراً في وبالقرب من مدينة ديسين بالقرب من الحدود الألمانية، وحيث يلتقي نهرا إلبه وبلاوتشنيس، أقدم واحد مرئي حالياً دون عليه تاريخ 1616. وإلى جانب حجارة نهر إلبة و"حجر جوع" آخَر معروض في متحف مدينة شونهبك الألمانية، عُثر أيضاً على حجارة في أنهار أخرى في المنطقة، مثل نهر الراين ونهر موميل ونهر فيزر.

"تقويم الجفاف"

ولا تقتصر مهمة هذه الحجارة على إرسال التحذيرات المتشائمة، بل تُعتبر أيضاً "تقويماً تاريخياً للجفاف"، فالحجر الذي اكتُشف مؤخراً في التشيك يُعَدّ الأبرز بين هذه الحجارة، لاحتوائه على تواريخ الجفاف الشديد على سطحه.

"تقويم الجفاف" (Others)

وتَمكَّن فريق من علماء الآثار التشيكيين عام 2013 في دراسة عن تاريخ الجفاف في الأراضي التشيكية، من توثيق سنوات: 1417 و1616 و1707 و1746 و1790 و1800 و1811 و1830 و1842 و1868 و1892 و1893 على الحجر، التي تؤرخ بدورها كل موجات الجفاف التي ضربت البلاد وتسببت في سوء المحصول ونقص الغذاء وارتفاع الأسعار والجوع للفقراء، قبل القرن التاسع عشر.

لكن "حجارة الجوع" فعلت أكثر من مجرد توثيق للجفاف، فقد أعربت أيضاً عن أسفها للظروف الصعبة وجعلت الناس يعرفون أن المشكلات مستمرة. عبّرت إحدى الصخور، على سبيل المثال، عن أن "الشخص الذي رآني ذات مرة، بكى. ومن يرَني الآن فسيبكي". وهناك أيضاً: "ستزدهر الحياة مرة أخرى بمجرد اختفاء هذا الحجر"، فيما كُتب على أقدمها: "إذا رأيت هذا الحجر مرة أخرى، فسوف تبكي. هكذا كانت المياه ضحلة في عام 1417".

موجات الجفاف الكبرى

على الرغم من موجة الجفاف الحالية التي تعاني منها أوروبا، فإنها لم ترقَ بعدُ إلى "موجات الجفاف الكبرى" التي كانت أكثر شيوعاً قبل الثورة الصناعية، وفقاً لما نقلته صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية، مستندةً إلى دراسة نشرتها عام 2015 مجلة Science Advances، قال فيها الباحثون إن السجلات التاريخية تشير إلى أن فترات الجفاف كانت "أكثر حدةً واتساعاً وأمداً" في نصف الكرة الشمالي، بخاصة بين القرن الحادي عشر ومنتصف القرن الخامس عشر.

ووفقاً لخبراء آخرين، تعاني أوروبا حالياً أسوأ موجة جفاف منذ 500 عام، إذ تأثر نصف القارة تقريباً بنقص حادّ في هطول الأمطار، كما أنها كانت تصارع موجات الحر التي حطمت الرقم القياسي هذا الصيف، إذ لم يكن مفاجئاً أن أدّى هذا الطقس الحارّ والجافّ إلى ظهور حجر الجوع مرة أخرى في جميع أنحاء ألمانيا وجمهورية التشيك.

في سياق متصل، حذرت دراسة جديدة لفريق من الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين، من أن ندرة المياه ستزداد خلال العقود القليلة القادمة في أكثر من 80% من الأراضي الزراعية في العالم بسبب تغيُّر المناخ بحلول عام 2050.

TRT عربي