كيف صمدت غزة وقاومت رغم تتابع الحروب؟ (Others)
تابعنا

يدخل العدوان الذي أطلقه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة يومه الـ 34، مخلفاً آلاف الشهداء والجرحى، أغلبهم مدنيون عزل ومعظمهم نساء وأطفال. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة الخميس، ارتفاع حصيلة الشهداء جرّاء الغارات الإسرائيلية على القطاع إلى 10 آلاف و812 فلسطينياً، منهم 4412 طفلاً وإصابة أكثر من 26 ألفاً آخرين.​​​​​​​

وحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن "غزّة أصبحت مقبرة للأطفال"، كما أن "العمليات البرية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية والقصف المستمر يضربان المدنيين والمستشفيات ومخيمات اللاجئين والمساجد والكنائس ومنشآت الأمم المتحدة التي تتضمن ملاجئ. لا أحد في مأمن".

مع استمرار المجازر الإسرائيلية في حق سكانها، كما تهجيهم وحرمانهم من الماء والكهرباء والوقود، ومنع المساعدات الدولية عنهم، لا تزال غزّة صامدة وتقاوم مساعي الجيش الإسرائيلي لاحتلالها. وبحسب ما كشفه المتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، يوم الأربعاء، فإن المقاومة نجحت في تدمير ما لا يقل عن 136عسكرية منذ بداية الهجوم البري الإسرائيلي.

فيما ليس هذا الصمود الذي أبانت عنه غزة وليد الحرب الأخيرة، بل هو استمرار لتاريخ نضالي حافل خطّه أهالي القطاع بدمائهم، منذ الأربعينات من القرن الماضي. وهو ما أفرز النضج الذي تشهده المقامة الغزية اليوم، وقدراتها التكتيكية والعسكرية العالية التي كانت واضحة في هجوم "طوفان الأقصى" في الـ 7 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم.

غزّة ونكبة 1948

خلال الحرب العالمية الأولى، وبينما كانت كفتها قد بدأت تميل لصالح الحلفاء، سقطت غزة في يد الاحتلال البريطاني في 7 من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917. لكن سكان المدينة لم يستكينوا لهذا الواقع، وقادوا حملات مقاومة شرسة ضد الاستعمار البريطاني والعصابات اليهودية التي كان يمهد لها الطريق لاحتلال فلسطين.

ويصف المؤرخ الفلسطيني مصطفى الدباغ تلك المرحلة من تاريخ غزّة، بقوله: "اشتركت جميع مدن وقرى وبدو لواء غزّة في الجهاد ضد البريطانيين واليهود؛ ففي ثورة 1929م، غادر اليهود الذين كانوا يقيمون في غزّة بحراسة الجند، ولم يعد منهم أحد بعد ذلك التاريخ".

ومع حلول عام 1948، ونكبة الجيوش العربية، أصبحت غزة ملجأ المهجرين من مدن الجنوب الفلسطيني المحتل، كأسدود والمجدل وبئر السبع بعد احتلالها في نوفمبر/ نشرين الثاني من نفس السنة. وبحسب التقديرات، استقبل قطاع غزة نحو 200 ألف مهجر، من أصل 750 ألف فلسطيني تم ترحيلهم قسراً من مدنهم وقراهم من قبل العصابات الصهيونية.

ومنذ ذلك الوقت، نظم أهالي غزة واللاجئون إليها حملات مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي وصف هذه المرحلة، يقول المؤرخ هارون هاشم رشيد: "كانت غزة ومنذ اللحظات الأولى للنزوح الفلسطيني بؤرة للتأجج الوطني، فهؤلاء النازحون الذين وفدوا إليها، يحملون في عيونهم وقلوبهم، صور مدنهم وقراهم ومزارعهم ومدارسهم، ظلت تحفزهم على التسلل إليها والعودة إلى مرابعهم".

غزة في الخمسينات

وفي مارس/ آذار 1955، شهدت غزة انتفاضة واسعة رفضاً لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في صحراء سيناء. والتي فجرتها الغارة التي شنها الجيش الإسرائيلي على مواقع للقوات المصرية في القطاع، ما تسبب في سقوط 38 شهيداً ونحو 33 جريحاً مصريا.

وبحسب المؤرخ هارون هشام رشيد، "مثلت غارة فبراير/ شباط 1955، نقلة نوعية وحاسمة للحركة الفدائية" في قطاع غزة. ومقابل ذلك بدأت العلاقات الإسرائيلية الفرنسية والبريطانية في التقارب أكثراً، نظراً لتقاطع النزعة التوسعية لإسرائيل مع مصالح البلدين الأوروبيين في قناة السويس.

وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، شنت القوات الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية عدوانها الثلاثي على مصر، وساهم أهل غزة في العمل الفدائي ضد الإسرائيليين. وهو ما تسبب في وقوع مجزرة خان يونس، بعد أن أطلقت القوات الإسرائيلية عملية توغل واسعة في غزة، زعمت أن الهدف منها تعقب الفدائيين الفلسطينيين.

وواجه سكان بلدة خان يونس هذه العملية بمقاومة شديدة، ورداً عليها قصفت القوات الإسرائيلية المدنيين بالمدفعية. وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني، جالت دوريات الجيش الإسرائيلي أزقة البلدة، مطالبة الشباب والرجال من عمر 16 إلى 50 سنة بالخروج، ثم جرى إعدامهم ميدانياً بشكل جماعي.

ووقعت غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي عقب نكسة 1967، لكن العمل الفدائي لم يقف هناك، بل استمرّ الكر والفر بين المقاومة والقوات الإسرائيلية.

غزة مهد الانتفاضتين

في عام 1987، قتل أربعة عمال من غزة عندما صدمت شاحنةٌ عسكرية إسرائيلية سيارتهم وهشّمتها، وهو ما أثار موجة غضب واسعة في الأوساط الفلسطينية. وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول، انطلقت المظاهرات الاحتجاجية من جباليا، لتكون تلك الشرارة الأولى لـ "انتفاضة الحجارة"، والتي كان القطاع مهداً لها.

وانتقلت المظاهرات عقب ذلك إلى باقي أطراف القطاع ومنه إلى القدس والضفة الغربية، واستمرّت إلى حدود عام 1993 حيث انتهت باتفاق أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطيني والحكومة الإسرائيلية.

وفي هذه الظروف ولدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في غزّة عام 1987، بقيادة الشهيد الشيخ أحمد ياسين. ورفضت حماس الاعتراف باتفاق أوسلو، وتستمر إلى اليوم في حمل السلاح في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

وفي عام 2000، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، "انتفاضة الأقصى"، عقب اقتحام زعيم المعارضة اليمينية أريال شارون للمسجد الأقصى، وهو ما أثار غضب الفلسطينيين الذين خرجوا في مظاهرات تنديدية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي واجهتهم باستخدام الرصاص الحي ضد الفلسطينيين العزل.

ويعتبر الطفل الفلسطيني "محمد الدرة"، رمزًا للانتفاضة الثانية، فبعد يومين من اقتحام المسجد الأقصى، أظهر شريط فيديو التقطه مراسل قناة تلفزيونية فرنسية، في 30 سبتمبر/أيلول 2000، مشاهد إعدام حية للطفل الدرة (11 عاما)، الذي كان يحتمي إلى جوار أبيه ببرميل إسمنتي، في شارع صلاح الدين جنوب مدينة غزة.

تميزت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مقارنة بالانتفاضة الأولى، بكثرة المواجهات وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي. وبحسب أرقام فلسطينية وإسرائيلية رسمية، فقد أسفرت هذه الانتفاضة عن استشهاد 4412 فلسطينيًا و48322 جريحًا، فيما قتل 1069 إسرائيليًا وجرح 4500 آخرون.

وبعد عام من اندلاع الانتفاضة، كانت غزة منصة إطلاق أول صاروخ فلسطيني محلي الصنع، من قبل كتائب القسام، والذي استهدفت به مستوطنة "سديروت" جنوبي إسرائيل. وكان ذلك قفزة كبيرة في عمل المقاومة، أعقبه تطور على نحو متسارع في قدراتها في تصنيع الصواريخ، ووصولها إلى كبرى المدن في إسرائيل.

جولات الحرب المتتالية

شهد عام 2006 انقساماً كبيراً بين القوى السياسية الفلسطينية، وهو ما أفرز عن سيطرة كاملة لحماس على قطاع غزة. وأتى ذلك عقب تنفيذ الحكومة الاسرائيلية خطة "فك الارتباط أحادية الجانب"، والتي بموجبها انسحبت من القطاع، وعوضت احتلالها له بإطباق حصارها عليه.

فعمل أهالي غزة على التكيف مع هذا الواقع الجديد، ذلك بناء شبكة أنفاق معقّدة تحت أرض المدينة، عملت خلال سنوات كأداة وحيدة لإمداد المدينة بالمواد الغذائية والسلع والوقود. كما استخدمت المقاومة الفلسطينية هذه الأنفاق في أعمالها، وشن هجمات على الجيش الإسرائيلي.

وفي الـ 25 يونيو/ حزيران 2006، شنت كتائب القسام عملية نوعية أسمتها "الوهم المتبدد"، واستهدفت بها مواقع للجيش الإسرائيلي على الحدود الشرقية لمدينة رفح، وتمكنت من خلالها من قتل جنديين إسرائيليين وجرح خمسة وأسر ثالث، وهو الجندي جلعاد شاليط.

وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، بدأت إسرائيل حربا على غزة أطلقت عليها اسم "عملية الرصاص المصبوب"، وردت عليها المقاومة الفلسطينية في القطاع بعملية سمتها "معركة الفرقان".

واستمر العدوان الإسرائيلي على غزة نحو 23 يوما، وخلّف أكثر من 1430 فلسطينياً، بينهم أكثر من 400 طفل و240 امرأة و134 شرطياً، وأصيب أكثر من 5400 آخرين، كما دُمِّر أكثر من 10 آلاف منزل بشكل كامل أو جزئي.

وبعد هذه الحرب، أطلقت إسرائيل عددا من الحروب على غزة. وكانت الحرب الثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وأطلقت عليها اسم "عمود السحاب". وأطلقت حرباً ثالثة باسم "الجرف الصامد" في يوليو/ تموز 2014. وبعدها في 2019، شنت هجمات مدفعية وصاروخية على القطاع أدت لمقتل عشرات المدنيين.

وفي عام 2021 اندلعت معركة "سيف القدس" التي سمتها إسرائيل "حارس الأسوار"، بعد استيلاء مستوطنين على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح، واقتحامات القوات الإسرائيلية المتتالية للمسجد الأقصى.

وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية معركة "طوفان الأقصى"، والتي نفذت خلالها هجوما مباغتاً على مستوطنات غلاف غزة، قتلت فيها أزيد من 1400 إسرائيلي، وتم أسر نحو 250 شخص .

TRT عربي
الأكثر تداولاً