مدينة كالينينغراد الروسية على ساحل البلطيق التي تعتبر رأس الحربة بالنسبة لموسكو (Others)
تابعنا

تعتبر كاليننغراد الواقعة وسط الأراضي الأوروبية مركزاً جيوسياسياً مهماً تتقاطع فيه الحضارة الروسية والأوروبية، فضلاً عن كونها رأس حربة روسيا الموجهة نحو الناتو على أقصى الحدود الغربية، إذ تعد من أهم مناطق روسيا السياسية والعسكرية التي تستضيف قواعد عسكرية روسية عل سواحل بحر البلطيق.

وبقيت منطقة كالينينغراد، التي احتلها الروس عام 1945 وألحقوها بالاتحاد السوفيتي، نائمة أكثر من عقدين في عزلة نسبية بشكل بدت فيه أنها منسية من كل من موسكو والغرب، وذلك بعد أن وجدت نفسها منعزلة تماماً عن الأراضي الروسية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال دول البلطيق، في حين تجاورها برياً كل من بولندا وليتوانيا ويحدها بحر البلطيق.

وبالتزامن مع تصاعد حدة التوترات بين روسيا من طرف وأوكرانيا ومن خلفها حلف الناتو من الطرف الآخر، عادت كاليننغراد لتتصدر المشهد مجدداً في الصراع الروسي الغربي الذي قد يتجاوز الحدود الأوكرانية ليمتد ويطال القارة الأوروبية برمتها. وهو الصراع الذي إذا اشتعل سيكون كفيلاً بتحويل كاليننغراد إلى رأس حربة الترسانة الروسية التي بدأت تتكدس على شواطئ البلطيق.

تاريخ كالينينغراد

يمتد تاريخ كالينينغراد (كونيغسبرغ) إلى أكثر من 8 قرون، وتحديداً للفترة الطويلة التي عاشت فيها القبائل البروسية التي وصلت إلى هذه الأراضي في القرن الثالث عشر. فبعد وصول فرسان أخوية "تيوتون" الألمانية في عام 1226 إلى أراضي جنوب شرق البلطيق وقهرهم السكان الأصليين، أتموا بناء قلعة على الضفة المرتفعة لنهر بريجيل أطلقوا عليها اسم كونيغسبرغ أي "جبل الملك".

وتدريجياً ظهرت ثلاث مدن صغيرة ولكنها مرتبطة بشكل وثيق بالقرب من القلعة، والتي دمجت عام 1724 في مدينة واحدة تحمل اسم كونيغسبرغ.

وفي عام 1756 بدأت حرب السنوات السبع، فاحتلت القوات الروسية أراضي المملكة وأدى سكان بروسيا قسم الولاء للإمبراطورة الروسية إليزافيتا بتروفنا. وهكذا، حتى وفاة الإمبراطورة، كانت هذه المنطقة جزءاً من الإمبراطورية الروسية.

فيما شهد عام 1762 عودة بروسيا إلى التاج الألماني. وبعد تقسيم بولندا في القرن الثامن عشر، أخذت بروسيا جزءاً من الأراضي البولندية، ومنذ ذلك الحين، عُرفت المنطقة التي تقع فيها منطقة كالينينغراد حالياً باسم شرق بروسيا.

وقبل الحرب العالمية الثانية كانت كونيغسبرغ مدينة كبيرة وجميلة ببنية تحتية متطورة. وكما هو حال بقية المدن الأوروبية الأخرى، تعرضت كونيغسبرغ (كالينينغراد حالياً) للقصف والتدمير في عملية انتقامية نفذتها الطائرات البريطانية في أغسطس/آب 1944.

كالينينغراد: أراضي روسية

كالينينغراد رأس حربة روسيا في مواجهة الناتو. (Others)

في أبريل/نيسان 1945 داهمت القوات الروسية كونيغسبرغ واحتلتها، وأحيل القسم الشمالي من إقليم بروسيا الشرقية الألمانية مؤقتاً إلى الاتحاد السوفيتي بموجب القرارات التي اتخذت في مؤتمر بوتسدام في صيف عام 1945 في ختام الحرب العالمية الثانية.

وبهذا تحول انتماء المنطقة، الألمانية عِرقاً، إلى الاتحاد السوفيتي، الذي بدوره غيّر اسمها إلى كالينينغراد في صيف عام 1946 بعد طرد السكان الألمان وإحلال الروس محلهم، وذلك عقب توقيع معاهدة الحدود التي اعترفت بمحافظة كالينينغراد بكونها إقليم من أقاليم جمهورية روسيا الفيدرالية السوفيتية الاشتراكية ضمن الاتحاد السوفيتي.

وخلال الحرب الباردة، كانت كالينينغراد، رأس الحربة في أقصى الغرب السوفيتي، على استعداد لمحاربة قوات الناتو حول بحر البلطيق بأكمله من ميناء البلطيق السوفيتي الوحيد الخالي من الجليد. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، انخفض عدد الجنود الروس في المنطقة من قرابة 200 ألفاً إلى حوالي 20 ألفاً فقط. الأمر الذي عكس التزام روسيا بنزع السلاح، لكنه بنفس الوقت عكس انهياراً عاماً للقوة العسكرية الروسية العظمى.

قاعدة روسية على بحر البلطيق

صواريخ إسكندر-إم الروسية في مدينة كالينينغراد (سبوتنيك). (Others)

تعتبر كالينينغراد حالياً قاعدة عسكرية روسية عائمة وسط القارة الأوروبية. والتي على الرغم من ضعفها وعزلتها وسط دول البلطيق التي انضمت إلى حلف الناتو، تشكل حجر الزاوية في حزم التهديد العسكري التي تلوح به موسكو في وجه التحالف الغربي.

وتزامناً مع تصاعد حدة التوترات على الحدود الأوكرانية في الآونة الأخيرة، استعرضت روسيا علناً نشرها أسلحة فتاكة على أراضي كالينينغراد، فإلى جانب منظومة "إس 400" الدفاعية، نصبت موسكو أيضاً منظومة صواريخ "إسكندر-إم" الباليستية التي تشكل عنصر الهجوم البري والبحري بعيد المدى.

وعلى الرغم من عدم امتلاك روسيا القدرة الكافية للدفاع عن كالينينغراد على المدى الطويل في حال اندلاع حرب شاملة، فإن ذلك لا يعني أن كالينينغراد لا تمنح موسكو حتى اللحظة الفرصة لإدارة الأزمة السياسية مع الغرب من خلال تهديد دول البلطيق وزعزعة استقرارها الأمني.

TRT عربي