"تكمُن أهمية طابا للإسرائيليين في أنها تُعَدّ شُرفة صغيرة تطلّ على رأس خليج العقبة، وتمتدّ على ساحل طابا بين سلسلة الجبال الشرقية وربوة غرانيتية قليلة الارتفاع تمسح مياه الخليج. تُعتبر هذه المنطقة ذات أهمية بالغة بالنسبة إلى مدينة إيلات الإسرائيلية، إذ تشكل إيلات الجبهة الإسرائيلية الأضيق في المنطقة، وتواجه خليج العقبة على مسافة 5 أميال فقط، ويحصرها ميناء العقبة الأردني من جهة ووادي طابا المصري من جهة أخرى".. هذا ما أوضحه المؤرخ المصري يونان لبيب رزق في كتابه "الأصول التاريخية لمسألة طابا - دراسة وثائقية".
وشهدت مدينة طابا المصرية مؤخراً حادث سقوط طائرة موجَّهة دون طيار بجوار أحد المباني المجاورة لمستشفى طابا، مما أسفر عن إصابة 6 أشخاص.
جغرافية طابا المصرية
تقع مدينة طابا المصرية على رأس خليج العقبة، محاطة من جهة بسلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية، ومن جهة أخرى بمياه خليج العقبة. تغطي المدينة مساحة تبلغ نحو 508.8 فدان، ويتجاوز عدد سكانها نحو 3000 نسمة. تقع طابا على بُعد نحو 240 كم شمالاً من مدينة شرم الشيخ.
تحدّ طابا المصرية من الحدود ثلاثة دول هي السعودية والأردن وإسرائيل. وتبعد عن ميناء إيلات الإسرائيلي نحو 7 كم شرقاً، كما توجد بالقرب من الحدود السعودية في اتجاه مباشر نحو قاعدة تبوك العسكرية. تُعَدّ طابا آخر تجمُّع سكاني مصري على خليج العقبة، وتشكل واجهة الميناء البحري الوحيد للأردن، الذي يُعرف بميناء العقبة.
طابا والدولة العثمانية
لم تكن المشكلات المتعلقة بطابا وإسرائيل النزاع الأول الذي تواجهه مصر، ففي 13 فبراير 1841 أصدر الحاكم العثماني فرماناً يمنح فيه محمد علي وأبناءه حكماً على مصر والسودان. تضمّن الفرمان خريطة لتحديد حدود مصر، وجرى تضمين معظم شبه جزيرة سيناء ضمن تلك الحدود.
استمرّت هذه الوضعية حتى عام 1892، عندما أصدر السلطان العثماني فرماناً يمنع مصر من السيطرة على نصف سيناء. تدخلت بريطانيا في هذا الصدد ونشأت أزمة تُعرف بـ"أزمة الفرمان" أو "قضية الفرمان". انتهت هذه الأزمة بموافقة السلطان عبد الحميد على خط الحدود المصرية الذي يمتد من رفح في الشمال إلى رأس خليج العقبة في الجنوب، ويقع على بُعد ثلاثة أميال غرب قلعة العقبة.
في بداية القرن العشرين، تحديداً في عام 1906، شهدت طابا نزاعاً بين مصر والسلطة الاحتلالية البريطانية والدولة العثمانية. وفي كتابه "الأصول التاريخية لمسألة طابا - دراسة وثائقية"، يشير المؤرخ المصري يونان لبيب رزق إلى أن "التوتر في طابا بدأ في بداية القرن الماضي بين مصر والسلطة الاحتلالية البريطانية طرفاً أول، والدولة العثمانية طرفاً ثانياً في يناير/كانون الثاني 1906".
ووفقاً لرزق، "بسبب تدخُّل بريطانيا لمنع تثبيت الوضع الحالي على الحدود، حفاظاً على مصالحها، تعقدت المشكلة وتجاوزت أزمة طابا، وامتدت إلى منطقة رفح في الشمال، حيث أرسلت الدولة العثمانية قواتها لاسترداد مدينة رفح".
وبالتهديد المتبادل بين بريطانيا والباب العالي في تركيا لاستخدام القوة العسكرية، اتخذت القوات العثمانية قراراً بحلّ الأزمة دبلوماسياً، وجرى تشكيل لجنة مشتركة مع الجانب المصري والبريطاني لإعادة تعيين الحدود وفقاً للقواعد الطبوغرافية لتحديد الحدود الطبيعية. وجرى وضع 91 علامة حدودية من رفح شمالاً إلى طابا جنوباً، وكان آخرها على رأس طابا.
أهمية طابا لإسرائيل
أهمية طابا لإسرائيل تكمن في موقعها الاستراتيجي. تقع مدينة طابا على بُعد 7 كيلومترات شرق ميناء إيلات الإسرائيلي، مما يجعلها نقطة الوصل الرئيسية بين إسرائيل وسيناء. إيلات يُعتبر المنفذ البحري الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، وبالتالي سيطرة إسرائيل على طابا ستسمح لها بتوسيع نفوذها وتسهيل العبور البحري من سيناء إلى باب المندب.
بالإضافة إلى ذلك، تُعَدّ طابا المدخل الرئيسي إلى مدينة شرم الشيخ ومضيق تيران. وباستيلاء إسرائيل على طابا ستكون لديها القدرة على مراقبة النشاط في المنطقة واستخدامها وسيلة للضغط على مصر من خلال عزل شمال سيناء عن جنوبها.
تحايُل إسرائيلي لضمّ طابا
بعد انتهاء حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 أصبحت طابا محل اهتمام كل من الدبلوماسية المصرية والإسرائيلية نتيجة الترتيبات المتعلقة بانسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء، وذلك في إطار تنفيذ اتفاقية السلام. ومن هنا بدأ النزاع الثاني حول طابا.
بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 طرحت إسرائيل مسألة تحديد الحدود الآمنة، وجرى التوصل في مارس/آذار 1979 إلى اتفاقية السلام التي نصت على انسحاب إسرائيل من سيناء إلى خارج الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب. ومع ذلك، بعد توقيع تلك المعاهدة قررت إسرائيل توسيع مناطق سيطرتها المحيطة بميناء إيلات وبدأت في إقامة فندق سياحي في وادي طابا دون إبلاغ مصر، مما أثار النزاع بشأن العلامة الحدودية رقم 91 في منطقة طابا.
في أثناء التدقيق في أعمدة الحدود الشرقية، اكتشفت اللجنة المصرية بعض المخالفات الجديدة التي ارتكبتها إسرائيل حول 13 علامة حدودية أخرى، إذ أرادت إسرائيل أن تدمجها ضمن أراضيها. وبعد ذلك أعلنت مصر أنها لن تتنازل أو تفرط في أي سنتيمتر واحد من أراضيها، وأن الحفاظ على وحدة التراب الوطني المصري هو هدف أساسي وركيزة لأي تحرك تتخذه.
استعادة طابا.. المراحل والتحديات
شهدت مراحل استعادة طابا من إسرائيل وضمّها مرة أخرى إلى الحدود المصرية عدة تحديات وجهود دبلوماسية. جرت المراحل الرئيسية لاستعادة طابا على النحو التالي:
المرحلة الأولى: مرحلة المباحثات بشأن طابا
في هذه المرحلة أعلنت مصر أن أي خلاف بشأن طابا يجب أن يُحَلّ بالمفاوضات وفقاً للمادة السابعة من معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية. استمرّت المفاوضات لأكثر من أربع سنوات، ومع تعقيداتها وصعوباتها تدخّلت الولايات المتحدة للمساعدة في التوصل إلى حل. وفي 11 سبتمبر/أيلول 1986 جرى الاتفاق على اللجوء إلى هيئة تحكيم دولية في جنيف، سويسرا.
المرحلة الثانية: مرحلة التحكيم بشأن طابا
أعربت مصر عن رغبتها في التحكيم وتشكيل لجنة فنية من الخبراء في القانون الدولي لدراسة الجوانب القانونية وتحديد المناطق المتنازع عليها. أصرَّت مصر على تحديد جدول زمني صارم للتحكيم وضمان تثبيت الموقع الصحيح للحدود. في النهاية، أصدرت هيئة التحكيم الدولية في جنيف حكماً تاريخياً يؤكد أن طابا تعود إلى السيادة المصرية.
المرحلة الثالثة: رفع العلم المصري على طابا
واجهت مصر صعوبات ومراوغات من إسرائيل في تسليم طابا إلى السيادة المصرية، مما أثار غضب الشعب المصري والقوات المسلحة. وبعد ما يقرب من 7 سنوات من المعارك السياسية والدبلوماسية تمكنت مصر من رفع العلم المصري فوق طابا في عام 1989.
بهذا الشكل جرت استعادة طابا وضمّها مرة أخرى إلى الحدود المصرية بعد جهود دبلوماسية وتحكيم دولي. وتُعَدّ استعادة طابا إنجازاً هامّاً لمصر في تعزيز سيادتها على أراضيها وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
طابا.. مدينة سياحية تتمتع بتنوع طبيعي رائع
تُعَدّ مدينة طابا واحدة من أهم المدن السياحية في المنطقة بفضل مزيجها الفريد من التنوع الطبيعي. تحتضن طابا سلسلة جبال وهضاب شرقية مهيبة، فيما تطلّ على خليج العقبة الساحر. تجذب المدينة السياح بشواطئها الرملية البيضاء النقية ومياهها الصافية اللامعة بألوانها الزمردية والتركوازية. يُعتبر الغوص والغطس في مياه طابا الفيروزية تجربة لا تُنسى، إذ يمكن للزوار استكشاف الشعاب المرجانية الجميلة والغنية بالحياة البحرية المتنوعة.
تفجيرات طابا
في أكتوبر/تشرين الأول 2004 تعرضت مدينتا طابا ونويبع لسلسلة تفجيرات إرهابية مروعة. استهدفت هذه الهجمات فندق هيلتون طابا ومخيمَي أرض القمر والبادية الواقعَين على جزيرة رأس شيطان في نويبع، وجرى تنفيذها باستخدام ثلاث سيارات مفخخة. أسفرت الانفجارات عن مقتل 7 مصريين و24 إسرائيلياً، وإصابة 135 آخرين. وقد تسببت الهجمات أيضاً في تدمير عشرة طوابق من فندق هيلتون طابا، إذ جرى استخدام سيارة من طراز فورد تحمل مئة كيلوغرام من المتفجرات في استهدافه.
تلك الهجمات الإرهابية كانت صدمة كبيرة لسكان طابا وزوارها، إذ تعرضت المدينة لخسائر بشرية ومادية فادحة. ومع ذلك فقد استعادت طابا ببطء رونقها باعتبارها وجهة سياحية مشهورة. جرى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة في المنطقة لضمان سلامة السكان والسياح، وجرى تعزيز جهود الأمن والاستقرار في المنطقة.
على الرغم من هذه الحادثة المؤلمة، فإنّ طابا لا تزال واحدة من المدن السياحية المشهورة في المنطقة، إذ يتوافد السياح من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بجمالها الطبيعي الاستثنائي والاسترخاء على شواطئها الخلابة.