عند الحديث عن سيناء، يتبادر إلى الذهن مزيج من الجمال الطبيعي الخلاب والتاريخ العريق والتنوع الثقافي الفريد. سيناء هي شبه جزيرة تقع شمال شرقي مصر، وتعد واحدة من أهم المناطق السياحية في البلاد ووجهةً للكثير من الزوار من مختلف أنحاء العالم.
جغرافية سيناء
تعد شبه جزيرة سيناء، الملقبة بأرض الفيروز، واحدة من الوجهات الجغرافية الفريدة والمثيرة. تقع في الجزء الشمالي الشرقي من جمهورية مصر العربية، وتشكل الجزء الوحيد من البلاد الذي ينتمي جغرافياً إلى قارة آسيا. تتميز بشكلها المثلثي ومساحتها البالغة نحو 60088 كيلومتراً مربعاً، ما يمثل نحو 6% من مساحة مصر بأكملها.
يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب خليج السويس وقناة السويس، ومن الشرق دولة فلسطين بما في ذلك قطاع غزة وإسرائيل، وخليج العقبة، ومن الجنوب البحر الأحمر. وبفضل موقعها الاستراتيجي، تشكل سيناء حلقة الوصل التي تربط بين قارتي إفريقيا وآسيا.
ويقدر عدد سكان محافظتي شمال وجنوب سيناء بنحو 700 ألف نسمة، ويوجد في المنطقة عدد من القبائل، بما في ذلك السواركة والرميلات والترابين والمساعيد وغيرها.
تسمية سيناء
تاريخ تسمية سيناء يُثير جدلاً بين المؤرخين. يعتقد بعضهم أن اسمها يعني "الحجر" بسبب وفرة الجبال في المنطقة. فيما يشير آخرون إلى أنها تسمى "توشريت" في الهيروغليفية القديمة، وتعني "أرض الجدب والعراء". أما في التوراة، فتُعرف بالاسم "حوريب"، الذي يعني "الخراب". ومع ذلك، فإن الرأي المتفق عليه هو أن اسم سيناء يشير إلى الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة ويرجع إلى الإله "سين"، إله القمر في العقيدة البابلية القديمة. وكانت عبادته منتشرة في غرب آسيا، بما في ذلك فلسطين. وجرى ترابطه بين إله "سين" وإله "تحوت"، إله القمر المصري الذي كان له دور كبير في سيناء. وتشير النقوش القديمة إلى أنه لم يكن هناك اسم محدد لسيناء، ولكنها تُشار إليها أحياناً بكلمة "بياوو" أو "بيا"، وتعني "المناجم"، وفي المصادر المصرية الأخرى من عصر الدولة الحديثة يشار إلى سيناء بأسماء مثل "خاست مفكات" و"دومفكات"، وتعني "مُدرجات الفيروز".
وظهر اسم "سيناء" في وقت مبكر، قرابة عام 5600 قبل الميلاد، عندما نسب المؤرخون القدماء اسم "سيناء" إلى الآراميين الذين كانوا يعبدون القمر ويطلقون عليه اسم "سين". ووردت أيضاً في الوثائق السيناوية مشاهدات تشير إلى أن اسم سين يُطلق على "نور الإله"، الذي يُعبّر عنه بـ"نور القمر"، والذي يهيب بأرض الأمان والسلام، ومن هنا جاءت تسمية أرضهم المقدسة "سينا".
التقسيم الإداري والعسكري لسيناء
ينقسم شبه جزيرة سيناء إدارياً إلى عدة محافظات ومناطق عسكرية. تشمل التقسيمات الإدارية محافظة شمال سيناء بعاصمتها "مركزها" مدينة العريش، وتنقسم المحافظة إلى ستة مراكز إدارية.
وتشمل أيضاً محافظة جنوب سيناء بعاصمتها مدينة الطور، وتنقسم المحافظة إلى تسع مدن.
بورفؤاد وسلام مصر هما مدينتان تابعتان لمحافظة بورسعيد. وتشمل أيضاً القنطرة الشرقية، التي تتبع محافظة الإسماعيلية، وحي الجناين، الذي يعد أحد أحياء محافظة السويس.
وفيما يتعلق بالتقسيم العسكري، قُسمت سيناء وفقاً لمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية إلى ثلاث مناطق.
المنطقة "أ" تحدها قناة السويس والساحل الشرقي لخليج السويس، وتضم قوات مصرية من فرقة مشاة ميكانيكية واحدة.
المنطقة "ب" يحدها الخط الأحمر وتضم وحدات قوات حرس الحدود المصرية.
أما المنطقة "ج" فتحدها الحدود الدولية وخليج العقبة، وتوجد فيها قوات الأمم المتحدة والشرطة المصرية وكتيبة من حرس الحدود.
مدينة سيناء: الأهمية الاستراتيجية
عند النظر إلى الجانب الشمالي الشرقي لسيناء بمنظور تاريخي، يتبين أن شبه جزيرة سيناء هي النقطة التي تربط بين إفريقيا وآسيا. والمثلث الشمالي لسيناء، الذي يحده الخط من السويس إلى رفح تقريباً، هو الحلقة المباشرة التي تربط مصر ببلاد الشام.
وبشكل أدق، المنطقة الواقعة شمال هذا الخط بنحو خط عرض 30 درجة هي منطقة الحركة والتواصل، فيما المثلث الجنوبي تحت هذا الخط هو منطقة العزلة والانفصال.
المنطقة الشمالية تحمل شرايين الحركة الرئيسية وتُعدّ الرابط الحيوي بين القارتين، فيما المنطقة الجنوبية هي مكان النفي والملجأ الذي يلجأ إليه الضعفاء أو المطاردون.
ونظراً لأن الطريق البري الخارجي الخطير إلى مصر كان يمر أساساً عبر بلاد الشام، أصبحت سيناء نقطة حرجة بين الضلعين الشامي والمصري اللذين يشكلان وحدة استراتيجية واحدة. وأصبحت سيناء طريق الحرب الرئيسية بوصفها ممراً برياً، وجسراً استراتيجياً يعبر عليه الجيوش عبر التاريخ مراراً وتكراراً. فقد عبرها تحتمس الثالث وحده 17 مرة، وربما عبرتها الجيوش مئات المرات على مر العصور.
وتلك القوة الاستراتيجية لسيناء جعلتها محوراً للتحالفات والصراعات العسكرية على مر العصور. فقد استُخدمت قاعدةً عسكريةً ومنطقة نفوذ للدول والإمبراطوريات المختلفة.
وعلى مر العصور، شهدت سيناء وجود الكثير من الحضارات والقوى العسكرية، بمن في ذلك الفراعنة المصريون والأساييرو-البابليون واليونانيون والرومان والعرب والعثمانيون.
محاور سيناء الاستراتيجية
محور الشمال: يمتد على طول الساحل الشمالي لسيناء.
محور الجنوب: يربط بين زاوية البحر المتوسط قرب رفح ورأس خليج السويس.
محور الوسط: يشكل قاطعاً بين زاوية البحر المتوسط ومنتصف قناة السويس عند بحيرة التمساح.
يُستعرض الشكل العام لهذه المحاور، حيث تشكل حزمة مجمعة في الشمال الشرقي قرب تقاطع الحدود السياسية وساحل البحر المتوسط، وتفتح في الغرب والجنوب الغربي بمحاذاة قناة السويس. يُذكر أيضاً وجود فرع جنوبي يمتد بين رأسي خليج السويس والعقبة، مما يعطي الشكل العام للمنطقة شكل حرف "Z".
تاريخ سيناء عبر العصور
إذا كانت مصر تتمتع بأطول تاريخ حضاري في العالم، فإن سيناء تتميز بأنها أرض تشتهر بتاريخها العسكري الطويل تقريباً. تُعدّ سيناء منطقة مليئة بالتناقضات، حيث يكون عدد سكانها قليلاً وتفتقر إلى الزراعة، ومع ذلك، فهي واحدة من أكثر المناطق تعرضاً للهجمات العسكرية على مر العصور.
تعرضت مصر لغزو الهكسوس الذين احتلوها من عام 1660 إلى 1580 قبل الميلاد. بدأت حركات التحرر الفرعونية التي قادها حكام الدولة القديمة "طيبة" لطرد الهكسوس وتطهير أرض مصر من وجودهم في شمال سيناء بقيادة جيش أحمس الأول.
ثم فُتحت سيناء من الجيوش الإسلامية بقيادة عمر بن الخطاب، وذلك لنشر الإسلام في مصر والمنطقة الغربية.
كانت سيناء طريقاً للمماليك المصريين لاستعادة الإمبراطورية المصرية في فلسطين وسوريا في القرن الثالث عشر. وأيضاً طريقاً للعثمانيين إلى مصر.
بعد احتلال نابليون بونابرت مصر عام 1798، تغيرت وضعية سيناء بشكل كبير، حيث أصبحت شبه الجزيرة منقسمة بين الأراضي العثمانية في الشرق والحكم الفرنسي في مصر.
وبرزت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة عندما أعلن السلطان سليم الثالث الحرب على فرنسا وأرسل جيشاً إلى حدود سيناء واحتل أحمد باشا الجزار، والي عكا، مدينة العريش. اضطر القائد الفرنسي آنذاك إلى إعداد حملة عسكرية لغزو الشام عبر سيناء واحتلال مدينة العريش في 19 فبراير/شباط 1799.
احتلال إسرائيل لسيناء
في العصر الحديث، احتلت إسرائيل سيناء مرتين:
الأولى في عام 1956.
والثانية في عام 1967، واستمر الاحتلال الإسرائيلي حتى توقيع اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية في أواخر سبعينيات القرن الماضي وانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة.
التاريخ المقدس لسيناء
سيناء هي منطقة تاريخية غنية بالمعالم الدينية التي تعود إلى عصور مختلفة. تعد هذه المعالم مقصداً مهماً للمسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواء. إليك بعض أبرز المعالم الدينية في سيناء:
جبل موسى:
جبل موسى هو واحد من أبرز المعالم الدينية في سيناء ويُعدّ مقدّساً للعبادة في الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية. ويُروى أنه المكان الذي تلقى فيه النبي موسى (عليه السلام) الوصايا العشر من الله تعالى. ويتجه الكثير من الزوار إلى قمة الجبل في الصباح الباكر لمشاهدة شروق الشمس الساحر من القمة.
دير سانت كاترين:
يقع دير القديسة كاترين في جبل سانت كاترين بجنوب سيناء، ويُعدّ واحداً من أقدم الأديرة المسيحية في العالم المأهولة بالرهبان. يحتضن الدير مجموعة ثمينة من الآثار الدينية والتاريخية، بما في ذلك كتب مخطوطة نادرة وأيقونات قديمة. يعد دير سانت كاترين مقصداً مهماً للحجاج والزوار الذين يأتون للاستمتاع بالهدوء والروحانية في هذا المكان المقدس.
الوادي المقدس:
يُعدّ الوادي المقدس موقعاً مهماً في سيناء. يقع الوادي المقدس بالقرب من دير سانت كاترين وجبل الطور، ويُعتقد أنه موقع المواقف الروحية لموسى وشعبه في أثناء رحلتهم في البرية. يُعدّ الوادي المقدس مكاناً هادئاً ومُلهماً للصلاة والتأمل.
مسجد النبي هارون:
يُعدّ مسجد النبي هارون موقعاً دينياً مهماً في سيناء. يقال إن النبي هارون (عليه السلام)، شقيق موسى، قد دُفن في هذا الموقع. يجتذب المسجد الكثير من الزوار المسلمين الذين يأتون للصلاة وقراءة القرآن في هذا المكان.
كنيسة السيدة العذراء في رفح:
تقع كنيسة السيدة العذراء في مدينة رفح في شرق سيناء، وتُعدّ واحدة من أقدم الكنائس المسيحية في المنطقة. تمتاز الكنيسة بتصميمها الجميل والأثري، وتُعدّ مركزاً للصلاة والطقوس المسيحية في المنطقة.
عيون موسى:
في أرض سيناء، توجد منطقة عيون موسى، التي تحتوي على 12 عيناً تدفقت لتروي بني إسرائيل عندما شعروا بالعطش في أثناء عبورهم البحر في المشهد التاريخي، حيث غرق فرعون في خليج السويس. يتدفق الماء من هذه الينابيع ويُعدّ مصدراً لعلاج الكثير من الأمراض الروماتيزمية.
مجمع البحرين:
ذُكر مجمع البحرين في سورة الكهف، وهو الموقع الذي التقى فيه النبي موسى والخضر عليهما السلام. وقد أظهرت الدراسات أن هذا الموقع يقع في منطقة رأس محمد بشرم الشيخ، حيث يلتقي خليج العقبة وخليج جنوب سيناء. حُدد هذا الموقع عبر استخدام المسح التصويري بالأقمار الصناعية، وقد أُكد بواسطة تقنيات التصوير الجوي، التي حددت موقع لقاء النبي موسى والخضر في أرض سيناء، التي يبلغ عمرها نحو 3200 عام.
مدينة سيناء السياحية
تتميز مدينة سيناء بتضاريسها المتنوعة المكونة من الجبال الشاهقة والصحاري الرملية والشواطئ الساحرة. تُعدّ جبالها الوعرة وواحاتها الخضراء موطناً للكثير من النباتات والحيوانات النادرة، مما يجعلها مقصداً رائعاً لعشاق الطبيعة وعلماء البيئة.
وتضم سيناء أيضاً شواطئ ساحرة على سواحل البحر الأحمر، مثل شرم الشيخ ودهب ونويبع. تُعدّ هذه المناطق وجهة رائعة لمحبي الغوص والسباحة في مياهها الفيروزية الصافية، حيث يمكنهم استكشاف روعة الشعاب المرجانية ومختلف أنواع الأسماك الملونة.
وإلى جانب الطبيعة المدهشة والمعالم السياحية، توفر سيناء أيضاً فرصاً رائعة للتجارب الثقافية والترفيهية. يمكن للزوار زيارة الأسواق التقليدية ومتاجر الحرف اليدوية لاقتناء الهدايا التذكارية وتذوق المأكولات المحلية الشهية.
ولا يمكننا إغفال أهمية الثقافة البدوية في سيناء، حيث يمكن للزوار التعرف على أسلوب الحياة التقليدي للبدو والاستمتاع بالضيافة البدوية الدافئة. يمكنهم أيضاً الاستمتاع بالرحلات الصحراوية على ظهور الجمال والاستمتاع بالعروض الفنية والموسيقية التقليدية.