زلازل تركيا / صورة: AA (AA)
تابعنا

في مشهد استثنائي من التضامن، برز الأشخاص الذين تعاني عائلاتهم من آثار الزلزال في مقدمة العمل الإغاثي لمساعدة المتضررين منه.

زينب مفتي، التي تدير شركة في مدينة مرسين، حوصر عديد من أفراد أسرتها تحت الأنقاض في أكثر المناطق الجبلية في مقاطعة هاطاي، التي دمّرها الزلزال الكبير الذي ضرب مناطق واسعة في تركيا وسوريا.

وحتى كتابة هذا التقرير كان مرّ أكثر من 48 ساعة على وجود أفراد أسرتها تحت الأنقاض. ولكن على الرغم من معاناتها هذه، فقد قادت مفتي بالفعل حملات دعم ونقل المعونات من مرسين إلى منطقة أنطاكية في هاطاي، التي تبعد نحو 270 كيلومتراً، وذلك لإمداد الناجين بالمؤن ولوازم الإغاثة والمساعدات الطارئة.

وتقول مفتي لـ TRT World: "من ناحية، نحن نكافح من أجل إنقاذ من هم تحت الأنقاض، ومن ناحية أخرى نسعى جاهدين لجمع وتوصيل الإمدادات للناجين". وتضيف: "نحن بحاجة إلى كل مساعدة يمكننا الحصول عليها، الجميع هنا في وضع مفجع"، مشيرة إلى أن ثلثي أبنية هاطاي قد انهارت، في حين تعرض الثلث الآخر لأضرار جسيمة.

وتستكمل مفتي: "تقريبٍا تحولت المدينة بأكملها إلى أنقاض، وفقدنا كثيراً من الناس"، مضيفة أن المحطات الأساسية انهارت أيضاً، ما تسبب في عوائق كبيرة تتعلق بالاتصالات التليفونية. "فقط قليل من القرى أو المناطق الريفية كانت تعمل لديها خدمات الاتصال" حسب قول مفتي.

ووصف السكان المحليون في هاطاي، الوضع في أثناء عمليات الإنقاذ بأنه كارثي، وذلك فيما يتعلق بالأمور التنظيمية والحاجة الماسة إلى المعدات.

ومن ناحية أخرى، قالت الحكومة التركية إن الأحوال الجوية السيئة والطرق المدمرة بالإضافة إلى العاصفة الجليدية شكلت تحديات كبيرة لإجراء عمليات الإنقاذ بشكل فوري، كما أعاقت غالبية المساعدات الحيوية عن الوصول إلى المدينة على نطاق واسع خلال اليومَين الأوّلَين من الزلزال.

خلال الساعات الأولى من صباح الاثنين، شهد جنوب تركيا وسوريا زلزالاً بقوة 7.7 درجة. وأعقبه زلزال آخر قوته 7.6 درجة ومئات الهزات الارتدادية التي لا تزال مستمرة. وتعتبر هاطاي واحدة من أكثر المدن تضرراً.

سارع الناس في جميع أنحاء البلاد للتبرع بالمؤن لمراكز جمع المساعدات، بالإضافة إلى التبرع المادي لرئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD) والمنظمات الأخرى التي لديها فرق في المناطق المتضررة.

تقول نيل قورت (اسم مستعار)، محامية مقيمة في مرسين تشارك في جهود الإغاثة، في حديثها مع TRT World: "البرد قارس في هاطاي، حتى الأشخاص الذين لجأوا إلى سياراتهم أملاً في الدفء لا يملكون وقوداً وبالتالي لا يمكنهم تشغيل نظام التدفئة" .كان شقيق قورت وزوجته المقيمين في هاطاي محظوظين لأنهما خرجا من منزلهما قبل أن تنهار جدران الشقة عليهما، فيما تُوفي عديد من أصدقاء قورت وعائلاتهم في الزلازل المدمرة.

وتضيف: "الجميع هنا لديه شخص مات أو علق تحت الأنقاض، كما أن كثيراً من الناس لانعرف عنهم شيئاً بعد".

وفقاً لأحدث الأرقام التي قدمتها السلطات التركية، فقد لقي ما لا يقل عن 18342 حتفهم وأصيب أكثر من 74242 آخرين نتيجة الزلازل التي طالت أكثر من 13 مليون شخص في 10 مقاطعات تركية أُعلنت فيها حالة الطوارئ.

فتح السكان المحليون أبوابهم للمساعدة

مرسين التي تقع جنوب منطقة الزلزال، أصابتها أيضاً أضرار لكنها تعد طفيفة مقارنة بالمقاطعات العشر. وحشدت المدينة إمكانياتها لمساعدة ضحايا الزلزال.

كثفت العديد من المنظمات المبادرات التضامنية لمساعدة المتضررين من الزلازل (AA)

فتح الناس في المدينة منازلهم لمن ليس لديهم مكان آمن يلجأون إليه. كما استقبلت الفنادق وأدوار المبيت الناجين مجاناً. وتوقف عديد من المقاهي والمطاعم عن أعمالهم المعتادة لتقديم المساعدة الإنسانية.

تعمل الحكومة ومنظمة إدارة الكوارث والطوارئ وعديد من المنظمات الأخرى على مدار الساعة لمساعدة ضحايا الزلزال. وتضيف قورت: "لكن الضرر هائل، ويجب علينا كثير من العمل، ولا يزال كثير من الأشخاص والأماكن التي يتعين علينا الوصول إليها، لذلك استُدعينا للعمل".

وتستكمل: "شاركت مع كثيرين في مرسين ومناطق أخرى من أجل إيصال الإمدادات إلى المدن التي تحتاج إلى المساعدة". إلى جانب هاطاي، إذ أرسلوا شاحنات محملة بالامدادات إلى عثمانية وآدي يامان وقهرمان مرعش، وهي مركز الزلازل الكبرى.

"نحن نبذل هذا الجهد بمواردنا الخاصة. عملنا مع المنظمات والأشخاص من هذه المدن واستطعنا الحصول على موافقة من الجهات المعنية للدخول إلى المناطق التي ضربها الزلزال في مركبات كبيرة تحمل المساعدات".

منذ دخول حالة الطوارئ حيز التنفيذ، مُنع المدنيين والمركبات الشخصية دخول المدن العشر لمنع إعاقة جهود الإغاثة الرسمية والمصرح بها.

قالت مفتي: "نأمل في مواصلة تسليم المساعدات، وإرسال ولو شاحنة واحدة على الأقل إلى المناطق المتضررة كل يوم على مدار أسبوع"، مضيفة أنهم ينقلون أيضاً ضحايا الزلزال إلى مرسين، وهي مدينة أكثر أماناً حيث يمكنهم الاحتماء وتلقي مزيد من المساعدة الطبية، في مركبات المساعدة عند عودتها.

الأطفال يحتاجون إلى المساعدة

يُنقل الأشخاص، وخصوصاً الأطفال، الناجون من مناطق الزلزال إلى المستشفيات في مرسين ومدن أخرى في جميع أنحاء تركيا.

وتضيف قورت: "أخبرنا الأطباء هنا في مرسين أن ضحايا الزلزال الذين وصلوا إلى المستشفيات غير مصحوبين بذويهم ولا ملابسهم، تطوع الناس للحضور معهم وإرسال الملابس إليهم أيضاً".

ووفقاً لمفتي وقورت، اللتَين تتواصلان باستمرار مع الأشخاص في الميدان، "توجد حاجة خاصة إلى إمدادات للأطفال والرضع في مناطق الزلزال، حيث لم يُتمكن من الوصول إلى عديد من أمهاتهم"

يعد الحليب وحفاضات الأطفال من بين الاحتياجات الأساسية إلى جانب المصابيح الكهربائية والأدوية والبطانيات والملابس الشتوية مثل المعاطف والجوارب والأحذية، بجانب الأطعمة المعلبة والبسكويت التي من شأنها أن تمد بالطاقة وتساعد على الشعور بالدفء، بالإضافة إلى منتجات النظافة مثل الفوط الصحية.

تقول قورت وهي تعلم الحقيقة القاتمة لاحتمالية النجاة الضئيلة، إن الحاجة قائمة أيضاً إلى مزيد من معدات البناء الثقيلة لاستخراج الجثث من الأنقاض فضلاً عن الحاجة إلى أكياس الجثث.

بدورها، قالت مفتي: "ستستمر جهود البحث والإغاثة لفترة طويلة بالنظر إلى حجم الدمار، وسيحتاج الناس هنا إلى مزيد من المساعدة". وختمت كلامها: "لا يزال كثير مما يمكننا فعله".


TRT عربي