ترحيب أوروبي وتشكك أمريكي.. جدل حول دوافع مبادرة بكين للسلام في أوكرانيا / صورة: Reuters (Clodagh Kilcoyne/Reuters)
تابعنا

في الوقت الذي قد تشهد فيه الحرب الأوكرانية تصعيداً كبيراً محتملاً عقب الخطاب الناري الذي ألقاه الرئيس الروسي قبل أيام، وأعلن فيه تعليق بلاده العمل بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية "نيو ستارت"، خرجت الصين لأول مرة منذ اشتعال الحرب وأعلنت استعدادها لتقديم مبادرة سلام شاملة لحل الأزمة في أوكرانيا.

وأعرب وزير الخارجية الصيني تشين غانغ عن قلق بلاده إزاء تصعيد محتمل للحرب في أوكرانيا، وقال: "إن الصين قلقة للغاية من تصعيد الصراع بل وحتى فقدان السيطرة". مشيراً إلى أن بكين ستعمل على "تعزيز حوار السلام".

وبالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى على اندلاع الحرب الأوكرانية، نشرت وزارة الخارجية الصينية الجمعة مقترحاً من 12 بنداً لتحقيق السلام في أوكرانيا، ما يُعتبر جزءاً من جهود بكين الأخيرة لتقديم نفسها وسيط سلام محايداً.

مبادرة السلام الصينية

على الرغم من الضغط المتزايدة التي تتعرض لها بكين من الولايات المتحدة وحلفائها بشأن شراكتها المتنامية مع موسكو، كررت الصين دعواتها إلى تسوية سياسية للصراع الأوكراني في الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي، وذلك من خلال نص المبادرة حول الأمن العالمي التي قدمتها وزارة الخارجية يوم الثلاثاء، والتي سبق أن اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ العام الماضي. في نهاية أبريل/نيسان 2022.

وخلال افتتاح "منتدى بواو الآسيوي" في نهاية أبريل 2022، اقترح الرئيس الصيني مبادرة في مجال الأمن العالمي تنص على ضرورة التزام والتقيد بجملة من المبادئ، من أبرزها: التمسك برؤية للأمن على أساس أنه مشترك وشامل ومستدام، واحترام سيادة وسلامة أراضي جميع البلدان، فضلاً عن التزام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

وفي ورقة موقف صدرت حديثاً يوم الجمعة، دعت وزارة الخارجية الصينية إلى استئناف محادثات السلام وإنهاء العقوبات الأحادية الجانب، وشددت على معارضتها لاستخدام الأسلحة النووية، وهو موقف أبلغه الزعيم الصيني شي جين بينغ للقادة الغربيين العام الماضي، حسبما نقلته شبكة سي إن إن الأمريكية.

ومن أبرز ما تضمنته مبادرة السلام الصينية الأخيرة: احترام سيادة كل الدول والتزام القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة بحيث لا يكون ضمان أمن دولة ما على حساب الآخرين، ووقف الأعمال العدائية وتبادل الأسرى وإيجاد حل للأزمة الإنسانية، بالإضافة إلى مناداتها بوقف العقوبات الأحادية.

ما بين الترحيب والتشكيك

وقبيل إعلان المقترح الصيني، رحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمبادرة بكين، مشيراً إلى أن انخراط الصين في جهود إحلال السلام خطوة أولى مهمة، وفقاً لما أوردته وكالة أسوشيتد برس.

وعن تولي الصين قيادة جهود السلام بين روسيا وأوكرانيا، وفيما رحبت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بمساعي الصين "الإيجابية"، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن أوروبا بحاجة إلى مزيد من الأدلة على أن الصين لا تعمل مع روسيا، ولكنها في الوقت نفسه أكدت أن أوروبا مطمئنة نسبياً للصين أنها لا تلعب دوراً في هذه الحرب.

بالمقابل، شككت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس فيما تبديه الصين من حياد، وعبرت عن قلق الإدارة الأمريكية قائلة: "الولايات المتحدة قلقة من تعميق الصين علاقاتها مع موسكو منذ بدء الحرب".

فيما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عقب لقائه نظيره الصيني، الأحد، إن بكين تنظر في إرسال "أسلحة" إلى روسيا، دعماً لهجومها في أوكرانيا. وصرح بلينكن لشبكة سي بي إس: "تحدثنا عن الحرب التي تشنها روسيا، وعن قلق نشعر به لكون الصين تنظر في تقديم دعم فتاك إلى روسيا".

جدل حول الدوافع

قبل سفره إلى روسيا لعرض مبادرة بلاده للسلام في أوكرانيا، قال كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي خلال كلمة له في مؤتمر ميونخ للأمن السبت: "هذه الحرب يجب ألا تستمر"، ووجه بالوقت ذاته توبيخاً مستتراً للولايات المتحدة. وأضاف: "قد لا ترغب بعض القوى في رؤية محادثات السلام تتحقق. إنهم لا يهتمون بحياة وموت الأوكرانيين، ولا بالضرر الذي يلحق بأوروبا. قد يكون لديهم أهداف استراتيجية أكبر من أوكرانيا نفسها"، وفقاً للتايمز.

وعن المفارقة بين مبادرتها للسلام والادعاءات الأمريكية بأن بكين تستعد لدعم موسكو بالسلاح، أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن الصين تسعى من خلال هذه المبادرة لوقف الانتكاسات الروسية في أوكرانيا ومنع تعرضها لهزيمة واسعة النطاق.

وذكرت الصحيفة أن بكين يخيم عليها تخوف متزايد من أن زيادة الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا سيضعف بشدة روسيا، الشريك الرئيسي للصين في تنافسها المتزايد مع الولايات المتحدة وحلفائها. ومع ذلك، لا تزال الصين تتطلع إلى زيادة وارداتها من النفط والغاز والسلع الزراعية الروسية، وإقامة مزيد من شراكات الطاقة المشتركة في القطب الشمالي وزيادة الاستثمار الصيني في السكك الحديدية والمواني الروسية.


TRT عربي