في أعقاب الاضطرابات السياسية وأزمة الميزانية المتصاعدة في الولايات المتحدة، يراقب العالم من كثب العواقب التي قد تخلفها هذه التحديات الداخلية على الساحة الدولية. وبينما تتكشف دراما عزل رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري كيفن مكارثي، يتساءل الكثيرون عن مدى تأثيرها في الصراع الدائر بأوكرانيا منذ أكثر من عام ونصف العام.
عزل مكارثي، الذي يعدّ سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، لا يعكس حدّة الانقسامات التي يعانيها الحزب الجمهوري وحسب، بل يقرع أيضاً أجراس الإنذار في أروقة كييف. وبات لدى قادة أوكرانيا الآن سبب جديد للقلق، فالفوضى السياسية المتصاعدة في أمريكا تهدّد بعرقلة إمداداتهم من المال والأسلحة، بحسب بوليتيكو.
وعلى ضوء هذه الانقسامات التي تهدد بعرقلة المساعدات المقدمة لكييف، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربعاء أنه سيلقي قريباً "خطاباً مهماً" بشأن أهمية دعم أوكرانيا، مشيراً إلى أنه سيتطرق إلى هذه المسألة ولماذا؟ من المهم جداً للولايات المتحدة وحلفائها أن يحافظوا على التزاماتهم، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
فوضى الموازنة
قالت سي إن إن إن المعارك والمشاحنات بين المشرّعين في واشنطن "شرسة بشكل متزايد" ومن المتوقع أن يكون لها عواقب، بما في ذلك خفض آخر للتصنيف الائتماني، الأمر الذي قد يؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الأمريكي.
وأشارت الشبكة الأمريكية إلى أن الخلاف بين الحزبين كاد يؤدي خلال الصيف إلى تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها للمرة الأولى منذ تأسيس الدولة قبل ما يقرب من 250 عاماً. وهو ما عاد وظهر خلال عطلة نهاية الأسبوع، إذ تجنّبت الحكومة بصعوبة الإغلاق بفضل الاتفاق الذي أبرمه النائب الجمهوري كيفن مكارثي مع الديمقراطيين.
ولا يتوقع الخبراء أن تمر هذه الفوضى في أروقة السياسة الأمريكية من دون أن يلاحظه أحد من وكالة موديز لخدمات المستثمرين-وهي الأخيرة من بين ثلاث وكالات تصنيف ائتماني كبرى تمنح ديون الولايات المتحدة أعلى تصنيف ممكن AAA.
وكانت سي إن إن قد ذكرت الأسبوع الماضي أن وكالة موديز حذرت من أن إغلاق الحكومة قد يدفعها إلى خفض تصنيف الديون الأمريكية. الأمر الذي من شأنه "أن يزيد من الضغوط التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي، بل يمكن أن يزيد من احتمالات الركود".
تجدر الإشارة إلى أن وكالة فيتش قد خفّضت تصنيف ديون الولايات المتحدة في أغسطس/آب من AAA إلى AA+. وأثارت هذه الخطوة عمليات بيع في سوق الأسهم، ودفعت عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر/تشرين الثاني.
عزل مكارثي
للمرة الأولى في تاريخه الممتدّ منذ 234 سنة، صوت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية 216 صوتاً مقابل 210 لمصلحة مذكرة طرحها الجناح المتشدّد في الحزب الجمهوري تنص على اعتبار "منصب رئيس مجلس النواب شاغراً".
وجاء هذا التحرك، الثلاثاء، بقيادة النائب عن فلوريدا مات جايتز للإطاحة بمكارثي من منصب رئيس مجلس النواب بعد تمرير الأخير قرار تمويل الحكومة حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، ما دفع الجمهوريين المتشدّدين للانضمام لجايتز والإطاحة بمكارثي.
وفي أعقاب هذه الإطاحة التاريخية دخل مجلس النواب الأمريكي في أزمة من دون حل واضح، ولا سيما بعد تنافس مجموعة من المشرّعين الجمهوريين علناً أو سراً على المنصب الأعلى. ولكن العواقب المترتبة على التمرّد من فصيل صغير من المحافظين المتشددين أصبحت أكثر وضوحاً-ومن المرجح أن تلقي بظلالها على اقتصاد الولايات المتحدة وعلى ساحات القتال في أوكرانيا، بحسب شبكة بي بي سي البريطانية.
هل توقف واشنطن تمويل أوكرانيا؟
ألقت الإقالة التاريخية لرئيس مجلس النواب بمزيد من الشكوك حول مستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا في حربها مع روسيا، ولا سيما أنها جاءت بعد أيام من تعليق المشرعين خطة أمريكية حيوية لإرسال مليارات الدولارات كمساعدات إلى كييف.
وقد استغل المتشددين في الحزب الجمهوري المساعدات المقدمة لأوكرانيا كأحد أبرز الأسباب للإطاحة بمكارثي. وبينما جرى تمرير دفعة الـ300 مليون دولار الأخيرة من المساعدات لأوكرانيا بأغلبية 331 صوتاً مقابل 117، لكن جميع الأصوات الـ117 الرافضة كانت من الجمهوريين-أي أكثر من نصف ممثلي الحزب-من شأنها أن تلعب دوراً حاسماً في انتخاب بديل يركز كل جهده على قطع التمويل الأمريكي عن كييف.
هذه التقلبات دفعت الساسة في كييف للشعور بالحيرة بشأن ما قد يحدث بعد أن أصبح حليفهم العسكري الأقوى غير جدير بالثقة، وفقاً للبوليتيكو الذي نقل عن إيفانا كليمبوش، النائبة البارزة في البرلمان الأوكراني، قولها: "نحن مذعورون. إنها كارثة لنا".
بالمقابل، صرّح بايدن الأربعاء بأن واشنطن لديها الوسائل اللازمة لتمويل "الشريحة التالية" من المساعدات، مشيراً الى أن هناك "طرقاً أخرى" لتوفير الأموال، أي من دون المرور بالإجراءات البرلمانية، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وتجدر الإشارة إلى أن معهد كيل للاقتصاد العالمي، وهو معهد ألماني يتتبع المساعدات المقدمة لأوكرانيا، كان قد ذكر أن الولايات المتحدة أنفقت حتى الآن ما يقل قليلاً عن 75 مليار دولار في دعم أوكرانيا، بما في ذلك أكثر من 42 مليار دولار من المساعدات العسكرية.