قبة الصخرة بناها الأمويون عام 72 هـ/691م (Ahmad Gharabli/AFP)
تابعنا

عقب صلاة فجر الجمعة الثانية من شهر رمضان التي تزامنت مع بداية عيد الفصح اليهودي الذي يصادف منتصف أبريل/نيسان الجاري، عادت قوات الاحتلال الإسرائيلية مجدداً وحولت ساحات المسجد الأقصى المبارك إلى مسرح عمليات قمعت فيها المصلين واعتقلتهم.

وأطلقت قوات الاحتلال الرصاص على الشباب المتحصنين داخل المصلى القبلي بعد أن دمرت نوافذه الزجاجية الفريدة، التي تسمى "القمريات" في فن العمارة الإسلامية. ولإنتاج نافذة واحدة من تلك التي دمّرها الاحتلال بهمجية، يحتاج الحرفي إلى العمل بمهارة عالية ودقة لا متناهية لقرابة 6 أشهر.

وقبل أن تلجأ إسرائيل إلى التدمير المباشرة الصارخ العلني، منعت العام الماضي كل أعمال الترميم والصيانة في المسجد الأقصى، كما منعت إدخال الموادّ اللازمة كافةً لذلك، في محاولة لوضع المسجد الأقصى ومعالمه الدينية التاريخية تحت سيوف الزمن والعوامل الطبيعية لتأتي عليه وتدمره.

درة تاج العمارة الإسلامية

على الرغم من أنها إحدى الركائز الأساسية في حادثة الإسراء والمعراج، فإن القدس ظلت مدينة صغيرة غير مؤثرة على سير التاريخ الإسلامي حتى فتحها المسلمون عام 637. وبالتزامن مع زيارته للقدس لتسلُّم مفاتيحها من بطريرك المدينة صفرونيوس، أطلق عمر بن الخطاب رحلة العمران الإسلامي في المدينة المقدسة من خلال بنائه المتواضع للمسجد العمري (المسجد الأقصى).

وفي أعقاب تضرُّر مظلة الخشب على الصخرة المشرفة في الجهة الجنوبية الشرقية للحرم القدسي جراء العوامل الطبيعية، أمر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بتخصيص خراج مصر -أغنى ولايات الدولة الإسلامية آنذاك- من أجل بناء مسجد قبة الصخرة عام 66هـ/685م، وفُرغ منها عام 72 هـ/691م، وأُعيد بناء المسجد الأقصى فكان أحد أبرز معالم العمارة الإسلامية في العهد الأموي.

وعلى مر التاريخ الإسلامي الذي اقترب عمره من 15 قرناً، شهدت مساجد القدس وآثارها اهتماماً منقطع النظير من جميع الخلافات الإسلامية المتعاقبة. فبينما تعبّر العمارة في دمشق عن العصر الأموي وفي بغداد عن العصر العباسي، وعن الفاطمي والمملوكي في مصر والعثماني في تركيا، تعبّر العمارة الإسلامية في القدس عن جميع تلك الحقب التاريخية، بما يجعل القدس وأقصاها درة تاج العمارة الإسلامية البديعة والفريدة.

الاحتلال ومحاولاته التدميرية

الأزمة داخل الحرم القدسي، الذي تبلغ مساحته 144 دونماً ويضمّ المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة وجميع ما يحتوي عليه من مصليات ومبانٍ وساحات وأسوار، ليست أزمة دينية وحسب، بل هي أيضاً أزمة سياسية آخذة في التفاقم منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967.

وإلى جانب محاولات الاحتلال المستمرة والشرسة التي يسعى من خلالها لتهويد القدس ومحو الهوية العربية والإسلامية للمدينة، وفرض سيطرته الكاملة تحت اسم السيادة الذي بدأ يتغنى به بعد اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة بالقدس عاصمة لإسرائيل، تظهر محاولات إسرائيلية شرسة لفرض مخطَّط التقسيم الزماني والمكاني على المسجد.

وبالإضافة إلى ذلك يسعى الاحتلال لسحب الوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى من خلال التضييق على لجنة إعمار المسجد الأقصى ومنعها من ممارسة أعمالها لـ4 أيام متواصلة العام الماضي. ولأول مرة منذ احتلال القدس، اغتصبت بلدية الاحتلال في عام 2019 أعمال ترميم السور الجنوبي الغربي للأقصى، فيما اغتصبت الشرطة صلاحية ترميم "الخلوة الجنبلاطية" التي تحتلها في صحن قبة الصخرة في مايو/أيار من العام ذاته.

تاريخ الانتهاكات الإسرائيلية

تَعرَّض المسجد الأقصى منذ احتلاله يوم 10 يونيو/حزيران 1967 لسلسلة طويلة من الانتهاكات الإسرائيلية. إليكم أبرزها وفق التسلسل الزمني:

1- في أغسطس/آب من 1969 أشعل الأسترالي الصهيوني دينس روهن النيران في الجامع القبلي، أحد مصليات المسجد الأقصى. دمّر الحريق حينها منبر صلاح الدين الأيوبي، ومحراب زكريا ومسجد عمر، وتضررت 3 من أروقة الجامع وسقف الجهة الشرقية له.

2- كانت سنوات الثمانينيات شاهدة على عديدة من مجموعات استيطانية لتفجير المسجد الأقصى وقبة الصخرة أو لتنفيذ مجازر فيهما. وفيما فشلت المحاولة لتفجير قبة الصخرة عام 1982، نجح متطرف يهودي في اقتحام المصلَّى وأطلق النار على الموجودين، فقتل فلسطينيين اثنين.

3- في التسعينيات حاول المستوطنون اليهود وضع حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث داخل المسجد، الأمر الذي كان سبباً في ما عُرف بمذابح الأقصى: الأولى التي راح ضحيتها 21 فلسطينياً عام 1990، والثانية التي أسفرت عن استشهاد 63 فلسطينياً عام 1996، دفاعاً عن الأقصى.

4- في عام 2000 اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية من قلب المسجد الأقصى، عندما اقتحمه أريئيل شارون الذي كان في حينها رئيس المعارضة في الكنيست ممثلاً حزب الليكود.

5- يُعتبر عام 2010 "المنعطف الأخطر نحو شروع اليهود في بناء المعالم اليهودية الضخمة بمحيط الأقصى"، حيث كان شاهداً على افتتاح "كنيس الخراب"، وهو أكبر كنيس في البلدة القديمة ولا يبعد سوى أمتار قليلة عن المسجد. بالإضافة إلى زيادة حدة مشاريع اقتحام المستوطنين للمسجد المستمرة منذ عام 1967، والتي شهدت تصاعداً ملحوظاً في السنوات الأخيرة.

6- حسب تقرير مؤسسة القدس الدولية 2016، بلغ عدد الحفريات في محيط المسجد الأقصى 63 حفرية متوزعة على الجهات الأربع في محيط الأقصى.

TRT عربي