سليمان الحلبي.. قصة شاب سوري قتل كليبر وبدد أحلام فرنسا في مصر. (Others)
تابعنا

في صيف عام 1798، أبحر الجنرال نابليون بونابرت ومعه أكثر 300 سفينة فرنسية تحمل على متنها ما يقرب من 54 ألف شخص، بينهم أكثر من 36 ألف جندي، متوجهاً إلى مصر بهدف احتلالها. وهي الحملة التي عُرفت بالحملة الفرنسية (1798-1801)، وكان الهدف منها الدفاع عن المصالح الفرنسية من خلال منع إنجلترا الوصول للهند.

بعد فشل خطط نابليون في استمالة الشعب المصري من خلال اللعب على وتر الدين واحترامه وتقديره للنبي محمد وتعظيمه للقرآن الكريم، أشعل المصريون ثورة القاهرة الأولى التي قمعها نابليون بوحشية مفرطة، ورغم قمعها تكسرت أحلام الجنرال الفرنسي ذو الـ 29 ربيعاً في السيطرة السريعة على مصر والشام وإنشاء إمبراطورية فرنسية شرقية فيهما.

وما أن بدأت الأوضاع تتقلقل في فرنسا، حتى قرر نابليون ترك مصر سراً وتسليم القيادة إلى حاكم الإسكندرية آنذاك، الجنرال جان باتيست كليبر، الذي قال عنه نابليون في رسالته إلى جيشه: "يعز عليّ ترك الجنود مع ارتباطي بهم لكنه وضع مؤقت، واعلموا أن الجنرال الذي خلفته يحظى بثقة الحكومة وثقتي".

أصل الحكاية

بعد تسلم كليبر قيادة الحملة الفرنسية، اندلعت ثورة القاهرة الثانية من حي بولاق أبو العلا بقيادة الحاج مصطفى البشتيلي، لكن رغم بطولة وتضحية المصريين تمكن الجيش الفرنسي من إخمادها في النهاية. قمع الثورة والانتصار على العثمانيين في معركة هليوبوليس مكّن كليبر من التغلب على الصعوبات المالية والسياسية والعسكرية التي خلفها نابليون ورائه قبل تركه مصر.

وبينما كان كليبر يعد الخطط لتخليد اسمه وذكراه قائداً لـ "جيش الشرق" بعيداً عن ظل نابليون في مصر، لم يكن يعرف أن مصيره قد ترك لخنجر شاب سوري اسمه سليمان الحلبي كان اشتراه من غزة قبل وصوله إلى مصر مع قافلة محملة بالصابون والدخان.

تسبب اغتيال كليبر في تسريع جلاء الحملة الفرنسية عن مصر، فيما رأى باحثون أن سفر الشاب من سوريا إلى القاهرة للمشاركة في القتال ضد الفرنسيين، ما هو إلا تأسيس لفكرة القومية العربية، مهما كانت دوافعه لذلك.

اغتيال كليبر

بعد تتبعه تحركات كليبر لما يقرب من شهر، تمكن الشاب السوري من رصده وهو برفقة كبير المهندسين بالبستان بحي الأزبكية. وما أن ظفر سليمان، الذي كان متنكراً في زي متسول، بكليبر عصر يوم 14 يونيو 1800 حتى طعنه طعنات متوالية أردته قتيلاً، وحين حاول كبير المهندسين الدفاع عن كليبر طعنه أيضاً ولكنه لم يمت.

حاول سليمان ذو الـ 24 ربيعاً الاختباء من الحرس الفرنسي داخل بستان قريب، لكن كثرة عددهم مكنتهم من القبض عليه وسجنه. وبسبب التعذيب الشديد، انتزع الفرنسيون من سليمان الاعترافات والدوافع التي قادته إلى تنفيذ عملية الاغتيال. كما أخبرهم عن 4 من رفاقه الأزهريين قال إنه أخبرهم بعزمه قتل كليبر، وأنه نزل ضيفاً على معلمه مصطفى أفندي البرصلي (من أصل تركي).

فور انتزاع الاعترافات، أمر الجنرال مينو، الذي خلف كليبر في منصبه، بتجهيز محكمة عسكرية بتاريخ 15 و16 يونيو 1800 لمحاكمة سليمان. استغرقت المحاكمة 4 أيام فقط، انتهت بالحكم بالإعدام بالخازوق بحق سليمان ورفاقه الأزهريين، فيما أفرج عن مصطفى أفندي لعدم ثبوت علمه بخطة سليمان.

من حلب إلى القاهرة

وُلد سليمان في منطقة عفرين بريف حلب عام 1777. لكثرة تعلقه بمصر وشعبها كونه حج معهم مرتين في رحلة المحمل، قرّر والده أن يرسله إلى الأزهر كي يكمل تعليمه الشرعي، وهي رحلته الأولى إلى مصر التي مكث فيه 3 سنوات. أما رحلته الثانية فقد كانت بهدف قتل كليبر، فسافر مع قافلة من غزة إلى القاهرة، ومكث فيها حتى تمكن من قتله ومضى شهيداً.

اختلفت الدوافع التي قادت سليمان إلى اغتيال قائد "جيش الشرق"، فبينما يقول الجبرتي في تأريخه للحملة الفرنسية على مصر إن السبب يرجع إلى أن القادة العثمانيون قد أذاعوا أن من يقتل القائد الفرنسي سيحظى بنفس الامتيازات التي يحظى بها الضباط الأتراك. أما الفرنسيون فيقولون أن الديون والضرائب التي أثقلت كاهل والد سليمان أجبرته على قتل كليبر نظير أن يدفعها عن والده أحد ضباط العثمانيين، وبعض آخر يقول إن دافع سليمان كان الجهاد ورغبته في مقاومة المحتل الفرنسي.

وجمع كل من الشعب السوري والمصري التوقيعات الشعبية مطالبين الحكومة الفرنسية بعودة رفات سليمان الحلبي التي حملتها القوات الفرنسية معها إلى باريس، وبالأخص جمجمته المعروضة رفقة الخنجر الذي قُتل به كليبر في علبة من البلور مكتوب تحتها: "جمجمة مجرم" في متحف الإنسان بباريس حتى يومنا هذا.

وتخليداً لذكراه وشجاعته التي عجلت في جلاء الاحتلال الفرنسي عن مصر في النهاية، أنتج التلفزيون المصري في عام 1977 مسلسل سليمان الحلبي.

TRT عربي