فكرة مستمدة من البراكين.. ماذا تعرف عن الخطة الأمريكية لتبريد الأرض؟ / صورة: AA (Muhammed Enes Yildirim/AA)
تابعنا

في مواجهة المخاوف المتزايدة بشأن تغير المناخ وعواقبه المحتملة، يعمل العلماء وصناع السياسات في جميع أنحاء العالم على استكشاف استراتيجيات مبتكرة للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري. إحدى هذه الأفكار مستوحاة من الدمج بين الظواهر الطبيعية المتمثلة بـ"الانفجارات البركانية" وعالم الخيال العلمي.

ففي رواية الخيال العلمي لكيم ستانلي روبنسون، "وزارة المستقبل"، قتلت موجة حر في الهند 20 مليون شخص، وبدافع اليأس قررت الهند تنفيذ استراتيجيتها الخاصة للحد من ضوء الشمس الذي يصل إلى الأرض.

وفي تطور مثير للاهتمام، اكتسبت الخطة الأمريكية الطموحة لتبريد الأرض زخماً ملحوظاً مؤخراً، وذلك بعد أن أصدر البيت الأبيض، نهاية الشهر الماضي، تقريراً حول الهندسة الجيولوجية الشمسية، وهو مصطلح شامل يصف طرقاً لعكس ضوء الشمس بعيداً عن الأرض لتبريد الغلاف الجوي، وفقاً لما نقلته شبكة سي إن بي سي الأمريكية، والتي قالت أيضاً إن إدارة بايدن لا خطط جارية لديها لإطلاق برنامج بحث شامل في تعديل الإشعاع الشمسي، لكن التقرير يوضح كيف سيبدو مثل هذا البرنامج البحثي ولماذا يمكن أن يكون مفيداً.

في هذا التقرير، نتعمق في تفاصيل هذا المسعى الجذاب ونستكشف ما نعرفه حالياً عن الخطة الأمريكية للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري، فضلاً عن استعراض آثاره الجانبية المحتملة في مستقبل كوكبنا.

حاجة ملحة

أصبح واقع تغير المناخ واضحاً بشكل متزايد، مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، والظواهر الجوية المتطرفة، والاختلالات البيئية. وباتت الحاجة ملحة لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة المناخ الآخذة في التفاقم يوماً بعد يوم، الأمر الذي يدفع العلماء وصناع السياسات والمبتكرين إلى استكشاف حلول مبتكرة.

وفي حين أن الأساليب التقليدية مثل الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لا تزال ذات أهمية قصوى، يُنظر مؤخراً في أفكار جديدة وغير تقليدية لمواجهة الآثار السلبية للاحتباس الحراري.

أحد هذه الأساليب غير التقليدية التي تحظى بالاهتمام هو الهندسة الجيولوجية الشمسية، وهو مصطلح يشمل استراتيجيات مختلفة للتعامل بفعالية مع أنظمة مناخ الأرض. فيما لا يزال مثيراً للجدل، فإنه يوفر إمكانية تخفيف تغير المناخ عن طريق خفض درجات حرارة الأرض أو التقاط ثاني أكسيد الكربون الزائد من الغلاف الجوي.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الفكرة موجودة منذ الستينيات، لكنها حظيت باهتمام أكبر مؤخراً كون المساعي العالمية لتغير المناخ لم تحقق أي إنجاز يذكر حتى الآن، وعوضاً عن ذلك يسير العالم بسرعة لاجتياز عتبات الاحترار الحرجة، التي تتزايد بعدها بشكل كبير فرص حدوث الفيضانات الشديدة والجفاف وحرائق الغابات ونقص الغذاء.

ما هي الهندسة الجيولوجية الشمسية؟

في أبسط صورها، الهندسة الجيولوجية الشمسية، المعروفة أيضاً باسم إدارة الإشعاع الشمسي، هي محاولة لخفض درجة حرارة الكوكب عن طريق عكس ضوء الشمس بعيداً أو السماح لمزيد من الحرارة بالهروب إلى الفضاء.

حسب شبكة سي إن إن الأمريكية، فإن لذلك ثلاث تقنيات رئيسية، الأولى تتمثل في جعل سطح السحب البحرية (السحب المنخفضة فوق المحيطات) أكثر انعكاساً عن طريق رشها بملح البحر. فيما تهدف التقنية الثانية إلى ترقق السحابة الرقيقة إلى سحب ضعيفة في أعلى الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى زرعها بجزيئات الهباء الجوي في محاولة لتقليلها، بحيث تحبس حرارة أقل.

ومع ذلك، فإن الطريقة الأكثر بحثاً هي حقن الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير. يتضمن رش الهباء الجوي (مثل جزيئات ثاني أكسيد الكبريت) في الستراتوسفير، على ارتفاع أكثر من 12 ميلاً فوق سطح الأرض، لعكس ضوء الشمس مرة أخرى في الفضاء. يمكن تحقيق ذلك بالبالونات أو الطائرات المتخصصة القادرة على الطيران على ارتفاعات عالية.

حتى إن العلماء ذهبوا إلى أبعد من ذلك لاقتراح نفخ غبار القمر نحو الأرض ليكون بمثابة درع من الشمس، مما يقلل من كمية ضوء الشمس التي تصل إلى الكوكب.

يذكر أن فكرة حقن الهباء الجوي مستمدة من البراكين. عندما اندلع بركان جبل بيناتوبو في الفلبين في عام 1991، كان لثاني أكسيد الكبريت الذي أطلقه في الغلاف الجوي تأثيراً في تبريد الكوكب مؤقتاً بمقدار 0.5 درجة مئوية (نحو درجة واحدة فهرنهايت).

توجس وترقب

يرى مؤيدوها، أن الهندسة الجيولوجية الشمسية حل لا يمكننا تجاهله فيما يتجه العالم نحو كارثة مناخية. أما النقاد يرونها تقنية خطيرة للغاية ولا ينبغي لنا حتى البحث عنها، إذ يرون في هذه التقنيات الوليدة مثل امتصاص الكربون من الغلاف الجوي أو حجب أشعة الشمس مشتتاً يمكنه أن يصرف الانتباه عن سن سياسات صارمة للحد من التلوث الكربوني، وفق صحيفة بوليتيكو.

وفي حين أن لا أحد يدعي إلى حد كبير أن الهندسة الجيولوجية الشمسية يمكن أن تحل محل خفض التلوث الناتج عن الاحتباس الحراري وحل تغير المناخ، بل هي مجرد علاج للأعراض وليس المرض الأساسي، يجادل المؤيدون بأنه يمكن أن يكون لها تأثير تبريد كوكبي كبير مقابل سعر صغير نسبياً، إذ قدرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2018 أنها ستكلف نحو 2.25 مليار دولار سنوياً على مدار 15 عاماً.

وعلى الرغم أن الحجج المتعلقة بالمخاطر الأخلاقية أعاقت الجهود البحثية، فإن الفكرة تحظى باهتمام أكثر إلحاحاً في أزمة المناخ المتفاقمة. فيما أوضح برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه بالرغم من أن بعض تقنيات تعديل الإشعاع الشمسي، مثل حقن الستراتوسفير بالهباء الجوي باتت أكثر نضجاً مع كثرة التجارب النشطة التي تُجرى في الهواء الطلق، لا تزال المشكلات الحرجة لهذه التقنية لم تُحل بشكل عام.

في الختام، من المعروف أن بعض التقنيات، مثل رش ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي، له آثار ضارة في البيئة وصحة الإنسان. لكن العلماء وقادة المناخ الذين يساورهم القلق من أن تتجاوز البشرية أهداف انبعاثاتها يقولون إن البحث مهم لمعرفة أفضل السبل لموازنة هذه المخاطر مع الارتفاع الكارثي المحتمل في درجة حرارة الأرض.

TRT عربي
الأكثر تداولاً