تابعنا
رسمت النسخة الأخيرة من التقرير السنوي حول "مسح النزاعات المسلّحة حول العالم"، الذي يصدره المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، "صورة قاتمة" فيما يخص اللجوء إلى العنف كحلّ لمشاكل جيوسياسيّة معقدة.

بلغ حجم النزاعات حول العالم في عام واحد ما لم يبلغه في العقود الثلاثة الأخيرة، وفق تقرير حول النزاعات المسلّحة عبر العالم.

هذا الارتفاع مع ما يشهده العالم من زيادة ملحوظة في اللجوء إلى النزاعات المسلّحة قد يتكرّس مستقبلاً، لا سيّما بعد أن وصل النزاع بين روسيا والقوى الغربية إلى نقطة اللّاعودة، وفق معدّي التقرير.

ومن ضمن الخلاصات التي وردت في النسخة الأخيرة من التقرير السنوي حول "مسح النزاعات المسلّحة حول العالم"، الذي يصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، فإنّ "الصورة قاتمة" في ما يخص اللجوء إلى العنف كحلّ لمشكلات جيوسياسيّة معقدة.

وترى إيرينا ميا، الباحثة وعضو فريق التقرير، أن التعقيد الحالي للحروب الحالية يكمن في أنها غالباً ما تتميز بأن من أطرافها عدداً كبيراً من الجماعات المسلحة المتنوعة غير الحكومية، فضلاً عن التدخل الخارجي في شؤون البلدان.

وتعزو هذا التطور في النزاعات إلى "تضاؤل ​​نفوذ الجهات الفاعلة والعمليات التقليدية في مجال حل النزاعات، ما يجعل التقدم في تسويتها مهمة شاقة، ويساهم في إطالة أمدها، ويؤدي إلى تضاؤل ​​احتمالات تحقيق السلام الدائم".

وقد رصد معدّو التقرير 183 صراعاً مستمراً عبر العالم خلال عام 2023، وقدموا تحليلاً استراتيجياً لعوامل كلّ صراع على حدة وارتباطاته وآثاره في المستويات الداخلية والإقليمية والدولية.

كما قيَّموا التطورات الحالية والاتجاهات في منظومة الصراع، بما في ذلك النقاط الساخنة المحتملة الجديدة والمخاطر السياسية التي تنتجها مثل هذه التوترات.

صراعات إقليمية

وركز المسح على الصراعات الإقليميّة بدل مواكبة المواجهات بين القوى العظمى، مثل الصّين وروسيا والولايات المتحدة.

ورغم حالة "الاستعصاء" التي تميّز الصراعات التي تناولها التقرير، فإنه لا توجد مؤشرات بأن العالم سوف يشهد توسعاً للحروب الإقليمية، ولن يشهد حرباً عالمية مدمرة، حسب مُعِدّي التقرير.

لكن عدم التوسّع هذا تقابله صراعات طويلة الأمد وعصيّة على الحل إقليمياً، وصل صداها إلى المعسكر الغربي.

وأشعلت حالة الاحتقان هذه صراعاً مريراً في المعسكر الديمقراطي للبحث عن حلفاء بأي ثمن، حتى وإنْ كان ذلك يعني غضّ النّظر أحياناً عن تجاوزات حقوقيّة هنا أو هناك.

واعتمدت المقاربة التحليليّة من طرف خبراء المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية على تحليل البعد الإقليمي لالتقاط العوامل العابرة للحدود والآثار الناجمة عن الصراعات.

جنود ماليون من الطوارق - أرشيفية (AP)

وركّزوا على الاتجاهات ذات الأهمية الاستراتيجية العالمية والإقليمية، بما في ذلك ديناميّات تجارة المخدرات، ومناطق الصراع الجديدة في الأمريكتين، وما تفرزه من بؤر توتّر مسلح.

ويقول الباحثون إن توسّع النزاعات لا يقتصر على الممارسات السياسية، بل توجد عوامل أخرى تدفع إلى تطور خريطة الأزمات المسلّحة ومنها تقلبات المناخ، إذ تواصل أزمة التغيّر المناخي المتسارع تكريس دورها بوصفها عاملاً مضاعفاً لكل من جذور الصراع والضعف المؤسسي في البلدان الهشة.

ويفسّر التقرير أن انعدام الأمن الغذائي وانتشار الجماعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء وعودة حركة طالبان الباكستانية، بما ينطوي عليه ذلك من مخاوف تداعيات على الأمن في القارة الآسيوية، كلها عوامل قد تفتح جبهات جديدة في الصراعات المسلّحة.

تزايد سنوي وخطر التنظيمات المسلحة

في قراءة إحصائية لتطور الصراعات عبر العالم، يلاحظ التقرير أن شدة الصراعات ازدادت عاماً تلو الآخر، مع زيادة في نسبة ضحايا هذه الحروب بنسبة 14%، فيما زادت الأحداث العنيفة بنسبة 28%.

ويوضّح التقرير أن العالم اليوم "تهيمن عليه الصراعات المعقّدة والعنف المسلّح في ظل تزايد عدد الفاعلين والدوافع المتشابكة والتأثيرات العالمية وتسارع وتيرة التغير المناخي"، في وقت يحذر فيه المحلّلون من أن بعض الزعماء أصبح ينظر إلى الحروب مرة أخرى بوصفها "أداة سياسيّة مفيدة".

ويشرح الباحثون أن انتشار التنظيمات المسلّحة غير الحكومية تسهم بطابعها "المتشظّي" وطرق تنظيمها في اندلاع صراعات متعدّدة.

مدينة ود مدني تشهد قتالاً عنيفاً بين قوات الجيش و"الدعم السريع" (AFP)

وتقول خلاصات التقرير إنّ "التنظيمات المسلحة غير الحكومية المنتشرة التي تتقوى باستمرار هي من بين الأسباب الرئيسية لهذا الوضع، ورغم أن دوافعها وهياكلها وأساليب عملها تختلف اختلافاً كبيراً داخل البلدان وعلى الصعيد العالمي، فإنها تشترك في بعض السمات المشتركة".

وهي بهذا أصبحت تمتلك على وجه الخصوص "أهمية متزايدة عالمياً بوصفها أطرافاً متحاربة، وأصبحت جهات فاعلة سياسياً، تقدم الخدمات وتحكم السكان الخاضعين لسيطرتها، مع تدهور شرعية الدولة وتدهور نفوذها".

وينقل التقرير بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تقول إن 459 تنظيماً مسلّحاً تثير أنشطتُها مخاوف إنسانية، ويعيش تحت سيطرتها الكاملة 195 مليون شخص.

ولدى 80% من هذه التنظيمات هيمنة محلية أو إقليمية كافية لفرض الضرائب وتوفير قدر ما من الخدمات العامة.

الصراعات الحدودية

وتبقى الصراعات الحدودية السّمة الغالبة في الصراعات الحاليّة ومنها على الخصوص التدخل الروسي في أوكرانيا الذي أدى إلى أكبر تعبئة للجيوش في النزاعات المسلحة الحالية بنحو 175 ألف جندي، وفق التقرير.

ويعزو الباحثون هذا التوتر إلى "تطلعات روسيا إلى استعادة الهيمنة على دول الاتحاد السوفييتي السابق ومكانتها بوصفها قوة عالمية".

وعرج البحث على عديد من الصراعات في مناطق متعددة، ومنها الأوضاع المتوترة بين روسيا وجورجيا، والتَّدهور غير المسبوق في العلاقات بين المغرب والجزائر.

وفي آسيا تصاعد التوتر بين باكستان وجارتها الهند، كما ارتفعت حالة التوتر والمشاعر المناهضة للمسلمين في الهند إلى مستويات خطرة.

روسيا (AA)

ويوجد أيضاً الصراع بين الصين وتايوان الذي لا يُعرف إلى أي مدى ستكون بكين مستعدة لتوسيعه في بحر جنوب الصين، خصوصاً أن المواجهة قد تكون بينها وبين الولايات المتحدة أيضاً.

وشملت الصراعات والحروب دولاً في أمريكا الوسطى والجنوبية ضمن الحرب على عصابات المخدرات والعصابات الإجرامية، كما يحدث في المكسيك وكولومبيا وغيرهما.

واتسع نطاق الحروب والصراعات لتشمل دولاً مثل سوريا والبرازيل وميانمار والعراق والصومال ونيجيريا وأفغانستان وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى ومالي وقبرص وجنوب لبنان.

حروب طويلة الأمد

ويعتقد الخبراء أن على الولايات المتحدة وحلفائها التغيير من سياساتهم القائمة على فكرة أن الحروب ستكون قصيرة المدى.

واعتمد التقرير في تحليله على الحرب في أوكرانيا، إذ يرى الباحثون أن تطورات الأحداث تظهر أن نمط التفكير الأمريكي الحالي يخلط بين التخطيط للفوز بمعركة محدودة ومتطلبات نزاع طويل المدى.

وضمن الرؤية ذاتها يحذر الخبراء مما يرونه تراجعاً كبيراً للحلفاء في الاصطفاف مع الحليف الأمريكي، معتقدين أن السياسة الداخلية الأمريكية أيضاً قد تضعف قدرة أمريكا على الاضطلاع بدور قيادي في المعسكر الغربي الذي مارسته على مدى أكثر من سبعة عقود من الزمن.

TRT عربي
الأكثر تداولاً