تابعنا
شهدت أسواق السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة قفزة هائلة على الصعيد العالمي، حيث تجاوزت المبيعات 10 ملايين سيارة عام 2022.

تسعى الدول العربية إلى الاستثمار في سوق السيارات الكهربائية التي تشهد نمواً عالمياً متزايداً، عبر استثمارات وخطط لتوطين صناعة هذا النوع من المركبات، وتشجيع المواطنين على استخدامها، ومدّ قطاع النقل العام والجماعي بالحافلات الكهربائية.

وشهدت أسواق السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة قفزة هائلة على الصعيد العالمي، حيث تجاوزت المبيعات 10 ملايين سيارة عام 2022، حسب الوكالة الدولية للطاقة التي تتوقع بيع 14 مليوناً منها مع نهاية العام الجاري، ونتيجة لذلك، يمكن أن تمثل السيارات الكهربائية 18% من إجمالي مبيعات السيارات على مدار العام بأكمله.

ورغم أنّ حصّة الدول العربية من هذا السوق لا تزال ضئيلة، إذ يعود معظم هذه المبيعات إلى أسواق الاقتصادات الكبرى في الصين والولايات المتحدة وأوروبا، فإنّ بعض الدول العربية بدأت تحقّق نمواً واعداً في هذا القطاع، مدفوعة بالبُعد الاقتصادي مع ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته، وبالبُعد البيئي، إذ أضحت السيارات الكهربائية جزءاً من استراتيجيتها للانتقال الأخضر والحياد الكربوني خلال العقود القليلة القادمة.

السعودية

تسعى المملكة العربية السعودية إلى تنويع اقتصادها في إطار "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتأمل المملكة أن تمكّنها سوق السيارات الكهربائية من الحفاظ على مكانتها الجيوسياسية التي اكتسبتها كقوة عالمية مهيمنة في سوق النفط.

وفي هذا الإطار اتخذت المملكة بالفعل خطوات مهمة نحو جعل المركبات الكهربائية محوراً لاقتصادها في القرن الحالي، إذ أعلنت في مايو/أيار 2022 عن ضخ استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار في مجمع الصلب ومصنع معادن المركبات الكهربائية، سبقها بأسابيع توقيع اتفاقية لشراء 50-100 ألف سيارة كهربائية على مدى 10 سنوات من شركة "لوسيد Lucid"، التي يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصة أغلبية فيها، ولإنشاء أول مصنع للشركة الأمريكية خارج الولايات المتحدة في جدة.

وأصدرت وزارة الصناعة السعودية في يونيو/حزيران الماضي ترخيصاً صناعياً لشركة "سير"، أول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية في المملكة؛ لإقامة منشأة تصنيع على مساحة تزيد على مليون متر مربع في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

وقد أُعلن عن إطلاق شركة "سير"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتُعدّ مشروعاً مشتركاً بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة "فوكسكون Foxconn" التايوانية.

الإمارات

وأطلقت الإمارات عدداً من المشاريع الاستثمارية لإنتاج السيارات الكهربائية في كل من أبوظبي ودبي، كما أعلنت مؤخراً تفاصيل السياسة الوطنية للمركبات الكهربائية، بهدف توحيد معايير البنية التحتية لمحطّات شحن المركبات الكهربائية، وزيادة نسبة المركبات الكهربائية في الدولة لتصبح 50%؜ من إجمالي المركبات بحلول عام 2050.

ويتحدث عن هذه المشاريع المهندس عماد سعد، رئيس شبكة بيئة أبوظبي، مشيراً إلى إعلان إمارة أبوظبي في سبتمبر/أيلول 2022 توقيع اتفاقية لإقامة أول منشأة لتجميع السيارات الكهربائية، بالتعاون بين "مجموعة موانئ أبوظبي" وشركة "إن دبليو تي إن" الصينية، بهدف تلبية الطلب المتنامي على خيارات النقل المستدام.

ويضيف سعد لـTRT عربي: "كذلك شهدت المنطقة الصناعية بإمارة دبي في أكتوبر/تشرين الأول 2022 افتتاح مصنع (الدماني) لإنتاج السيارات الكهربائية التابع لمجموعة (تيكوم)، بطاقة إنتاج سنوية تعادل 10 آلاف سيارة، وسط توقعات بنمو سوق المركبات الكهربائية في الإمارات بمعدل نمو سنوي مركّب عند 30% حتى عام 2028".

ويرى أنّ السياسة الإماراتية للمركبات الكهربائية، من شأنها توحيد معايير البنية التحتية لمحطات شحن المركبات الكهربائية، وتبديد أهم المخاوف والعوائق التي تحدّ من انتشار واستخدام المركبات الكهربائية، في الوقت الذي يستهدف كثير من المطورين العقاريين والمراكز التجارية بالدولة زيادة المتاح من محطات الشحن داخل مشاريعهم.

الأردن

وتوقع تقرير حديث نشرته مؤسسة "فيتش سولوشنز" زيادة إقبال الأردنيين على اقتناء السيارات الكهربائية، وارتفاع مبيعاتها بنسبة 45.9% هذا العام لتصل إلى نحو 23 ألفاً و400 وحدة، مقارنةً بنحو 16 ألف وحدة مبيعة عام 2022.

وتشجع الحكومة الأردنية مواطنيها، على استخدام السيارات الكهربائية، وذلك من خلال خفض الرسوم والضرائب عليها، إذ تبلغ نسبة الرسوم على السيارات الكهربائية 10% فقط مقارنةً بالسيارات الأخرى، حسب السيد علي عزبي فريحات، رئيس مجلس إدارة جمعية البيئة الأردنية.

ويشير فريحات في حديثه مع TRT عربي، إلى خطة زيادة محطات الشحن في الأردن بنسبة كبيرة، والسماح بتركيب عدّادات كهربائية منفصلة لشحن السيارات الكهربائية من المنازل؛ بهدف تخفيض التكلفة الكهربائية على أصحاب هذه السيارات.

وعن مشاريع تصنيع السيارات الكهربائية في المملكة، يلفت إلى توقيع اتفاقية بين شركة "المناصير" وشركة صينية، لتصنيع ما يقارب 150 ألف سيارة كهربائية في الأردن سنوياً، وإنشاء محطات شحن كهربائية وتوزيعها في مختلف محافظات المملكة.

ويرى فريحات أنّ من أهم المخاوف التي تمنع الانتقال إلى شراء السيارات الكهربائية هو عدم وجود خبراء فنيين للقيام بعملية الصيانة اللازمة لها، ورغم ذلك إضافةً إلى ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية، فإنّ الأردن يشهد نمواً كبيراً في هذا القطاع؛ بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات.

مصر

ويتوقع تقرير مؤسسة "فيتش سولوشنز" الصادر في يوليو/تموز الماضي، نمواً في الطلب على السيارات الكهربائية في مصر بنسبة 10.5% هذا العام، يقوده المصريون في الخارج بالاستفادة من مبادرة استيراد السيارات المعفاة من الضرائب، ومع ذلك، يرى التقرير أنّ شعبية السيارات الكهربائية في مصر لا تزال منخفضة؛ بسبب ضعف العملة المحلية، وارتفاع تكلفة المستوردات، ونقص البنية التحتية لمحطات الشحن وانخفاض الدخل بشكل عام.

ويؤكد ذلك الصحفي أحمد شوقي العطّار، رئيس تحرير موقع "أوزون" المتخصص بقضايا البيئة والتغير المناخي، قائلاً: "إنّ مصر فيها نحو 400 سيارة كهربائية فقط من إجمالي 5 ملايين سيارة مسجلة، ولم تشهد السيارات الكهربائية رواجاً في مصر حتى الآن بسبب ارتفاع أسعارها، وندرة نقاط الشحن في البلاد، وهو ما تعمل الدولة على معالجته في خطتها الشاملة ضمن استراتيجية التوطين".

وعن مشاريع إنتاج السيارات الكهربائية في مصر، يشير العطار في حديثه مع TRT عربي، إلى تبني الحكومة منتصف 2019 استراتيجية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية، حيث أعلنت تدشين تعاون مع الشركات العالمية التي تعمل في هذا المجال، واستهدفت الخطة أن تكون 70% من السيارات في مصر كهربائية في الفترة بين 2026 و2030.

وأطلقت القاهرة في يونيو/حزيران 2021، أول سيارة كهربائية مصرية E70 بشكل تجريبي، معلنةً البدء في إنتاجها مطلع عام 2022 في شركة النصر لصناعة السيارات التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، بالتعاون مع شركة "دونغ فينغ" الصينية، بهدف إنتاج 25 ألف سيارة أولاً ثم زيادتها إلى 50 ألفاً و100 ألف سيارة كهربائية مصرية بهدف التصدير.

لكنّ موعد البدء أُرجئ تنفيذه لأسباب غير معلنة -حسب العطار- وسط تكهنات بإغلاق الحكومة المصرية ملف المشروع نهائياً، إلا أنّ التصريحات الرسمية تؤكد أنّ المشروع ما زال مستمراً رغم تأخر طرح السيارة المصرية.

وتتعاون مصر مع شركات "دونغ فينغ" و"جيلي" الصينيتين، وشركات أخرى مثل "بي إم دبليو" و"بورش" و"جاغوار" كوكلاء لتوريد مصر بالسيارات الكهربائية، إضافةً إلى التعاقد السابق مع "دونغ فينغ" لتوطين الإنتاج في مصر.

المغرب

ويسعى المغرب لتعزيز موقعه في سوق السيارات الكهربائية، في إطار التحول إلى الاقتصاد الأخضر، لمواجهة آثار التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار المحروقات.

وقد بنت المملكة سمعة ممتازة من خلال إنشاء شبكة قوية من البنى التحتية والمناطق الصناعية لتصنيع السيارات الكهربائية من شركات عالمية، وتوفير العمالة الماهرة، إضافةً إلى التكلفة المنخفضة، وقربها من الأسواق الأوروبية، وتمكنت من ترسيخ نفسها مصدراً رئيسياً لهذه الصناعة الخضراء في السوق الإفريقية.

وحصل المغرب في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على أولى محطات شحن للسيارات الكهربائية من شركة "تسلا موتورز" لأول مرة في إفريقيا، في مدينتَي طنجة والدار البيضاء، كما تسعى المملكة لإنشاء بنية تحتية لإنتاج البطاريات الكهربائية، تناسب قطاع السيارات الحالي من خلال استغلال موارد مكتشفة من الكوبالت المستعمل في إنتاجها.

وعلى صعيد تصنيع السيارات الكهربائية، فإنّ المغرب يشهد استثمارات أوروبية ضخمة في هذا المجال، إذ أعلنت شركة "فيات" الإيطالية، اعتزامها تصنيع سيارتها الكهربائية "توبولينو" في المغرب، كما بدأت "رينو" الفرنسية إنتاج أولى سياراتها الكهربائية في طنجة المغربية شمال البلاد.

لكن رغم كون المغرب مركزاً مهماً للاستثمار في قطاع السيارات النظيفة، لا تزال السيارات العاملة على الوقود الأحفوري تهيمن على السوق المغربية، وهو ما يؤكده الناشط البيئي المغربي ورئيس مركز "آفاق بيئية"، محمد التفراوتي، فمنذ بدء استخدام السيارة الكهربائية في المغرب عام 2017، لم يتجاوز عددها 500 سيارة، ويوجد حالياً أقل من عشرة نماذج كهربائية معروضة للبيع في شبكة التوزيع الوطنية.

ويضيف التفراوتي لـTRT عربي، أن الحكومة المغربية تقدم تسهيلات مالية من خلال إعفاء هذه المركبات من الرسوم السنوية، لكنّ غياب الاستثمار في محطات الشحن، وقلة عددها وضعف أدائها، وضعف سوق قطع الغيار، وارتفاع ثمن المركبات الكهربائية (40-60 ألف دولار)، كل ذلك لا يزال يشكل عائقاً أمام المغاربة للحصول عليها.

TRT عربي